إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم

مجزرة بني قريظة

من ویکی اسلام
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

وفقًا للمصادر الإسلامية التقليدية، في العام 627 م ونتيجةً لمعركة الخندق وخيانة قبيلة بني قريظة اليهودية للمسلمين، قام المسلمون تحت قيادة النبي محمد العسكرية المباشرة بحصار مجمّع بني قريظة. وبعد حصار دام حوالى اسبوعين، حسب المصدر المستخدم، استسلم يهود بني قريظة وعهدوا بمصيرهم إلى وسيط موثوق به من مسلمي قبيلة الأوس، وهو سعد بن معاذ. ومع ذلك، نصح سعد بن معاذ محمداً، مدعياً أنه يتبع قانون التوراة نفسه، بذبح رجال القبيلة وبيع النساء والأطفال كعبيد. وأخذ محمد بهذه النصيحة ونتيجة لذلك تم ذبح ما بين 400 و 900 سجين من القبيلة، وكثير منهم أمام عائلاتهم، وبيعت بقية القبيلة ليصبحوا عبيداً. ويشهد على هذا الحدث بشكلٍ جيّد في التقاليد التاريخية الإسلامية، وكان بمثابة أساس لأحكام متعددة عبر التاريخ تتناول معاملة القوات العسكرية الإسلامية لغير المسلمين الأسرى.


معلومات أساسيّة

وفقًا لابن إسحاق، فإن غارات محمد العدوانية المستمرة وإثارة الحرب ضد المكيين دفعتهم، بالتحالف مع القبائل اليهودية التي طردها من يثرب وقبيلة غطفان العربية الشمالية، إلى وضع حدٍّ له بشكلٍ نهائيّ. وشهدت القبائل اليهودية الثلاث الأصلية في المدينة المنورة، وهي بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة، تضاؤل أعدداها إلى واحد حيث طرد محمد بنا النضير وبنا قينقاع من المدينة بحجج مختلفة. في غضون ذلك، استولى محمد والمسلمون على ممتلكاتهم، بما في ذلك أشجار النخيل الثمينة. وإلى جانب المكيين والغطفان، شكلت القبائل اليهودية المنفية في المدينة المنوية تحالفًا وجمعت جيشًا أعداده بحسب ما ورد في السيرة حوالى 10،000، بما في ذلك أكثر من 600 فارس ضد عدد قليل جدًا من الفرسان المسلمين، و 7000 أقوى من الجيش الذي هزم محمد والمسلمين في معركة أحد. وأمكن لمحمد في ذاك الوقت استدعاء قوة من حوالي 3000 رجلٍ فقط. فتلقى محمد خبر تقدمهم وبدأ في التحضير. ونصح رفيق فارسي للنبي يُدعى سلمان، وهو من قدامى المحاربين في حروب الساسانيين العديدة ضد الرومان، أنه عند مواجهة عدد كبير من فارسي العدو مثل اليهود والمكّيين المتحالفين، كانت الحيلة الجيدة هي حفر خندق دفاعي. وتقرر اتباع هذه الاستراتيجية[١]. لم يقدّم بنو قريظة المساعدة للرجال ولكنهم وفروا أدوات حفر، واعتمدت استراتيجية المسلمين على بني قريظة، الذين كان حصنهم في مؤخرة دفاعات المسلمين، ولم يكسروا تحالفهم مع محمد ولكنّهم انضمّوا كذلك إلى التحالف. وعملت استراتيجية الخندق على كسب المعركة ضد المكيين وحلفائهم، وتمّ ردع الحلفاء من دون وقوع الكثير من الضحايا للمسلمين، ولكن ثبت لاحقاً أن هذا لم يكن نهاية القتال.


الروايات في السيرة

بدأت سلسلة الأحداث التي أدت إلى تدمير بني قريظة خلال معركة الخندق. فلعدم قدرة المكيين على كسر دفاعات المسلمين المدينيين، أرسل المكّيون مبعوثًا من حلفائهم اليهود، "عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ"[٢]، إلى بني قريظة في محاولة لجلب مساعديهم وإنهاء الجمود من خلال مهاجمة محمد والمسلمين. وفقاً لابن إسحاق، في البداية لم يسمح زعيم بنو قريظة كعب بن أسعد القريظي حتّى لحيي بن أخطب بدخول المجمع، ولكن تم إجباره على القيام بذلك حين اتّهمه حيي بأنه لم يرغب في مشاركة طعامه. ولا يوضح ابن إسحاق كيف يعرف ذلك، لكنه يدعي أن المفاوضات لم تسفر عن أيّ شيء بسبب إصرار قريظة على أن يقدّم المكيون رهائن من أجل التأكد من أنهم لن يغادروا ميدان المعركة حتى يُهزم محمد (على الرغم من أنهم فعلوا ذلك، لكن في الواقع انتهى بهم الأمر بالمغادرة من دون هزيمة محمد). وبحسب ابن إسحاق، فإن بنا قريظة بعد الكثير من «التملّق» وافقوا على عدم مساعدة المسلمين أو عرقلة أو محاربة الحلفاء فحسب. ويقدّم ابن إسحاق كدليل على غدر بني قريظة سلسلة إسناد من يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بقصة أن امرأة مسلمة، صفية بنت "عبد المطلب، شاهدت كشاف يهودي من بني قريظة يستكشف حصناً للمسلمين تحضيراً لهجوم. وأخبرت قائد الحصن حسن بذلك وطلبت منه قتل الكشاف، وعندما رفض أخذت هراوةً وخرجت وضربت الرجل حتى الموت[٣]. بخلاف هذا، لا يقدم ابن إسحاق أي دليل على أن يهود بني قريظة كانوا متحالفين مع الحلفاء. لكنه يروي أن الله «زرع الفتنة» بين الحلفاء وبني قريظة، مما أدى إلى انسحاب المكيين دون هزيمة محمد أو الانخراط في هجوم منسق على المسلمين مع بني قريظة[٤].

أنزل محمد ورجاله بعد كسبهم معركة الخندق أدوات الحفر وأسلحتهم كي يعودوا إلى منازلهم. لكن حسب السيرة، كان لدى الله خطط أخرى. فظهر الملاك جبريل لمحمد تمامًا عندما أنزل سلاحه، وأبلغه أن المعركة لم تنته بعد بالنسبة ليهود بني قريظة الذين ما زالوا بحاجة إلى التعامل معهم بسبب خيانتهم المذكورة أعلاه. فأبلغ محمد رجاله أنهم لن يصلّوا صلاة العصر حتى يصلوا إلى مجمع بني قريظة، مما يعني أنه يريدهم أن يذهبوا إلى هناك بسرعة. وحاصر المسلمون المجمع لفترة زمنية مختلفة حسب المصدر (يدعي ابن إسحاق أنّها دامت 25 يومًا حتّى «ألقى الله الرعب في قلوبهم»). وطُلب من بني قريظة الاستسلام وقبول الإسلام، وهو أمر أقسموا أنهم لن يفعلوه أبدًا. ويأساً من موقفهم، وفقًا لابن إسحاق، تمّت مناقشة ثلاثة خيارات: قبول الإسلام، أو قتل زوجاتهم وأطفالهم و الانخراط في هجوم على غرار هجمة بانزاي ضد القوى الإسلامية المتفوّقة عليهم في العدد (ربما أضاف المعلقون المعاصرون، في محاكاة للصامدين من ديانتهم في مسعدة في فلسطين)، أو الانخراط في هجوم تسلل في السبت اليهودي. لم يجد يهود بني قريظة أيًا من هذه الخيارات مقبولة.


لم يتمكن بنو قريظة من التوصل إلى قرار وبقوا تحت الحصار لأسابيع، وطلبوا التحدث مع أبو لبابة، وهو رجل من قبيلة الأوس، حلفائهم. وعندما سئل أبو لبابة عما ينبغي أن بفعله بنو قريظة، نصحهم بالاستسلام للنبي، لكنه رفع يده في الوقت نفسه إلى رقبته، مشيرا إلى أنهم سيذبحون على يد المسلمين[٥]. وبعد مغادرته، شعر أن فعله في إخبار بنا قريظة بمصيرهم كان خيانة للنبي، وربط نفسه بعمود لطلب مغفرة الله، وهو عمل وافق عليه محمد. ورغم هذا التحذير، استسلمت قبيلة بني قريظة للمسلمين في اليوم التالي[٦].


طلبت قبيلة أوس، وهي حليفة بني قريظة من زمن الجاهلية، رحمة النبي لهم. والنبي الذي لم يرد أن يتسبب في انشقاق في صفوفه (كانت القسم وتحالفات الولاء مهمة جدًا في المجتمع العربي القبلي، حيث أنه في غياب المحاكم والحكومات الراسخة، كان الضمان الوحيد للأمن والعدالة الذي يمكن الحصول عليه هو الوعد بالحماية من الحلفاء في حالة القتل أو الخلافات الأسرية أو الحرب)، عهد بمصير بني قريظة إلى شيخ كبير يثق به الأوس، وهو سعد بن معاذ، الذي أصيب بجروح بالغة خلال المعركة وكان ليموت في الواقع بعد وقت قصير من مجزرة بني قريظة. وبمجرد أن تأكد سعد بن معاذ من أن بني قريظة والنبي سيلتزمون بحكمه مهما كان، أعطاه دون تردد: كان من المقرر إعدام رجال بني قريظة حتى آخر واحد بينهم، بينما يجب بيع النساء والأطفال في العبودية. وبرر سعد بن معاذ هذا القرار بأنه من توراة اليهود أنفسهم. لا يستشهد ابن إسحاق بالآية والفصل من الكتاب المقدس ولكن عادة ما يؤخذ هذا كإشارة إلى سفر التثنية 20: 12-14:

وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.

على الرغم من أن المسلمين المعاصرين يستشهدون بهذه الآية لتبرير حكم معاذ، إلا أنّ تجدر الإشارة إلى أنه لا التقليد اليهودي ولا المسيحي يفهم هذه الآية كقاعدة شاملة للحرب، بل كأمر محدد لليهود، تحت قيادة يشوع، الذين كانوا يقاتلون الشعوب الوثنية في الأرض المقدسة. لم يستخدمه أي من الدينين بشكل عام لتبرير نوع المذبحة التي وقعت في المدينة المنورة في سياقات تاريخية أخرى.

وهكذا، احتُجز السجناء في منزل أو مجمع امرأة مسلمة من عائلة الحارث من قبيلة بنو النجار. وفي الصباح، تمّت قيادتهم إلى خندق حُفر في سوق المدينة، وأُعدموا بقطع الرأس[٧]. وبحسب سيرة ابن إسحاق، كانت امرأة واحدة بينهم. فتم إعطاء النساء والأطفال الآخرين كعبيد جنسيين وعماليين للمسلمين، مع السماح للأولاد الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ بالعيش فحسب. وبحسب السيرة، كانت غنائم الأسلحة والنهب كبيرةً، لكن محمد أرسل بالرغم من ذلك بعض النساء والأطفال ليتم بيعهم في نجد مقابل المزيد من الخيول والأسلحة[٨]. وتلقى محمد كما كانت العادة اختياره من الغنائم بما في ذلك اختياره للإناث، وهي يهودية جميلة تُدعى ريحانة تم قطع رأس زوجها، والباقيات ذهبن إلى جميع المسلمين، وكلّ مسلم فارس يتلقى 3 أضعاف غنائم الجندي الذي يمشي على قدميه[٩].

الروايات في التفسير

المفسر الشهير ابن كثير، وبالاعتماد على مصادره الخاصة والكثير من المعلقين التقليديين الآخرين، في تعليقه على سورة 33 الأحزاب يعيد تأكيده على الكثير من التفاصيل ذات الصلة في سرد السيرة. وعلى وجه الخصوص، يحكي ابن كثير عن استنكار القرآن لأهل الكتاب اليهود الغادرين من قبيلة بني قريظة وخيانتهم للنبي:

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ﴾ أَيْ: عَاوَنُوا الْأَحْزَابَ وَسَاعَدُوهُمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ مِنَ الْيَهُودِ، مِنْ بَعْضِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ قَدْ نَزَلَ آبَاؤُهُمُ الْحِجَازَ قَدِيمًا، طَمَعًا فِي اتِّبَاعِ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه﴾ [الْبَقَرَةِ: ٨٩] ، فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ.
تفسير ابن كثير للقرآن سورة الأحزاب

ويشير هنا إلى السورة 33:

وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَـُٔوهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا

ويؤكد ابن كثير أن الملائكة أنفسهم هم الذين ناشدوا محمد ألا يتوقف عن القتال:

وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَوَضَعَ النَّاسُ السِّلَاحَ. فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ(٤) مِنْ وَعْثَاءِ تِلْكَ الْمُرَابَطَةِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ إِذْ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ [مِنْ](٥) دِيبَاجٍ، فَقَالَ: أوضَعت السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَضَعْ أَسْلِحَتَهَا، وَهَذَا الْآنَ رُجُوعِي مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَنْهَضَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ لَهُ: عذيرَك مِنْ مُقَاتِلٍ، أَوَضَعْتُمُ السِّلَاحَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَضْ إِلَى هَؤُلَاءِ. قَالَ: "أَيْنَ؟ ". قَالَ: بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَلْزِلَ عَلَيْهِمْ. فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَوْرِهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ عَلَى أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَالَ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".
تفسير ابن كثير للقرآن سورة الأحزاب

وهكذا كان مصير بني قريظة، في نظر ابن كثير، من عمل أيديهم، وهو مصير أقرّته السماء وأمرت به. ووفقاً لابن كثير، كان مصيرهم بالضبط ما وصفه ابن إسحاق:

فَقَالَ: إِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتلتهم، وتُسبْى ذُرِّيَّتُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ"(٨) . وَفِي رِوَايَةٍ: "لَقَدْ حكمتَ بِحُكْمِ المَلك". ثُمَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَخَادِيدِ فَخُدّت فِي الْأَرْضِ، وَجِيءَ بِهِمْ مُكْتَفِينَ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَكَانُوا مَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إِلَى الثَّمَانِمِائَةِ، وَسَبَى مَنْ لَمْ يُنبت مِنْهُمْ مَعَ النِّسَاءِ وَأَمْوَالِهِمْ(٩)
تفسير ابن كثير للقرآن سورة الأحزاب

الروايات في الأحاديث

ويشهد حديث البخاري على الحوادث التي وصفها إسحاق. ويؤكد البخاري أن الملائكة هم الذين قرروا نقل الحرب إلى بني قريظة:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏

"‏ فَأَيْنَ ‏"

‏‏.‏ قَالَ هَا هُنَا‏.‏ وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ‏.‏ قَالَتْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وبشكل مشابه، يؤكد أن سعد هو الذي حكم عليهم بمصيرهم:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ أَوْ سَيِّدِكُمْ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ‏.‏ قَالَ ‏"‏ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ‏"‏‏.‏

وبالمناسبة، يذكر البخاري أنه على الرغم من دعوة ابن سعد إلى إصدار حكم عادل على بني قريظة، الحلفاء السابقين، فقد أدّى في الواقع إلى وفاته، بسبب الجروح التي أصيب بها أثناء معركة الخندق، راغبًا في الموت للكفار:

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ‏.‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏

"‏ فَأَيْنَ ‏"

‏‏.‏ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ‏.‏ قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَىْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا‏.‏ فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا رضى الله عنه‏.‏

ويذكر البخاري أيضا مصير بني قريظة، الذي تم وفقاً لحكم سعد:

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ‏.‏

ويخبرنا سنن أبي داود بالضبط كيف تم تحديد ما إذا كان سيتم إنقاذ الشاب الذكر، بناءً على ما إذا كان قد وصل إلى سن البلوغ أم لا:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ، قَالَ كُنْتُ مِنْ سَبْىِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ ‏.‏


وجهات نظر حديثة

في المقطع أعلاه، يقول العالم المسلم ياسر قاضي، الذي يحظى باحترام كبير لشهاداته من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وكذلك من جامعة ييل، إن محمد كان يتعامل مع الخيانة وأنه اتخذ أقصى الإجراءات العقابية ضدها. يجادل القاضي بأن النبي كان له ما يبرره في كل خطوة وأظهر قدرًا كبيرًا من ضبط النفس حسب الضرورة، مدفوعًا فقط بالمخاوف بشأن فن الحكم والتطبيق العملي، وليس بالحقد. كما يقول، من الممكن اتهام النبي بأنه «قاسي» ولكن ليس بالتصرف بخبث تجاه بني قريظة أو اليهود بشكل عام، لأن هذا لن يكون «صحيحًا أكاديميًا». ويقول ياسر قاضي إن العقوبة كانت «قاسية» ومع ذلك من الضروري أحيانًا أن تكون قاسية. ويقول عالم معهد يقين أبو أمينة الياس (جاستن باروت) إن قتل أسرى بني قريظة «المقاتلين» كان «عملاً من أعمال الدفاع عن النفس» من جانب المجتمع المسلم ويستشهد بالتثنية 20: 12-14 لتبرير تصرفات المسلمين، متفقًا مع قانون ابن إسحاق. كما يدعي أن النبي أرسل رجاله فقط بأذرعهم «للدفاع عن أنفسهم» وأن نساء وأولاد بني قريظوير أخذوا «في الأسر» لحمايتهم لأن جميع رجالهم قد ذبحوا[١٠]. وبالمثل، تدعي كارين أرمسترونغ، في كتابها "تاريخ قصير للإسلام"، أن "النضال لم يشر إلى أي عداء تجاه اليهود بشكل عام، ولكن تجاه القبائل المتمردة الثلاث فحسب. واستمر القرآن في تبجيل الأنبياء اليهود وحث المسلمين على احترام أهل الكتاب[١١]. "هذه الحجج كلها أصداء للحجج الأصلية الموجودة في المادة أعلاه. ويدّعي ابن إسحاق أن يهود بني قريظة يشكلون تهديدًا للمسلمين من خلال خيانتهم ويصورون محمد على أنه متردد في تقرير مصيرهم. حتى أن ابن إسحاق يروي مدى «قسوة» العقوبة:

ثُمَّ إنَّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ [٤] بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ [٥] إلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ [٦] ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ، إنَّهُ الذَّبْحُ

ومع ذلك، أشار منتقدو وجهات النظر المؤيدة للإسلام إلى أن الآية التي استشهد بها المسلمون المعاصرون من التثنية لتبرير إبادة بني قريظة لم يتم النظر إليها بهذه الطريقة من خلال الدراسات المسيحية التقليدية أو اليهودية بشكل خاص. وفقًا للمذهب اليهودي، تم الكشف عن هذه الآيات لموسى قبل دخول الإسرائيليين إلى الأرض المقدسة، وإرشادهم على وجه التحديد إلى كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعيشون هناك[١٢]. بالإضافة إلى ذلك، الادعاء بأنه لم يكن هناك عداء واضح تجاه يهود بني قريظة من جانب محمد يتناقض مع رواية ابن إسحاق:

فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ. قَالَ: يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ، هَلْ أَخْزَاكُمْ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتُ جَهُولًا.

في سخرية محمد منهم ونعتهم بالقرود، يعيد محمد هنا ما ورد في القرآن، الذي يدعي أن (بعض) اليهود تحولوا إلى قرود لانتهاكهم السبت (القرآن 50: 60). ويسجل ابن إسحاق أيضًا أن محمد أخذ إحدى النساء اليهوديات في بني قريظة، واسمها ريحانة، لنفسه[١٣]. وفي الواقع، وفقًا لهذه الرواية، فإن تدمير هذه القبيلة سمح لمحمد بمكافأة مقاتليه بشكل جيد (وأخذ محمد نفسه خمس غنائم). ورأى أبو أمينة الياس أن المسلمين أخذوا نساء وأطفالًا مثل ريحانة أسرى لمجرد حمايتهم لا يمكن أن يكون صحيحًا أيضًا، حيث يروي ابن إسحاق أيضًا أن بعضهم نُقل إلى منطقة نجد البعيدة ليتم بيعه مقابل الأسلحة والخيول. يشير ياسر قاضي نفسه إلى أن بني قريظة مُنحوا حرية العيش إذا قبلوا الإسلام، ووفقًا للسيرة، فإن قلوبهم القاسية التي رفضت محمد على الرغم من علمهم أنه نبي للرب منعتهم من السماح لأنفسهم أن يخلصوا عبر اعتناق الإسلام. لذلك من الواضح، على الأقل في نظر السيرة، أن دينهم اليهودي، في الواقع، له علاقة بعدم الشفقة الذي تعامل به محمد معهم، مخالفًا وجهة نظر قاضي بأن النبي تصرف من دون حقد أو عداء ديني وفقًا للمصادر لدينا. ويذكر البخاري أيضًا أن النبي أمر رجاله بإساءة معاملة بني قريظة بالشعر، الذي كان في العصور العربية القديمة أحد الطرق الرئيسية لتعزيز العداوة مع عدو (أمر محمد الشعراء الذين فعلوا ذلك به بالقتل):

حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ ‏

"‏ اهْجُهُمْ ـ أَوْ هَاجِهِمْ ـ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ ‏"

‏‏.‏

مشاكل في الرواية التقليديّة

إن رواية بني قريظة جزء مقبول من الشريعة الإسلامية، وقد استشهد بها الكثير من الفقهاء الإسلاميين، بما في ذلك عند الحكم على ذبح بعض السكان اليهود وغيرهم من غير المؤمنين. على هذا النحو، ليس هناك شك بين المسلمين السنّة في حدوث ذلك[١٤]. ومع ذلك، فإن تأريخ الموضوع لا يخلو من مشاكله الخاصة.

في إطار التقاليد الإسلامية، تعرض ابن إسحاق لانتقادات متكررة لإعطائه وزنًا كبيرًا للقصص اليهودية ولكونه متحيزًا بشكل عام في روايته لأحداث معينة. فمالك بن أنس يتهم ابن إسحاق بأنه «كاذب» لاستماعه إلى «القصص اليهودية».[١٥]

ألقت الدراسات الإسلامية الحديثة شكوكًا أكثر جدية على ما قاله العلماء الإسلاميين في القرن الثامن (القرن الإسلامي الثاني) مثل ابن إسحاق. كما يشير فريد دونر، فإن أحد أقدم الوثائق الموجودة لدينا من الحركة الإسلامية الأولية الناشئة هو صحيفة مدينة المعروف أيضًا باسم صحيفة الأمة. وهذه الوثيقة الرائعة، التي حفظها المؤرخ الإسلامي الطبري، تضع ميثاقًا لـ «مؤمني» المدينة المنورة،وهي «أمة» أو مجتمع وطني يضم اليهود كـ«مؤمنين» على نفس مستوى المؤمنين العرب. ويعتقد فريد دونر أن هذه الوثيقة تشير في الواقع إلى تاريخ مبكر ومغلف للإسلام انضم فيه الموحدون العرب مع اليهود ليشكّلوا «أمة» واحدة تحت قيادة محمد. من المثير للقلق بالنسبة للسرد التاريخي، أن هذه الوثيقة تشير إلى الكثير من القبائل اليهودية المختلفة، لكن القبائل 3 الرئيسية في السيرة، بنو قريظة، بنو قينقاع، وبنو النضير غائبة بشكل واضح. في الواقع، فإن غياب هذه القبائل هو الذي يقنع العلماء بأن الوثيقة يجب أن تكون قديمة جدًا على الرغم من الحفاظ عليها في أعمال الطبري فحسب في القرن التاسع، حيث من المفترض أن يتم تغيير وثيقة أصغر للاتفاق مع السرد التاريخي الراسخ. يذكر دونر أن العديد من المساجد في أوائل القرن السابع لا تشمل القبلة التي تواجه مكة المكرمة، ويستنتج أن قصة مذبحة بني قريظة هذه ربما تكون قد اخترعت أو زينت من أجل تفسير انقطاع لاحق بين الجاليتين اليهودية والمسلمة[١٦].

تبلغ باتريشيا كرون ومايكل كوك في عملهما الرائد "هاجرية" عن مؤرخ أرمني كتب في القرن السابع المعروف باسم سيبيوس(pseudo-Sebeos). يعزو هذا المؤرخ الغزوات العربية إلى اتحاد من اليهود والعرب بقيادة محمد نفسه، متناقضًا مع الرواية الإسلامية بأن محمد مات قبل غزو فلسطين والشرق الأوسط. وبالمثل، ينسب سيبيوس التوحيد المشترك والأخوة إلى العرب واليهود من خلال أسلافهم المشتركين إبراهيم وزوجته هاجر[١٧]. فإذا تم تصديق هذه الرواية، فلن يكون هناك أي مذبحة كبيرة لليهود من قبل محمد فهو عمل معهم عندما غزا فلسطين. ويضيف ستيفن شوميكر في عمله "موت نبي" دليلًا إضافيًا إلى أطروحة كرون وكوك، حيث حشد الأدلة من مجموعة متنوعة من المصادر، وكلها تقريبًا سبقت المصادر الإسلامية الأولى، على أن محمد نفسه كان في الواقع زعيم المؤمنين عندما دخلوا فلسطين ولم يمت إلا بعد غزوها. وعلى وجه الخصوص، يلفت الانتباه إلى نهاية العالم اليهودية من القرن السابع، أسرار الحاخام بن شيمون، والتي يبدو أنها تصور محمد على أنه فادي اليهود من اضطهاد الرومان في الأرض المقدسة. وإذا كان هذا مصدقا، وهذا المصدر يسبق كل مصدر إسلامي لدينا، فإن مذبحة بني قريظة ما كان يمكن أن تقع، لأن محمد، زعيم غزو فلسطين، كان يُنظر إليه على أنه منقذ للشعب اليهودي[١٨]. ويبدو أن هذا يشير إلى أن الانفصال بين المسلمين واليهود حدث بعد وفاته، ويشير إلى أن قصصًا مثل مذبحة بني قريظة اختلقت من أجل «إعادة تاريخ» الانفصال عن اليهود إلى حياة النبي.

المراجع

  1. Martin Lings Muhammad: His Life Based on the Earliest Sources Inner Traditions 2006, pages 222-223
  2. كتاب سيرة ابن هشام ت السقا، عبد الملك بن هشام، ج 2، ص 220
  3. ibid, 458
  4. ibid, 459
  5. ibid, 462
  6. ibid, 463
  7. ibid, 465
  8. ibid, 466
  9. ibid, 466
  10. "Did the Prophet commit genocide against Jews?" Faith in Allah There is no god but Allah and Muhammad is his messenger https://abuaminaelias.com/prophet-genocide-banu-qurayza/  April 8, 2013
  11. Islam:A Short History Karen Armstrong Modern Library 2002 ↑
  12. "Muhammad’s atrocity against the Qurayza Jews" James M. Arlandson Answering Islam https://www.answering-islam.org/Authors/Arlandson/qurayza_jews.htm
  13. "The Apostle had chosen one of the women for himself, Rayḥāna d. ʿAmr b. Khunāfa, one of the women of B. ʿAmr b. Qurayẓa, and she remained with him until she died, in his power." Ibn Hisham, Ibn Ishaq, Alfred Guillaume (translator), The life of Muhammad: a translation of Isḥāq's Sīrat rasūl Allāh Oxford Universite Press 2005, p.466
  14. "Extended Interview: The legacy of Islamic Antisemetism" Andrew Bostom andrewbostom.org  13 June 2008
  15. "New Light on the Story of Banu Qurayza and the Jews of Medina", W.N Arafat 2001 p. 100-107
  16. Muhammad and the Believers: At the Orgins of Islam, Fred Donner, Harvard University Press 2010, p. 72-73
  17. Hagarism: Making of the Islamic World, Patricia Crone and Michael Cook, Cambridge University Press 1977, p. 6-8
  18. The Death of a Prophet, Stephen Shoemaker, University of Pennsylvania Press 2012, p. 27-33