إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم
الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مكة»
[مراجعة منقحة] | [مراجعة منقحة] |
لا ملخص تعديل |
|||
(٤ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة) | |||
سطر ٤٥: | سطر ٤٥: | ||
يمكن استبعاد الإشكالية السابعة حول النقش من خلال الادعاء بأن الكلمة العربية ”بنيت“ تعني أيضًا ”أعيد بناؤها"<ref>https://archive.org/details/MedievalJerusalemAndIslamicWorshipHolyPlacesCeremoniesPilgrimageIslamicHistoryAndCivilization</ref>. ولكن يجب أن نلاحظ أن هذا يتوافق مع فرضية أنه بينما كان هناك حرم محلي في مكة، إلا أنه لم يصبح المسجد الحرام إلا في عام 78 هـ. | يمكن استبعاد الإشكالية السابعة حول النقش من خلال الادعاء بأن الكلمة العربية ”بنيت“ تعني أيضًا ”أعيد بناؤها"<ref>https://archive.org/details/MedievalJerusalemAndIslamicWorshipHolyPlacesCeremoniesPilgrimageIslamicHistoryAndCivilization</ref>. ولكن يجب أن نلاحظ أن هذا يتوافق مع فرضية أنه بينما كان هناك حرم محلي في مكة، إلا أنه لم يصبح المسجد الحرام إلا في عام 78 هـ. | ||
يمكن أن تكون مشكلة | يمكن أن تكون مشكلة بكه مجرد خطأ كتابي. ولكن لماذا لم يتم تصحيحه قبل صدور نص موثوق به؟ وعلاوة على ذلك، إذا أردنا أن نأخذ القرآن الكريم على محمل الجد كمصدر للمعرفة التاريخية، فلا بد من بعض التفسيرات حول سبب رغبة إبراهيم في السفر إلى الجنوب بعيداً عن أرض الميعاد. ويمكن حل كلتا المشكلتين بقبول أن بكة ليست مكة، بل في مكان ما شمالًا. | ||
بالنسبة للمدافعين عن الأصل غير الحجازي، فإن الحل الوحيد المعقول للمشكلتين الخامسة والسادسة، أي أكل السمك الذي كان يأكله المزارعون الذين يعرفون مدائن قوم لوط، هو القبول بأن بعض آيات القرآن لم تكتب في مكة أو المدينة (التي يقل فيها المطر أكثر حتى عن مكة)، أو في أي مكان في الحجاز. إن الاعتراف بذلك يقوض المشروع الشائع بين العلماء، وهو محاولة تفسير الاختلافات في الأسلوب والعقيدة التي يمكن العثور عليها في القرآن من خلال التطور المتسلسل في سيرة النبي. فالمشكلة ليست مجرد مسألة تحديد الترتيب الذي نزلت به الآيات، بل أين ومتى ومن الذي قام بتدوينها لأول مرة.<ref>More evidence for multiple authors is provided by Tommaso Tesei ''The Qurʾān(s) in Context(s)'' ''Journal Asiatique 309.2'' (2021) pp. 185-202 | |||
↑ <sup>[[Mecca#cite%20ref-Sinai2017%208-0|Jump up to:8.0]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-Sinai2017%208-1|8.1]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-Sinai2017%208-2|8.2]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-Sinai2017%208-3|8.3]]</sup></ref> | |||
يقدم نيقولاي سيناي في الفصل الثالث من كتابه "القرآن: مقدمة تاريخية نقدية" نظرة عامة مفيدة لبعض النقاط الرئيسية في النقاش الأكاديمي حول الأصول المكية للإسلام.<ref name=":0">Nicolai Sinai, ''The Qur'an: A Historical-Critical Introduction'' Edinburgh University Press, 2017, Chapter 3: The Qur'anic Milieu</ref> | |||
=== فلسطين كموقع محتمل === | |||
اقترح كل من ستيفن شوميكر وغيوم داي فلسطين كمصدر بديل محتمل لجزء من القرآن على الأقل. جادل شوميكر بوجود صلة بين قصة الميلاد القرآنية ({{القرآن|19|16}}) وكنيسة كاثيسما في فلسطين،<ref>Stephen Shoemaker, Christmas in the Qur’an: the Qur’anic Account of Jesus’ Nativity and Palestinian Local Tradition Jerusalem Studies in Arabic and Islam 28, 11-39 (2003) pp. 19-21 | |||
[[Mecca#cite%20ref-10|↑]]</ref> بينما جادل داي بوجود صلة مع الكنيسة نفسها وعنصر آخر من سورة مريم، الإشارة إلى مريم على أنها "أخت هارون" (الآية 28؛ انظر المناقشة في المقال [[مريم أخت هارون]]).<ref>Guillaume Dye, “The Qur’ān and its Hypertextuality in Light of Redaction Criticism,” The Fourth Nangeroni Meeting Early Islam: The Sectarian Milieu of Late Antiquity? (Early Islamic Studies Seminar, Milan) (15-19 June 2015): 10 | |||
[[Mecca#cite%20ref-11|↑]]</ref> | |||
=== نظرية بتراء لجيبسون === | |||
في عام 2011، اقترح الباحث المستقل دان جيبسون لأول مرة نظريته القائلة بأن الإسلام لم ينشأ في مكة المكرمة، بل في البتراء، المدينة النبطية القديمة في الأردن الحاليّة<ref>Dan Gibson, ''Qur'ānic Geography: A survey and evaluation of the geographical references in the Qur'ān with suggested solutions for various problems and issues.'', Vancouver: Independent Scholar's Press, 2011</ref>، وكان الدافع وراء ذلك، من بين عوامل أخرى، هو أن الأوصاف الجغرافية الواردة لمكة المكرمة في الكتابات الإسلامية لا تتطابق بشكل موثوق مع جغرافية مدينة مكة المكرمة الفعلية، ولأنه في رأيه أن الأدلة الأثرية الوفيرة تثبت أنه على مدى قرن تقريبًا بعد وفاة محمد صلى المسلمون نحو البتراء كقبلة لهم.<ref>Numerous videos by Dan Gibson arguing for the Petra hypothesis are available on YouTube, and there is a recent summary of the evidence at nabataea.net.</ref> ويتعارض هذا التفسير بشدة مع العبارات الصريحة الواردة في الكتابات الإسلامية، ويزعم المدافعون عنه أنه يتوافق بسهولة أكبر مع الأوصاف الضمنية والجغرافية لمكة المكرمة في الكتابات الإسلامية، وكذلك مع الأدلة الأثرية المتاحة لنا اليوم. | |||
تحظى نظرية جيبسون بمتابعة كبيرة على الإنترنت، على الرغم من أنها لم تلقَ قبولًا في الأوساط الأكاديمية الأوسع نطاقًا. وقد لاحظ البروفيسور شون أنتوني، مؤرخ الإسلام الشهير، أنه لا يوجد علماء يأخذون نظرية أصل البتراء على محمل الجد. <ref>Ask Me Anything comment by Sean Anthony - AcademicQuran board on reddit.com, 27 May 2023 | |||
[[Mecca#cite%20ref-14|↑]]</ref>وبالمثل، كتب ديفيد كينغ، وهو ناقد قديم لجيبسون، أن ”مزاعمه حول البتراء كمهد للإسلام لا تؤخذ على محمل الجد من قبل علماء الدراسات النبطية“.<ref>See "Notes added in September 2020" in the article The Petra Fallacy: Early Mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca by David King, 15 September 2020 - muslimheritage.com | |||
[[Mecca#cite%20ref-15|↑]]</ref> | |||
وقد قدم دان جيبسون<ref>Most recently in ''Let the Stones Speak'' | |||
[[Mecca#cite%20ref-16|↑]]</ref> بديلاً لفرضية القبلة ودليلاً جديدًا على حد سواء، من خلال قياس اتجاهات المساجد القديمة من حيث محراب الصلاة، الذي يشير إلى اتجاه الصلاة. فالقرآن الكريم يأمر المسلمين بالصلاة في وجهة المسجد الحرام ({{القرآن|2|144}})، والتفسير المقبول هو أن عليهم مواجهة القبلة عند الصلاة<ref>As Ohlig points out, praying is not in the original Arabic, but is added by all translators except Arberry. See ''From'' Muhammad ''Jesus to the'' ''Prophet of the Arabs'', section 6.5 ''The direction of prayer (Qibla)'', pp 300 to 304, in Karl-Heinz Ohlig ed. ''Early Islam'' (2013). Available at archive.org. For a literal translation see <nowiki>https://quranwbw.com/2</nowiki></ref>. وكوسيلة مساعدة، تُبنى المساجد قبالة مكة المكرمة. أي أن حائط الصلاة يبنى عموديًا على خط مستقيم إلى مكة، ويواجه المصلون هذا الحائط. والسؤال إذن هو في أي اتجاه تتجه المساجد الأولى؟ وإذا لم تكن إلى مكة، فمتى تغيرت؟ | |||
يدعي جيبسون أنه وجد أن المساجد الأولى كانت تواجه البتراء وليس مكة، ولكن حدث تغيير تدريجي في الاتجاه إلى مكة المكرمة على مدى قرون. ويشير إلى أن المسجد الحرام الأصلي في الإسلام كان في البتراء، ولكن تم تغيير وجهته بعد ذلك إلى مكة المكرمة لأسباب سياسية، ربما شجعت عليها الزلازل التي ضربت البتراء. | |||
يجادل جيبسون بأن البتراء هي المرشح الأكثر منطقية للحرم الإسلامي الأصلي. فقد كانت مركزًا تجاريًا مهمًا، حتى وإن كانت قد تراجعت في عهد النبي. وكانت الزراعة ممكنة فيها، بما في ذلك زراعة الزيتون المذكورة في القرآن الكريم. وكان بها أسقف، وبالتالي كان بها عدد كبير من السكان المسيحيين، ومن المحتمل أن يكون أولئك من المناهضين للتثليث الذي يتوافق مع التوحيد الإسلامي<ref>[[Petra|https://en.wikipedia.org/wiki/Petra]], ‘''Climate''’ and ‘''Byzantine Period''’ | |||
[[Mecca#cite%20ref-18|↑]]</ref>. يقدم جيبسون العديد من الحجج الأخرى لصالح البتراء، ويجادل بيتر تاونسند بشكل عام لصالح موقع في شمال الجزيرة العربية.<ref>''The Mecca Mystery'' (2018) | |||
↑ <sup>[[Mecca#cite%20ref-King2017%2019-0|Jump up to:19.0]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-King2017%2019-1|19.1]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-King2017%2019-2|19.2]]</sup> <sup>[[Mecca#cite%20ref-King2017%2019-3|19.3]]</sup></ref> | |||
وهناك نقطة محددة ضد البتراء هي أنها ليست قريبة من البحر الميت وبالتالي من مدائن قوم لوط، أو ليست قريبة بما فيه الكفاية، مع أنه إذا كانت مكة هي المنافسة الوحيدة للمقام الأصلي، فهي أقرب بكثير. إذا كانت البتراء تحتوي على مزار مقدس، فمن الممكن أن يكون قد زارها مزارعون من أقصى الشمال. ويجادل المدافعون عن النظرية بأنه على أي حال، فإن القرآن غير متسق في عدد من النواحي، وأن أفضل ما يمكن أن نأمله هو الحصول على تطابق جزئي لما يوحي به عن سياقه التاريخي. | |||
من الاعتراضات العامة على فرضية البتراء أنه من الصعب فهم كيف يمكن أن يكون مكان الميلاد الحقيقي للإسلام قد تم محوه بالكامل من التقاليد الإسلامية<ref name=":0" />، ويرد المدافعون عن هذه الفرضية بأن هناك العديد من الأمثلة على محاولات ناجحة جزئيًا لإعادة كتابة التاريخ لأسباب سياسية. وغالبًا ما يُلاحظ أن هناك القليل من الأدلة الوثائقية التي نجت من القرنين الأولين للإسلام. ربما لأن المسلمين الأوائل كانوا رجالاً عمليين مهتمين بتعزيز إمبراطوريتهم الجديدة أكثر من الكتابة عنها. أو ربما لأنه بحلول القرن الثاني كان قد تم التوصل إلى إجماع حول قيمة أسطورة تأسيس مكة، وتم تدمير كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. | |||
==== انتقادات جيبسون ==== | |||
وقد كتب ديفيد أ. كينج، وهو باحث أكاديمي بارز في القبلة وعلم الفلك العربي القديم، عددًا من المقالات التي تنتقد عمل جيبسون بشدة<ref name=":1">From Petra back to Makka – From “Pibla” back to Qibla by David King, 22 August 2017 on muslimheritage.com | |||
[[Mecca#cite%20ref-20|↑]]</ref><ref>The Petra Fallacy: Early Mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca by David King, 15 September 2020 - muslimheritage.com | |||
[[Mecca#cite%20ref-21|↑]]</ref>. ويقول كينج إن المشكلة الأساسية في فرضية جيبسون هي أن المسلمين لم يطبقوا الهندسة الرياضية ولا الإحداثيات الدقيقة للمواقع عند تحديد القبلة حتى القرن التاسع. ويقول إن أول تحديد رياضي للقبلة معروف لدينا يعود إلى بغداد في حوالي عام 825 م. وحتى بعد قرون من ذلك وعلى الرغم من هذا التقدم، كان من الشائع أن يستخدم المسلمون مجموعة متنوعة من الطرق غير الرياضية ”الفلكية الشعبية“ لتحديد القبلة. | |||
ويناقش كينغ في إحدى مقالاته أمثلة من القرون الوسطى لمثل هذه الطرق الموضحة في النصوص من القرن التاسع وما بعده. وقد قسمت هذه الطرق العالم إلى 4 أو 8 قطاعات أو أكثر في وقت لاحق، مرتبة حول جوانب الكعبة، التي كانت معروفة حتى من قبل علماء العصور الوسطى بأنها متسقة فلكيًا؛ حيث كان محورها الصغير يتماشى مع شروق الشمس في الصيف وغروبها في الشتاء، ومحورها الكبير مع شروق أو غروب نجمي سهيل والدب الأكبر. ويكتب كينج: ”يرتبط كل قطاع بجزء من محيط الكعبة، والقبلة في كل قطاع هي الاتجاه الذي يقف فيه المرء أمام الكعبة في مواجهة ذلك الجزء من محيطها“<ref>Islamic sacred geography for finding the qibla by the sun and stars: A survey of the historical sources by David King, 2019</ref>. وقد نصحت هذه النصوص المسلمين بتوجيه أنفسهم نحو الاتجاه المحدد لقطاعهم/موقعهم من خلال مراقبة اتجاه غروب الشمس أو شروقها في الانقلابات الشتوية أو الصيفية، أو الاتجاه الذي تظهر فيه نجوم معينة، أو حتى ”الرياح الأربع“. وفي بعض الحالات كانت الاتجاهات الأساسية مفضلة. وعلى وجه الخصوص، في عدد من المواقع، بما في ذلك المدينة المنورة، كانت مكة المكرمة تُعتبر جنوبًا. | |||
ويرى كينغ أن مثل هذه الأساليب الفلكية الشعبية كانت ستستخدمها الأجيال الأولى أيضًا لأنها لم تكن قد تعرفت على الأساليب الرياضية أو الإحداثيات الدقيقة للمواقع واعتنقتها بعد. وقيل إن الأجيال الأولى في العراق كانت تستخدم اتجاه غروب الشمس في فصل الشتاء (وهو ما يتوافق مع طريقة اتجاه قطاع الكعبة الموضحة أعلاه) وهذا ما تظهره بعض المساجد المبكرة، كما أن بعض المساجد المصرية القديمة كانت تتماشى مع شروق الشمس في فصل الشتاء. ووفقًا لما ذكره كينج، فإن العديد من المساجد الأخرى التي استشهد بها جيبسون كدليل على نظريته كانت في الواقع متسقة على أسس الصروح التي تعود إلى ما قبل الإسلام.<ref name=":1" /> | |||
وقد أكد كينج مرارًا وتكرارًا على أنه من المغالطة الأساسية حتى من حيث المبدأ استخدام اتجاهات فردية دقيقة أو ارتباط إحصائي من النوع الذي أكده جيبسون لتحديد اتجاه معين من جانب بناة المساجد الأوائل، مهما كانت قوة أو ضعف الارتباط وموثوقية البيانات الأساسية لجيبسون (على الرغم من أن كينج يشكك أيضًا في بيانات جيبسون). على مدى قرون، لم يكن لدى أولئك الذين لم يميلوا إلى الأساليب الرياضية سوى فكرة مبهمة للغاية وغالبًا ما كانت غير دقيقة للغاية عن الاتجاه الفعلي لمكة المكرمة، ناهيك عن أي مكان آخر، واستخدموا أساليب تعتمد على الجغرافيا المقدسة أو التقاليد أو الأسس الجاهلية المناسبة تقريبًا التي لم تكن تمت بأي شكل من الأشكال إلى الدقة. وإدراكًا منه لهذه المشكلة، يقترح جيبسون وسائل مختلفة يمكن أن يكون بناة المساجد الأوائل قد حسبوا بها الاتجاهات الدقيقة. ومع ذلك، تلقى هذه الادعاءات مرة أخرى نقدًا لاذعًا من كينج<ref name=":1" />. | |||
وفي حين أن كينغ يتعامل بشكل نقدي مع عينة كبيرة من نقاط بيانات جيبسون الخاصة بالمساجد،<ref name=":1" /><ref>King: The Petra fallacy The Petra fallacy - Early mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca but Dan Gibson doesn't know how / Comparing historical orientations with modern directions can lead to false results - David King, December 2018 | |||
[[Mecca#cite%20ref-23|↑]]</ref> إلا أن هناك نقطة أخرى ناقشها جيبسون مثيرة للاهتمام بشكل خاص. فالمسجد الصغير في موقع الحميمة الأثري في جنوب الأردن يقع بين مكة المكرمة والبتراء، على بعد 43 كم فقط من الأخيرة، ومع ذلك فإن محرابه يتجه جنوبًا نحو مكة المكرمة، وليس نحو البتراء. ويدّعي جيبسون من دون أن يذكر أي دليل على أنه بُني في وقت متأخر عن القصر الأموي المجاور في أوائل القرن الثامن الميلادي، والذي على الرغم من أنه ليس مسجدًا، إلا أن جيبسون يدعي أيضًا من دون دليل أنه كان موجهًا عمدًا نحو البتراء<ref>See Humeima Farm House by Dan Gibson | |||
[[Mecca#cite%20ref-24|↑]]</ref>، إلا أن علماء الآثار أرّخوا كلًّا من المسجد والقصر في الوقت نفسه في أوائل القرن الثامن، مدعومين بأساسات فخارية في كلا المبنيين بالإضافة إلى النصوص التاريخية التي تذكر أن الأسرة العباسية بنت قصرًا ومسجدًا في ذلك الموقع خلال الفترة الأموية.<ref>John Oleson and Rebecca Foote, HUMEIMA EXCAVATION PROJECT, 1995-96 - Max van Berchem Foundation, Geneva, 1996</ref><ref>https://jordanheritage.jo/wp-content/uploads/2018/08/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%85%D8%A9-2-1024x676.jpg</ref> | |||
هناك مشكلة لغوية كبيرة مع نظرية الأصل النبطي أثارها مريجن فان بوتن، وهو باحث أكاديمي بارز في اللغة العربية المبكرة وخاصةً اللغة العربية القرآنية، حيث جادل بالتفصيل أن اللهجة الواضحة في المصحف العثماني هي لهجة حجازية قديمة وليست نبطية.<ref>Marijn van Putten, Quranic Arabic: From its Hijazi origins to its classical reading traditions, Leiden: Brill, 2022 isbn: 9789004506251 (Open access pdf download, also available here) | |||
See especially pages 118, 120, 122, and footnote 32 on page 146.</ref> | |||
== نقاط تدعم الموقع المكّي التقليدية == | |||
يشير أولئك الذين يفضلون الإطار المكي التقليدي لمسيرة محمد المبكرة كنبي إلى إشارة مباشرة للغاية إلى مكة في القرآن نفسه: | |||
{{اقتباس|{{الآيات القرآنية|48|24|25}}|وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُۥ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَـُٔوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌۢ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا۟ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}} | |||
وبالمثل، يشير البعض إلى آية أخرى تصف بدقة الكعبة بأنها تقع بالقرب من واد غير مزروع: | |||
{{اقتباس|{{القرآن|14|37}}|رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}} | |||
وقد ورد ذكر العديد من المواقع الأخرى التي يمكن تحديدها في القرآن الكريم في المنطقة الأوسع، ولكن أبرزها يثرب في {{القرآن|33|13}}. تم التحقق من أن يثرب هي نفسها المدينة المنورة في تاريخ خوزستان السرياني في منتصف القرن السابع. بالإضافة إلى ذلك، فإن دستور المدينة (بين ”المؤمنون والخاضعون من قريش ويثرب“) يعتبر صحيحًا بشكل عام<ref name=":0" />، وقد أشير إلى الهجرة بعد طردهم من الحرم في آيات مختلفة من القرآن الكريم. وقد أشار نقولاي سيناي إلى عدد من الملاحظات المفيدة الأخرى، ولا سيما أن بعض الممارسات الدينية التي ألمح إليها القرآن من المرجح أن تكون موجودة في عمق شبه الجزيرة العربية أكثر من محيطها الشمالي.<ref name=":0" /> وفيما يتعلق بالبيئة الدينية التي يقترحها القرآن، يشير سيناي كذلك إلى أن مصدرًا إسلاميًا من القرن التاسع الميلادي يذكر مقبرة مسيحية في مكة، في حين أن الآثار الأخرى في المصادر الإسلامية تسمح بافتراض وجود مسيحي محدود في الحجاز (وهو ما تدعمه أيضًا النقوش الصخرية - انظر [[الديانة العربية قبل الإسلام في الإسلام]] في ما يتعلق بالنقوش المسيحية وكذلك فيما يتعلق بالهجاء القرآني المميز لله الموجود في النقوش بين مكة والطائف). | |||
وفي ما يتعلق بالإشارات الزراعية في القرآن الكريم، يُشار أحيانًا إلى أن ياقوت الحموي (ت 1229 م) في عمله العظيم في الجغرافيا يصف مكة المكرمة على النحو التالي: | |||
{{اقتباس|ياقوت الحموي، معجم البلدان|وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة}} | |||
== إقتباسات ذات صلة == | |||
=== القرآن === | |||
{{اقتباس|{{القرآن|48|24}}|وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}}{{اقتباس|{{القرآن|6|92}}|وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}}{{اقتباس|{{الآيات القرآنية|3|95|97}}|قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ ۗ فَٱتَّبِعُوا۟ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَٰلَمِينَ فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ}}{{اقتباس|{{القرآن|9|28}}|يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}} | |||
=== الحديث === | |||
{{اقتباس|{{البخاري|4|55|583}}|وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ،، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا. ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حَتَّى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ}. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى ـ أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ ـ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ، الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْىَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ ـ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " فَذَلِكَ سَعْىُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا ". ـ فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ صَهٍ. تُرِيدَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ، إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ. فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ، عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ ـ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ ـ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ ـ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ ـ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ ـ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا ". ـ قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ ـ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ ـ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا. فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْىَ تُحِبُّ الإِنْسَ " فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلاَمُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ، بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئَتِهِمْ. فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ. وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ. قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ. فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ ". قَالَ فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ. ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ. قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ. قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا. وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. قَالَ فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولاَنِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.}}<references /> |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٤٦، ٣ يونيو ٢٠٢٥
مكة، والمعروفة أيضًا باسم مكة المكرمة، هي مدينة تقع في منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية وتصفها الكتب الإسلامية بأنها مسقط رأس محمد (ولد عام 570)، مؤسس الإسلام. تتضمن مكة المكرمة الكعبة، أقدس المساجد الإسلامية (والمزار الوثني المركزي قبل فتح محمد لمكة)، وبالتالي فهي موقع الحج الإسلامي السنوي الذي يُسمى الحج، والذي يجب على المسلمين القادرين بدنيًا وماليًا أن يؤدوه مرة واحدة على الأقل في حياتهم (فهو أحد أركان الإسلام الخمسة). يتوجه المسلمون الملتزمون إلى مكة المكرمة وهم يصلون نحو الكعبة (قِبلتهم) خمس مرات في اليوم (وهذا ركن آخر من أركان الإسلام الخمسة).
يُقال إنّ النبي محمد عند فتحه لمكة المكرمة، تلقى الوحي الذي منع غير المسلمين (الذين يصفهم الوحي بـ”الأنجاس“) من دخول المدينة. ولا يزال هذا القانون ساري المفعول حتى اليوم.
بحسب الكتابات الإسلامية
بعد ما يقرب من عقد من الزمان من ادعاء محمد النبوة في مكة عام 610، اضطر إلى الفرار إلى المدينة المنورة في العام 622 بعد أن واجه الملاحقة القضائية بسبب إهانته وانتقاده لآلهة ومعتقدات الوثنيين المكيين. وفي نهاية المطاف، وبعد إقامة الدولة الإسلامية من قاعدته في المدينة، تمكن محمد من العودة إلى مكة، ولكن هذه المرة كفاتح، في العام 630. ومنذ وفاة محمد في عام 632، كانت القيادة السياسية لمكة المكرمة، أقدس مدينة في الإسلام، وكذلك المدينة المنورة، ثاني أقدس مدينة في الإسلام، أساسًا مهمًا للمطالبات السياسية بالسلطة.
كما يُشار إلى المدينة في القرآن الكريم باسم ”بكة“ وكذلك ”أم القرى“. وتوصف المدينة في الكتابات الإسلامية على أنها المدينة التي أسسها إبراهيم عليه السلام عندما بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل، على الرغم من عدم وجود أي دليل أثري يدعم هذه الرواية.
كما تؤكد النصوص الإسلامية على أن مكة كانت العاصمة التجارية للحجاز والجزيرة العربية بشكل عام، على الرغم من أن هذا الأمر يفتقر إلى أي أساس أثري.
التاريخ المبكر والجدل الحديث حول مهد الإسلام
يُفترض تقليديًا أن مكة المكرمة هي مهد الإسلام. بدءًا من سيدنا إبراهيم الذي أسس المسجد الحرام، أو الحرم المكي، الذي يضم الكعبة، أو ربما يُعتبر هو الكعبة، أو المكعب الذي يضم الحجر الأسود. تم تأكيد قداسة هذا الحرم من قبل النبي محمد، الذي ولد وعمل في مكة المكرمة، وبدأ مسيرته الدعوية في المدينة.
لا يُعرف سوى القليل جدًا من خلال القنوات الأثرية والتاريخية المعتمدة عن تاريخ مكة المكرمة المبكر والجاهلي قبل الإسلام، حيث لم يُشر إلى المدينة بشكل لا لبس فيه في أي وثيقة قبل ظهور الإسلام، كما لا يوجد أي عمارة في مكة المكرمة تم تحديدها على أنها استمرت منذ حياة محمد في بداية القرن السابع.[١] في الواقع، حتى في حين أن الرومان المعاصرين أنتجوا أوصافًا مفصلة للجزيرة العربية بشكل عام والجزيرة العربية الغربية (الحجاز) بشكل خاص، لا يمكن العثور على أي إشارات إلى أي شيء يمكن وصفه بأنه مركز للحج أو التجارة في مكة.
تم ذكر مكان يسمى مكربة في الجزيرة العربية في عمل جغرافي لبطليموس في القرن الثاني الميلادي. يعتقد العديد من العلماء الأكاديميين أن هذه إشارة إلى مكة المكرمة (اقترحت لأول مرة في القرن السادس عشر الميلادي)، ويعتقد البعض أن الاسم مشتق من كلمة عربية جنوبية قديمة تعني معبد، مكرب. وقد جادل مؤرخون آخرون مثل باتريشيا كرون وإيان د. موريس بأنه لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن مكربة ومكّة هما المكان نفسه. لم يتم دعم هذه الفكرة من قبل أي تحقيق أكاديمي مهم، كما لم يظهر أي مصدر قديم آخر يصف مكة أو معبدها[٢].
وترى المؤرخة باتريشيا كرون على نطاق واسع أن مكة لم تكن ذات أهمية واسعة في وقت ظهور الإسلام، ولم تكن على طريق التجارة الرئيسية، وكانت تتاجر في سلع مثل الجلود والصوف والمنتجات الرعوية الأخرى[٣]، كما أشارت إلى أن جمهور آيات القرآن التي يفترض أنها مكية هم المزارعون المزدهرون الذين كان لهم اهتمام بالبحر وأكل السمك، وهي أنشطة صعبة في القفار القاحلة حول مكة[٤].
وباختصار، فإن مشاكل مكة هي:
1. لم يرد ذكرها في المصادر القديمة.
2. ليست على طرق التجارة القديمة.
3. لا وجود بقايا أثرية لها، على الرغم من الحفريات الواسعة لتشييد المباني الجديدة.
4. يقع الحرم الإبراهيمي حسب القرآن الكريم في بكة وليس مكة (القرآن سورة آلِعِمۡرَانَ:96).
5. لا يتوافق مناخها مع خطاب الآيات القرآنية التي يفترض أنها مكية للمزارعين الآكلين للسمك المترفين.
6. الذين يقال إنهم يمضون ليلاً ونهاراً على آثار قوم لوط (الآيات القرآنية سورة الصَّافَّاتِ 133 إلى 138، القرآن سورة هُودٍ:89). ويفسر هذا تقليديًا بأنه طريق التجارة، لأن القرآن سورة الحِجۡرِ:76 ينص على أن عذاب قوم لوط يمكن العثور عليه في ”طريق ثابت“. كانت سدوم وعمورة تقليدياً في مكان ما بالقرب من البحر الميت.
7. هناك نقش صخري بالقرب من مكة المكرمة يؤرخ بناء المسجد الحرام إلى عام 78 هـ / 697-698 م[٥].
تتعارض النقاط الثلاث الأولى فقط مع الأوصاف التقليدية لمكة المكرمة كمركز تجاري صاخب. وهي تتوافق مع وجود حرم ترعاه القبائل المحلية. ولكن هذا يثير صعوبة عدم وجود مسيحيين في المنطقة، بالنظر إلى أن القرآن متأثر بشدة بالمسيحية.
يمكن استبعاد الإشكالية السابعة حول النقش من خلال الادعاء بأن الكلمة العربية ”بنيت“ تعني أيضًا ”أعيد بناؤها"[٦]. ولكن يجب أن نلاحظ أن هذا يتوافق مع فرضية أنه بينما كان هناك حرم محلي في مكة، إلا أنه لم يصبح المسجد الحرام إلا في عام 78 هـ.
يمكن أن تكون مشكلة بكه مجرد خطأ كتابي. ولكن لماذا لم يتم تصحيحه قبل صدور نص موثوق به؟ وعلاوة على ذلك، إذا أردنا أن نأخذ القرآن الكريم على محمل الجد كمصدر للمعرفة التاريخية، فلا بد من بعض التفسيرات حول سبب رغبة إبراهيم في السفر إلى الجنوب بعيداً عن أرض الميعاد. ويمكن حل كلتا المشكلتين بقبول أن بكة ليست مكة، بل في مكان ما شمالًا.
بالنسبة للمدافعين عن الأصل غير الحجازي، فإن الحل الوحيد المعقول للمشكلتين الخامسة والسادسة، أي أكل السمك الذي كان يأكله المزارعون الذين يعرفون مدائن قوم لوط، هو القبول بأن بعض آيات القرآن لم تكتب في مكة أو المدينة (التي يقل فيها المطر أكثر حتى عن مكة)، أو في أي مكان في الحجاز. إن الاعتراف بذلك يقوض المشروع الشائع بين العلماء، وهو محاولة تفسير الاختلافات في الأسلوب والعقيدة التي يمكن العثور عليها في القرآن من خلال التطور المتسلسل في سيرة النبي. فالمشكلة ليست مجرد مسألة تحديد الترتيب الذي نزلت به الآيات، بل أين ومتى ومن الذي قام بتدوينها لأول مرة.[٧]
يقدم نيقولاي سيناي في الفصل الثالث من كتابه "القرآن: مقدمة تاريخية نقدية" نظرة عامة مفيدة لبعض النقاط الرئيسية في النقاش الأكاديمي حول الأصول المكية للإسلام.[٨]
فلسطين كموقع محتمل
اقترح كل من ستيفن شوميكر وغيوم داي فلسطين كمصدر بديل محتمل لجزء من القرآن على الأقل. جادل شوميكر بوجود صلة بين قصة الميلاد القرآنية (القرآن سورة مَرۡيَمَ:16) وكنيسة كاثيسما في فلسطين،[٩] بينما جادل داي بوجود صلة مع الكنيسة نفسها وعنصر آخر من سورة مريم، الإشارة إلى مريم على أنها "أخت هارون" (الآية 28؛ انظر المناقشة في المقال مريم أخت هارون).[١٠]
نظرية بتراء لجيبسون
في عام 2011، اقترح الباحث المستقل دان جيبسون لأول مرة نظريته القائلة بأن الإسلام لم ينشأ في مكة المكرمة، بل في البتراء، المدينة النبطية القديمة في الأردن الحاليّة[١١]، وكان الدافع وراء ذلك، من بين عوامل أخرى، هو أن الأوصاف الجغرافية الواردة لمكة المكرمة في الكتابات الإسلامية لا تتطابق بشكل موثوق مع جغرافية مدينة مكة المكرمة الفعلية، ولأنه في رأيه أن الأدلة الأثرية الوفيرة تثبت أنه على مدى قرن تقريبًا بعد وفاة محمد صلى المسلمون نحو البتراء كقبلة لهم.[١٢] ويتعارض هذا التفسير بشدة مع العبارات الصريحة الواردة في الكتابات الإسلامية، ويزعم المدافعون عنه أنه يتوافق بسهولة أكبر مع الأوصاف الضمنية والجغرافية لمكة المكرمة في الكتابات الإسلامية، وكذلك مع الأدلة الأثرية المتاحة لنا اليوم.
تحظى نظرية جيبسون بمتابعة كبيرة على الإنترنت، على الرغم من أنها لم تلقَ قبولًا في الأوساط الأكاديمية الأوسع نطاقًا. وقد لاحظ البروفيسور شون أنتوني، مؤرخ الإسلام الشهير، أنه لا يوجد علماء يأخذون نظرية أصل البتراء على محمل الجد. [١٣]وبالمثل، كتب ديفيد كينغ، وهو ناقد قديم لجيبسون، أن ”مزاعمه حول البتراء كمهد للإسلام لا تؤخذ على محمل الجد من قبل علماء الدراسات النبطية“.[١٤]
وقد قدم دان جيبسون[١٥] بديلاً لفرضية القبلة ودليلاً جديدًا على حد سواء، من خلال قياس اتجاهات المساجد القديمة من حيث محراب الصلاة، الذي يشير إلى اتجاه الصلاة. فالقرآن الكريم يأمر المسلمين بالصلاة في وجهة المسجد الحرام (القرآن سورة البَقَرَةِ:144)، والتفسير المقبول هو أن عليهم مواجهة القبلة عند الصلاة[١٦]. وكوسيلة مساعدة، تُبنى المساجد قبالة مكة المكرمة. أي أن حائط الصلاة يبنى عموديًا على خط مستقيم إلى مكة، ويواجه المصلون هذا الحائط. والسؤال إذن هو في أي اتجاه تتجه المساجد الأولى؟ وإذا لم تكن إلى مكة، فمتى تغيرت؟
يدعي جيبسون أنه وجد أن المساجد الأولى كانت تواجه البتراء وليس مكة، ولكن حدث تغيير تدريجي في الاتجاه إلى مكة المكرمة على مدى قرون. ويشير إلى أن المسجد الحرام الأصلي في الإسلام كان في البتراء، ولكن تم تغيير وجهته بعد ذلك إلى مكة المكرمة لأسباب سياسية، ربما شجعت عليها الزلازل التي ضربت البتراء.
يجادل جيبسون بأن البتراء هي المرشح الأكثر منطقية للحرم الإسلامي الأصلي. فقد كانت مركزًا تجاريًا مهمًا، حتى وإن كانت قد تراجعت في عهد النبي. وكانت الزراعة ممكنة فيها، بما في ذلك زراعة الزيتون المذكورة في القرآن الكريم. وكان بها أسقف، وبالتالي كان بها عدد كبير من السكان المسيحيين، ومن المحتمل أن يكون أولئك من المناهضين للتثليث الذي يتوافق مع التوحيد الإسلامي[١٧]. يقدم جيبسون العديد من الحجج الأخرى لصالح البتراء، ويجادل بيتر تاونسند بشكل عام لصالح موقع في شمال الجزيرة العربية.[١٨]
وهناك نقطة محددة ضد البتراء هي أنها ليست قريبة من البحر الميت وبالتالي من مدائن قوم لوط، أو ليست قريبة بما فيه الكفاية، مع أنه إذا كانت مكة هي المنافسة الوحيدة للمقام الأصلي، فهي أقرب بكثير. إذا كانت البتراء تحتوي على مزار مقدس، فمن الممكن أن يكون قد زارها مزارعون من أقصى الشمال. ويجادل المدافعون عن النظرية بأنه على أي حال، فإن القرآن غير متسق في عدد من النواحي، وأن أفضل ما يمكن أن نأمله هو الحصول على تطابق جزئي لما يوحي به عن سياقه التاريخي.
من الاعتراضات العامة على فرضية البتراء أنه من الصعب فهم كيف يمكن أن يكون مكان الميلاد الحقيقي للإسلام قد تم محوه بالكامل من التقاليد الإسلامية[٨]، ويرد المدافعون عن هذه الفرضية بأن هناك العديد من الأمثلة على محاولات ناجحة جزئيًا لإعادة كتابة التاريخ لأسباب سياسية. وغالبًا ما يُلاحظ أن هناك القليل من الأدلة الوثائقية التي نجت من القرنين الأولين للإسلام. ربما لأن المسلمين الأوائل كانوا رجالاً عمليين مهتمين بتعزيز إمبراطوريتهم الجديدة أكثر من الكتابة عنها. أو ربما لأنه بحلول القرن الثاني كان قد تم التوصل إلى إجماع حول قيمة أسطورة تأسيس مكة، وتم تدمير كل الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.
انتقادات جيبسون
وقد كتب ديفيد أ. كينج، وهو باحث أكاديمي بارز في القبلة وعلم الفلك العربي القديم، عددًا من المقالات التي تنتقد عمل جيبسون بشدة[١٩][٢٠]. ويقول كينج إن المشكلة الأساسية في فرضية جيبسون هي أن المسلمين لم يطبقوا الهندسة الرياضية ولا الإحداثيات الدقيقة للمواقع عند تحديد القبلة حتى القرن التاسع. ويقول إن أول تحديد رياضي للقبلة معروف لدينا يعود إلى بغداد في حوالي عام 825 م. وحتى بعد قرون من ذلك وعلى الرغم من هذا التقدم، كان من الشائع أن يستخدم المسلمون مجموعة متنوعة من الطرق غير الرياضية ”الفلكية الشعبية“ لتحديد القبلة.
ويناقش كينغ في إحدى مقالاته أمثلة من القرون الوسطى لمثل هذه الطرق الموضحة في النصوص من القرن التاسع وما بعده. وقد قسمت هذه الطرق العالم إلى 4 أو 8 قطاعات أو أكثر في وقت لاحق، مرتبة حول جوانب الكعبة، التي كانت معروفة حتى من قبل علماء العصور الوسطى بأنها متسقة فلكيًا؛ حيث كان محورها الصغير يتماشى مع شروق الشمس في الصيف وغروبها في الشتاء، ومحورها الكبير مع شروق أو غروب نجمي سهيل والدب الأكبر. ويكتب كينج: ”يرتبط كل قطاع بجزء من محيط الكعبة، والقبلة في كل قطاع هي الاتجاه الذي يقف فيه المرء أمام الكعبة في مواجهة ذلك الجزء من محيطها“[٢١]. وقد نصحت هذه النصوص المسلمين بتوجيه أنفسهم نحو الاتجاه المحدد لقطاعهم/موقعهم من خلال مراقبة اتجاه غروب الشمس أو شروقها في الانقلابات الشتوية أو الصيفية، أو الاتجاه الذي تظهر فيه نجوم معينة، أو حتى ”الرياح الأربع“. وفي بعض الحالات كانت الاتجاهات الأساسية مفضلة. وعلى وجه الخصوص، في عدد من المواقع، بما في ذلك المدينة المنورة، كانت مكة المكرمة تُعتبر جنوبًا.
ويرى كينغ أن مثل هذه الأساليب الفلكية الشعبية كانت ستستخدمها الأجيال الأولى أيضًا لأنها لم تكن قد تعرفت على الأساليب الرياضية أو الإحداثيات الدقيقة للمواقع واعتنقتها بعد. وقيل إن الأجيال الأولى في العراق كانت تستخدم اتجاه غروب الشمس في فصل الشتاء (وهو ما يتوافق مع طريقة اتجاه قطاع الكعبة الموضحة أعلاه) وهذا ما تظهره بعض المساجد المبكرة، كما أن بعض المساجد المصرية القديمة كانت تتماشى مع شروق الشمس في فصل الشتاء. ووفقًا لما ذكره كينج، فإن العديد من المساجد الأخرى التي استشهد بها جيبسون كدليل على نظريته كانت في الواقع متسقة على أسس الصروح التي تعود إلى ما قبل الإسلام.[١٩]
وقد أكد كينج مرارًا وتكرارًا على أنه من المغالطة الأساسية حتى من حيث المبدأ استخدام اتجاهات فردية دقيقة أو ارتباط إحصائي من النوع الذي أكده جيبسون لتحديد اتجاه معين من جانب بناة المساجد الأوائل، مهما كانت قوة أو ضعف الارتباط وموثوقية البيانات الأساسية لجيبسون (على الرغم من أن كينج يشكك أيضًا في بيانات جيبسون). على مدى قرون، لم يكن لدى أولئك الذين لم يميلوا إلى الأساليب الرياضية سوى فكرة مبهمة للغاية وغالبًا ما كانت غير دقيقة للغاية عن الاتجاه الفعلي لمكة المكرمة، ناهيك عن أي مكان آخر، واستخدموا أساليب تعتمد على الجغرافيا المقدسة أو التقاليد أو الأسس الجاهلية المناسبة تقريبًا التي لم تكن تمت بأي شكل من الأشكال إلى الدقة. وإدراكًا منه لهذه المشكلة، يقترح جيبسون وسائل مختلفة يمكن أن يكون بناة المساجد الأوائل قد حسبوا بها الاتجاهات الدقيقة. ومع ذلك، تلقى هذه الادعاءات مرة أخرى نقدًا لاذعًا من كينج[١٩].
وفي حين أن كينغ يتعامل بشكل نقدي مع عينة كبيرة من نقاط بيانات جيبسون الخاصة بالمساجد،[١٩][٢٢] إلا أن هناك نقطة أخرى ناقشها جيبسون مثيرة للاهتمام بشكل خاص. فالمسجد الصغير في موقع الحميمة الأثري في جنوب الأردن يقع بين مكة المكرمة والبتراء، على بعد 43 كم فقط من الأخيرة، ومع ذلك فإن محرابه يتجه جنوبًا نحو مكة المكرمة، وليس نحو البتراء. ويدّعي جيبسون من دون أن يذكر أي دليل على أنه بُني في وقت متأخر عن القصر الأموي المجاور في أوائل القرن الثامن الميلادي، والذي على الرغم من أنه ليس مسجدًا، إلا أن جيبسون يدعي أيضًا من دون دليل أنه كان موجهًا عمدًا نحو البتراء[٢٣]، إلا أن علماء الآثار أرّخوا كلًّا من المسجد والقصر في الوقت نفسه في أوائل القرن الثامن، مدعومين بأساسات فخارية في كلا المبنيين بالإضافة إلى النصوص التاريخية التي تذكر أن الأسرة العباسية بنت قصرًا ومسجدًا في ذلك الموقع خلال الفترة الأموية.[٢٤][٢٥]
هناك مشكلة لغوية كبيرة مع نظرية الأصل النبطي أثارها مريجن فان بوتن، وهو باحث أكاديمي بارز في اللغة العربية المبكرة وخاصةً اللغة العربية القرآنية، حيث جادل بالتفصيل أن اللهجة الواضحة في المصحف العثماني هي لهجة حجازية قديمة وليست نبطية.[٢٦]
نقاط تدعم الموقع المكّي التقليدية
يشير أولئك الذين يفضلون الإطار المكي التقليدي لمسيرة محمد المبكرة كنبي إلى إشارة مباشرة للغاية إلى مكة في القرآن نفسه:
وبالمثل، يشير البعض إلى آية أخرى تصف بدقة الكعبة بأنها تقع بالقرب من واد غير مزروع:
وقد ورد ذكر العديد من المواقع الأخرى التي يمكن تحديدها في القرآن الكريم في المنطقة الأوسع، ولكن أبرزها يثرب في القرآن سورة الأَحۡزَابِ:13. تم التحقق من أن يثرب هي نفسها المدينة المنورة في تاريخ خوزستان السرياني في منتصف القرن السابع. بالإضافة إلى ذلك، فإن دستور المدينة (بين ”المؤمنون والخاضعون من قريش ويثرب“) يعتبر صحيحًا بشكل عام[٨]، وقد أشير إلى الهجرة بعد طردهم من الحرم في آيات مختلفة من القرآن الكريم. وقد أشار نقولاي سيناي إلى عدد من الملاحظات المفيدة الأخرى، ولا سيما أن بعض الممارسات الدينية التي ألمح إليها القرآن من المرجح أن تكون موجودة في عمق شبه الجزيرة العربية أكثر من محيطها الشمالي.[٨] وفيما يتعلق بالبيئة الدينية التي يقترحها القرآن، يشير سيناي كذلك إلى أن مصدرًا إسلاميًا من القرن التاسع الميلادي يذكر مقبرة مسيحية في مكة، في حين أن الآثار الأخرى في المصادر الإسلامية تسمح بافتراض وجود مسيحي محدود في الحجاز (وهو ما تدعمه أيضًا النقوش الصخرية - انظر الديانة العربية قبل الإسلام في الإسلام في ما يتعلق بالنقوش المسيحية وكذلك فيما يتعلق بالهجاء القرآني المميز لله الموجود في النقوش بين مكة والطائف).
وفي ما يتعلق بالإشارات الزراعية في القرآن الكريم، يُشار أحيانًا إلى أن ياقوت الحموي (ت 1229 م) في عمله العظيم في الجغرافيا يصف مكة المكرمة على النحو التالي:
إقتباسات ذات صلة
القرآن
الحديث
- ↑ Robert Schick, Archaeology and the Quran, Encyclopaedia of the Qur'an ↑
- ↑ See the conclusion in Ian D. Morris (2018) Mecca and Macoraba in: al-Usur al-wusta vol. 26 (2018) ↑
- ↑ This was definitively argued by Crone in her 1987 book Meccan Trade and the Rise of Islam, and further defended and refined in her 1992 article Serjeant and Meccan Trade and her 2007 article Quraysh and the Roman Army: Making Sense of the Meccan Leather Trade
- ↑ As pointed out by Patricia Crone, How Did the Quranic Pagans Make a Living? Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, Vol. 68, No. 3 (2005), pp. 387-399. Available at http://www.jstor.org/stable/[1], also in her Collected Studies(2016). ↑
- ↑ https://www.islamic-awareness.org/history/islam/inscriptions/haram1
- ↑ https://archive.org/details/MedievalJerusalemAndIslamicWorshipHolyPlacesCeremoniesPilgrimageIslamicHistoryAndCivilization
- ↑ More evidence for multiple authors is provided by Tommaso Tesei The Qurʾān(s) in Context(s) Journal Asiatique 309.2 (2021) pp. 185-202 ↑ Jump up to:8.0 8.1 8.2 8.3
- ↑ ٨٫٠ ٨٫١ ٨٫٢ ٨٫٣ Nicolai Sinai, The Qur'an: A Historical-Critical Introduction Edinburgh University Press, 2017, Chapter 3: The Qur'anic Milieu
- ↑ Stephen Shoemaker, Christmas in the Qur’an: the Qur’anic Account of Jesus’ Nativity and Palestinian Local Tradition Jerusalem Studies in Arabic and Islam 28, 11-39 (2003) pp. 19-21 ↑
- ↑ Guillaume Dye, “The Qur’ān and its Hypertextuality in Light of Redaction Criticism,” The Fourth Nangeroni Meeting Early Islam: The Sectarian Milieu of Late Antiquity? (Early Islamic Studies Seminar, Milan) (15-19 June 2015): 10 ↑
- ↑ Dan Gibson, Qur'ānic Geography: A survey and evaluation of the geographical references in the Qur'ān with suggested solutions for various problems and issues., Vancouver: Independent Scholar's Press, 2011
- ↑ Numerous videos by Dan Gibson arguing for the Petra hypothesis are available on YouTube, and there is a recent summary of the evidence at nabataea.net.
- ↑ Ask Me Anything comment by Sean Anthony - AcademicQuran board on reddit.com, 27 May 2023 ↑
- ↑ See "Notes added in September 2020" in the article The Petra Fallacy: Early Mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca by David King, 15 September 2020 - muslimheritage.com ↑
- ↑ Most recently in Let the Stones Speak ↑
- ↑ As Ohlig points out, praying is not in the original Arabic, but is added by all translators except Arberry. See From Muhammad Jesus to the Prophet of the Arabs, section 6.5 The direction of prayer (Qibla), pp 300 to 304, in Karl-Heinz Ohlig ed. Early Islam (2013). Available at archive.org. For a literal translation see https://quranwbw.com/2
- ↑ https://en.wikipedia.org/wiki/Petra, ‘Climate’ and ‘Byzantine Period’ ↑
- ↑ The Mecca Mystery (2018) ↑ Jump up to:19.0 19.1 19.2 19.3
- ↑ ١٩٫٠ ١٩٫١ ١٩٫٢ ١٩٫٣ From Petra back to Makka – From “Pibla” back to Qibla by David King, 22 August 2017 on muslimheritage.com ↑
- ↑ The Petra Fallacy: Early Mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca by David King, 15 September 2020 - muslimheritage.com ↑
- ↑ Islamic sacred geography for finding the qibla by the sun and stars: A survey of the historical sources by David King, 2019
- ↑ King: The Petra fallacy The Petra fallacy - Early mosques do face the Sacred Kaaba in Mecca but Dan Gibson doesn't know how / Comparing historical orientations with modern directions can lead to false results - David King, December 2018 ↑
- ↑ See Humeima Farm House by Dan Gibson ↑
- ↑ John Oleson and Rebecca Foote, HUMEIMA EXCAVATION PROJECT, 1995-96 - Max van Berchem Foundation, Geneva, 1996
- ↑
- ↑ Marijn van Putten, Quranic Arabic: From its Hijazi origins to its classical reading traditions, Leiden: Brill, 2022 isbn: 9789004506251 (Open access pdf download, also available here) See especially pages 118, 120, 122, and footnote 32 on page 146.