إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم

القرآن والحديث والعلماء: محمد والحرب

من ویکی اسلام
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

يصور التقليد الإسلامي النبي على أنه في حالة حرب مستمرة مع غير المؤمنين بعد هروبه من مكة، ويقدم العديد من الأمثلة على بدء محمد للعدوان وشن الحروب ضد أعدائه. والصورة التي تنبثق عن محمد من الحديث والسيرة هي صورة رجل حرب، يهتم باستمرار باكتساب الغنائم وتوسيع ممتلكاته وسيطرة المؤمنين.

كان لمحمد الحق الإلهي في قهر الآخرين

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ عَمَّنْ لا يُتَّهَمُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الأمْصارُ فِي زَمَنِ عُمَرَ وعُثْمانَ وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم! فو الذى نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، ما افْتَتَحْتُمْ مِن مَدِينَةٍ ولا تَفْتَتِحُونَها إلى يَوْمِ القِيامَةِ إلا وقَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ مَفاتِيحَها قَبْلَ ذَلِكَ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.570.

هدد محمد بالذبح لعباد الأوثان عندما كان في مكة

ذِكْرُ لُقى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن قَوْمِهِ

(سُفَهاءُ قُرَيْشٍ ورَمْيُهُ صلى الله عليه وسلم بِالسِّحْرِ والجُنُونِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ إنّ قُرَيْشًا اشْتَدَّ أمْرُهُمْ لِلشَّقاءِ الَّذِي أصابَهُمْ فِي عَداوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومَن أسْلَمَ مَعَهُ مِنهُمْ، فَأغْرَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سُفَهاءَهُمْ، فَكَذَّبُوهُ وآذَوْهُ، ورَمَوْهُ بِالشِّعْرِ والسِّحْرِ والكِهانَةِ والجُنُونِ، ورَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُظْهِرٌ لِأمْرِ اللَّهِ لا يَسْتَخْفِي بِهِ، مُبادٍ لَهُمْ بِما يَكْرَهُونَ مِن عَيْبِ دِينِهِمْ، واعْتِزالِ أوْثانِهِمْ، وفِراقِهِ إيّاهُمْ عَلى كُفْرِهِمْ. (حَدِيثُ ابْنِ العاصِ عَنْ أكْثَرِ ما رَأى قُرَيْشًا نالَتْهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، قالَ: قُلْتُ لَهُ: ما أكْثَرَ ما رَأيْتَ قُرَيْشًا أصابُوا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيما كانُوا يُظْهِرُونَ مِن عَداوَتِهِ؟ قالَ: حَضَرْتُهُمْ، وقَدْ اجْتَمَعَ أشْرافُهُمْ يَوْمًا فِي [٣] الحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالُوا: ما رَأيْنا مِثْلَ ما صَبَرْنا عَلَيْهِ مِن أمْرِ هَذا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أحْلامَنا، وشَتَمَ آباءَنا، وعابَ دِينَنا، وفَرَّقَ جَماعَتَنا، وسَبَّ آلِهَتَنا، لَقَدْ صَبَرْنا مِنهُ عَلى أمْرٍ عَظِيمٍ، أوْ كَما قالُوا: فَبَيْنا هُمْ فِي ذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأقْبَلَ يَمْشِي حَتّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طائِفًا بِالبَيْتِ، فَلَمّا مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ [٤] بِبَعْضِ القَوْلِ. قالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قالَ: ثُمَّ مَضى، فَلَمّا مَرَّ بِهِمْ الثّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِها، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِها، فَوَقَفَ، ثُمَّ قالَ: أتَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أما واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ [١]. قالَ: فَأخَذَتْ القَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتّى ما مِنهُمْ رَجُلٌ إلّا كَأنَّما عَلى رَأْسِهِ طائِرٌ واقِعٌ، حَتّى إنّ أشَدَّهُمْ فِيهِ وصاةً [٢] قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ [٣] بِأحْسَنِ ما يَجِدُ مِن القَوْلِ، حَتّى إنّهُ لِيَقُولَ: انْصَرِفْ يا أبا القاسِم، فو الله ما كُنْتَ جَهُولًا. قالَ: فانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتّى إذا كانَ الغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الحِجْرِ وأنا مَعَهُمْ، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ذَكَرْتُمْ ما بَلَغَ مِنكُمْ، وما بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتّى إذا باداكُمْ بِما تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ. فَبَيْنَما هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ (عَلَيْهِمْ) [٤] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَثَبُوا إلَيْهِ وثْبَةَ رَجُلٍ واحِدٍ، وأحاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ: أنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذا وكَذا، لِما كانَ يَقُولُ مِن عَيْبِ آلِهَتِهِمْ ودِينِهِمْ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ: أنا الَّذِي أقُولُ ذَلِكَ. قالَ: فَلَقَدْ رَأيْتُ رَجُلًا مِنهُمْ أخَذَ بِمِجْمَعِ رِدائِهِ. قالَ: فَقامَ أبُو بَكْرٍ ﵁ دُونَهُ، وهُوَ يَبْكِي ويَقُولُ: أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإنَّ ذَلِكَ لَأشَدُّ ما رَأيْتُ قُرَيْشًا نالُوا مِنهُ قَطُّ. (بَعْضُ ما نالَ أبا بَكْرٍ فِي سَبِيلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم): قالَ ابْنُ إسْحاقَ، وحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ، أنَّها قالَتْ:

(لَقَدْ) [٤] رَجَعَ أبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وقَدْ صَدَعُوا [٥] فَرْقَ [٦] رَأْسِهِ، مِمّا جَبَذُوهُ بِلِحْيَتِهِ وكانَ رَجُلًا. كَثِيرَ الشَّعْرِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.290-289.

بنو العنبر

وغزوة زيد بْن حارثة وجعفر بْن أبي طالب وعبد الله بْن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، وغزوة كعب بْن عمير الغفاري بذات أطلاح من أرض الشام، فأصيب بِها هو وأصحابه، وغزوة عيينة بْن حصن بني العنبر من بني تميم، وكانَ من حديثهم أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص بعثه إلَيْهِم، فأغار عليهم، فأصاب منهم ناسا، وسبى منهم سبيا.

حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، [أنَّ عائِشَةَ قالَتْ لرسول الله ص:

يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِن بَنِي إسْماعِيلَ، قالَ: هَذا سَبْيُ بَنِي العَنْبَرِ يَقْدَمُ الآنَ فَنُعْطِيكِ إنْسانًا فَتَعْتِقِينَهُ] قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَمّا قَدِمَ سَبْيُهُمْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ص رَكِبَ فِيهِمْ وفْدٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، حَتّى قدموا على رسول الله ص، مِنهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ، وسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، والقَعْقاعُ بْنُ مَعْبَدٍ، ووَرْدانُ بْنُ مُحْرِزٍ، وقَيْسُ بْنُ عاصِمٍ، ومالِكُ بْنُ عَمْرٍو، والأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ، وحَنْظَلَةُ بْنُ دارِمٍ، وفِراسُ بْنُ حابِسٍ وكانَ مِمَّنْ سُبِيَ مِن نِسائِهِمْ يَوْمَئِذٍ أسْماءُ بِنْتُ مالِكٍ، وكَأْسُ بِنْتُ أرِيٍّ، ونَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ وجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.157.

بنو المصطلك

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ، عِنْدَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إِلَىَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ وَقَدْ أَغَارَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ نَبِيلٌ رَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ ‏.‏

خيبر

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ـ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلاً، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لاَ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ ‏"‏ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ‏" ‏‏.‏ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْىِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا‏.‏ فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ‏.‏
(شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِيما بَلَغَنِي، قَدْ أعْطى ابْنَ لُقَيْمٍ العَبْسِيَّ، حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، ما بِها مِن دَجاجَةٍ أوْ داجِنٍ [١]، وكانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ، فَقالَ ابْنُ لُقَيْمٍ العَبْسِيُّ [٢] فِي خَيْبَرَ: رُمِيَتْ نَطاةٌ مِن الرَّسُولِ بِفَيْلَقٍ … شَهْباءَ ذاتِ مَناكِبَ وفَقارِ [٣] واسْتَيْقَنَتْ بِالذُّلِّ لَما شُيِّعَتْ … ورِجالُ أسْلَمَ وسْطَها وغِفارِ [٤] صَبَّحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غُدْوَةً … والشَّقُّ أظْلَمَ أهْلُهُ بِنَهارِ [٥] جَرَّتْ بِأبْطَحِها [٦] الذُّيُولُ [٧] فَلَمْ تَدَعْ … إلّا الدَّجاجَ تَصِيحُ فِي الأسْحارِ [٨] ولِكُلِّ حِصْنٍ شاغِلٌ مِن خَيْلِهِمْ … مِن عَبْدِ أشْهَلَ أوْ بَنِي النَّجّارِ [٩] ومُهاجِرِينَ قَدْ اعْلَمُوا سِيماهُمْ … فَوْقَ المغافر لم ينْو الفِرار [١٠] ولَقَدْ عَلِمْتُ لَيَغْلِبَنَّ مُحَمَّدٌ … ولَيَثْوِيَنَّ بِها إلى أصْفارِ [١١]

فَرَّتْ [١٢] يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الوَغى … تَحْتَ العَجاجِ غَمائِمَ [١٣] الأبْصارِ
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.341-340.

بنو قريظة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فَأَيْنَ ‏"‏‏.‏ قَالَ هَا هُنَا‏.‏ وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ‏.‏ قَالَتْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ـ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ـ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ ـ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ ـ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ ‏"‏‏.‏ فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ‏"‏ إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ‏.‏ قَالَ ‏"‏ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ أَوْ سَيِّدِكُمْ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ‏.‏ قَالَ ‏"‏ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ‏.‏
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ‏.
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ ‏"‏ اهْجُهُمْ ـ أَوْ هَاجِهِمْ ـ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ ‏"‏.‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ـ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ ـ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ، تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ، عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ ـ يُرِيدُ الدِّيوَانَ ـ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْىُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ‏.‏ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ ‏"‏ مَا فَعَلَ كَعْبٌ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ‏.‏ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا‏.‏ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلاَنِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ ‏"‏ تَعَالَ ‏"‏‏.‏ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي ‏"‏ مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ‏"‏‏.‏ فَقُلْتُ بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ ‏"‏‏.‏ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ‏.‏ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ‏.‏ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَىَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَىَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ‏.‏ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ‏.‏ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا‏.‏ وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ‏.‏ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ ‏"‏ لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ ‏"‏‏.‏ قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا‏.‏ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ‏.‏ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ‏.‏ قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ ‏"‏ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ ‏"‏ لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏"‏‏.‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ‏.‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏ فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْىَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏‏.‏ قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا‏}‏ وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ‏.‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ أَهْلَ، قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ ‏"‏ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ ‏"‏‏.‏ أَوْ قَالَ ‏"‏ خَيْرِكُمْ ‏"‏‏.‏ فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ‏"‏‏.‏ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ ‏"‏‏.‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ إِلَى حُكْمِكَ‏.‏
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا وَقَالَ، إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّالله عليه وسلم فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ - وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ - وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ ‏.‏
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ، بَشَّارٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ الآخَرَانِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، - عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، الْخُدْرِيَّ قَالَ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ ‏"‏ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ - أَوْ خَيْرِكُمْ ‏"‏ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ‏"‏ إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذُرِّيَّتَهُمْ ‏.‏ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ - وَرُبَّمَا قَالَ - قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ‏"‏ ‏.‏ وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْمُثَنَّى وَرُبَّمَا قَالَ ‏"‏ قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ‏"‏ ‏.‏
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ، كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ ‏.‏ رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ فَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فَأَيْنَ ‏"‏ ‏.‏ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ ‏.‏

قريش

قال: وزعم الواقدي ان رسول الله ص عقد في هذه السنة في شهر رمضان، على رأس سبعة أشهر من مهاجره، لحمزة بن عبد المطلب لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين، ليعترض لعيرات قريش، وأن حمزة لقي أبا جهل بن هشام في ثلاثمائه رجل، فحجز بينهم مَجديّ بن عمرو الجهني فافترقوا، ولم يكن بينهم قتال وكان الذي يحمل لواء حمزة أبو مرثد.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.402.
وخَرَجَ فِي صَفَرٍ غازِيًا عَلى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِن مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ، لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ، حَتّى بَلَغَ ودّانَ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وبَنِي ضَمْرَةَ بْنَ بكر بْن عبد مناة بْن كنانة، وهي غَزْوَةَ الأبْواءِ، فَوادَعَتْهُ فِيها بَنُو ضَمْرَةَ، وكانَ الذى وادعه منهم عليهم سَيِّدُهُمْ كانَ فِي زَمانِهِ ذَلِكَ، مَخْشِيُّ بْنُ عمرو، رجل منهم قال: ثم رجع رسول الله ص إلى المدينة، ولم يلق كيدا، فأقام بها بَقِيَّةَ صَفَرٍ وصَدْرًا مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.403.
السنة الثانية من الهجرة

فغزا رسول الله ص- في قول جميع أهل السير- فيها، في ربيع الأول بنفسه غزوة الأبواء- ويقال ودان- وبينهما ستة أميال هي بحذائها، واستخلف رسول الله ص على المدينة حين خرج إليها سعد بن عبادة بن دليم وكان صاحب لوائه في هذه الغزاة حمزة بن عبد المطلب، وكان لواؤه- فيما ذكر- أبيض. وقال الواقدي: كان مقامه بها خمس عشرة ليلة، ثم قدم المدينة. قال الواقدى: ثم غزا رسول الله ص في مائتين من أصحابه، حتى بلغ بواط في شهر ربيع الأول، يعترض لعيرات قريش، وفيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش، والفان وخمسمائة بعير ثم رجع ولم يلق كيدا.

وكان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، واستخلف على المدينة سعد ابن معاذ في غزوته هذه.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.407.
حَتّى قَدِمُوا عَلى رَسُولِ الله ص بِالمَدِينَةِ.

قالَ: وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جحش، قال لأصحابه: ان لرسول الله ص مِمّا غَنِمْتُمُ الخُمُسَ- وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَفْرِضَ اللَّهُ مِنَ الغَنائِمِ الخُمُسَ- فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص خُمُسَ الغَنِيمَةِ، وقَسَّمَ سائِرَها بَيْنَ أصْحابِهِ، فَلَمّا قدموا على رسول الله ص، [قالَ: ما أمَرْتُكُمْ بِقِتالٍ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ] فَوَقَّفَ العِيرَ والأسِيرَيْنِ، وأبى أنْ يَأْخُذَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمّا قالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَقَطَ فِي أيْدِي القَوْمِ، وظَنُّوا أنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وعَنَّفَهُمُ المُسْلِمُونَ فِيما صَنَعُوا وقالُوا لَهُمْ: صَنَعْتُمْ ما لَمْ تُؤْمَرُوا بِهِ، وقاتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ ولَمْ تُؤْمَرُوا بِقِتالٍ! وقالَتْ قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ الشَّهْرَ الحَرامَ، فَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمُ وأخَذُوا فِيهِ الأمْوالَ، وأسَرُوا فِيهِ الرِّجالَ فَقالَ مَن يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ مِمَّنْ كانَ بِمَكَّةَ: إنَّما أصابُوا ما أصابوا في شعبان وقالت يهود، تفاءل بذلك على رسول الله ص: عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ قَتَلَهُ واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: عَمْرٌو عَمَرَتِ الحَرْبُ، والحَضْرَمِيُّ حَضَرَتِ الحَرْبُ، وواقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وقَدَتِ الحَرْبُ، فَجَعَلَ اللَّهُ ﷿ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ. فَلَمّا أكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ ﷿ على رسوله ص : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» الآية. فَلَمّا نَزَلَ القُرْآنُ بِهَذا مِنَ الأمْرِ وفَرَجَ اللَّهُ عَنِ المُسْلِمِينَ ما كانُوا فِيهِ من الشفق، قبض رسول الله ص العِيرَ والأسِيرَيْنِ.

وبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِداءِ عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، [فقال رسول الله ص: لا نُفْدِيكُمُوهُما، حَتّى يَقْدُمَ صاحِبانا- يَعْنِي سَعْدَ ابن أبِي وقّاصٍ وعُتْبَةَ بْنَ غَزْوانَ- فَإنّا نَخْشاكُمْ عَلَيْهِما، فَإنْ تَقْتُلُوهُما نَقْتُلْ صاحِبَيْكُمْ] فَقَدِمَ سَعْدٌ وعتبة، ففاداهما رسول الله ص مِنهُمْ، فَأمّا الحَكَمُ بْنُ كَيْسانَ فَأسْلَمَ فَحَسُنَ اسلامه، واقام عند رسول الله ص حَتّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.413-412.
كانَ مِن شَأْنِهِ أنَّ أبا سُفْيانَ بْنَ حَرْبٍ أقْبَلَ مِنَ الشّامِ فِي قَرِيبٍ مِن سَبْعِينَ راكِبًا مِن قَبائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّها، كانُوا تُجّارًا بِالشّامِ، فَأقْبَلُوا جَمِيعًا مَعَهُمْ أمْوالُهُمْ وتِجارَتُهُمْ، فَذُكِرُوا لرسول الله ص وأصْحابِهِ، وقَدْ كانَتِ الحَرْبُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقُتِلَتْ قَتْلى، وقُتِلَ ابْنُ الحَضْرَمِيِّ فِي ناسٍ بِنَخْلَةٍ، وأُسِرَتْ أُسارى مِن قُرَيْشٍ، فِيهِمْ بَعْضُ بَنِي المُغِيرَةِ، وفِيهِمُ ابْنُ كَيْسانَ مَوْلاهُمْ، أصابَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وواقِدٌ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي ناسٍ مِن أصْحابِ رسول الله ص بَعَثَهُمْ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وكانَتْ تِلْكَ الوَقْعَةُ هاجَتِ الحَرْبَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ص وبَيْنَ قُرَيْشٍ، وأوَّلَ ما أصابَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الحَرْبِ، وذَلِكَ قَبْلَ مَخْرَجِ أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ إلى الشّامِ.

ثُمَّ إنَّ أبا سُفْيانَ أقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ومَن مَعَهُ مِن رُكْبانِ قُرَيْشٍ مُقْبِلِينَ مِنَ الشّامِ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ الساحل، فلما سمع بهم رسول الله ص نَدَبَ أصْحابَهُ وحَدَّثَهُمْ بِما مَعَهُمْ مِنَ الأمْوالِ، وبِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فَخَرَجُوا لا يُرِيدُونَ إلّا أبا سُفْيانَ والرَّكْبَ مَعَهُ، لا يَرَوْنَها إلّا غَنِيمَةً لَهُمْ، لا يَظُنُّونَ أنْ يَكُونَ كَبِيرُ قِتالٍ إذا لَقُوهُمْ، وهِيَ الَّتِي أنْزَلَ اللَّهُ ﷿ فِيها: «وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ».

فَلَمّا سَمِعَ أبُو سُفْيانَ أنَّ أصْحابَ رَسُولِ الله ص معترضون له، بَعَثَ إلى قُرَيْشٍ: إنَّ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ مُعْتَرِضُونَ لَكُمْ، فَأجِيرُوا تِجارَتَكُمْ فَلَمّا أتى قُرَيْشًا الخَبَرُ- وفِي عِيرِ أبِي سُفْيانَ، مِن بُطُونِ كَعْبِ ابن لُؤَيٍّ كُلِّها- نَفَرَ لَها أهْلُ مَكَّةَ، وهِيَ نَفْرَةُ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، لَيْسَ فِيها من بنى عامر احد الا من كانَ مِن بَنِي مالِكِ بْنِ حِسْلٍ، ولَمْ يسمع بنفره قريش رسول الله ص ولا اصحابه، حتى قدم النبي ص بَدْرًا- وكان طَرِيقُ رُكْبانِ قُرَيْشٍ، مَن أخَذَ مِنهُمْ طَرِيقَ السّاحِلِ إلى الشّامِ- فَخَفَضَ أبُو سُفْيانَ عَنْ بَدْرٍ، ولَزِمَ طَرِيقَ السّاحِلِ، وخافَ الرصد على بدر، وسار النبي ص، حَتّى عَرَّسَ قَرِيبًا مِن بَدْرٍ، وبَعَثَ النَّبِيُّ ص الزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ فِي عِصابَةٍ مِن أصْحابِهِ إلى ماءِ بَدْرٍ، ولَيْسُوا يَحْسَبُونَ أنَّ قُرَيْشًا خرجت لهم، فبينا النبي ص قائِمٌ يُصَلِّي، إذْ ورَدَ بَعْضُ رَوايا قُرَيْشٍ ماءَ بَدْرٍ، وفِيمَن ورَدَ مِنَ الرَّوايا غُلامٌ لِبَنِي الحَجّاجِ أسْوَدُ، فَأخَذَهُ النَّفَرُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ رسول الله ص مَعَ الزُّبَيْرِ إلى الماءِ، وأفْلَتَ بَعْضُ أصْحابِ العَبْدِ نَحْوَ قُرَيْشٍ، فَأقْبَلُوا بِهِ حَتّى أتَوْا به رسول الله ص وهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ، فَسَألُوهُ عَنْ أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ، لا يَحْسِبُونَ إلّا أنَّهُ مَعَهُمْ، فَطَفِقَ العَبْدُ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ ومَن خَرَجَ مِنها، وعَنْ رُءُوسِهِمْ، ويَصْدُقُهُمُ الخَبَرَ، وهُمْ أكْرَهُ شَيْءٍ إلَيْهِمُ الخَبَرُ الَّذِي يُخْبِرُهُمْ، وإنَّما يَطْلُبُونَ حِينَئِذٍ بالركب أبا سفيان واصحابه، والنبي ص يُصَلِّي، يَرْكَعُ ويَسْجُدُ يَرى ويَسْمَعُ ما يُصْنَعُ بِالعَبْدِ، فَطَفِقُوا إذا ذَكَرَ لَهُمْ أنَّها قُرَيْشٌ جاءَتْهُمْ، ضَرَبُوهُ وكَذَّبُوهُ، وقالُوا: إنَّما تَكْتُمُنا أبا سُفْيانَ وأصْحابَهُ، فَجَعَلَ العَبْدُ إذا أذْلَقُوهُ بِالضَّرْبِ وسَألُوهُ عَنْ أبِي سُفْيانَ وأصْحابِهِ- ولَيْسَ لَهُ بِهِمْ عِلْمٌ، إنَّما هُوَ مِن رَوايا قُرَيْشٍ- قالَ: نَعَمْ، هَذا أبُو سُفْيانَ، والرَّكْبُ حِينَئِذٍ أسْفَلَ مِنهُمْ، قالَ اللَّهُ ﷿: «إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْيا وهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوى والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنكُمْ» - حَتّى بَلَغَ- «أمْرًا كانَ مَفْعُولًا»، فَطَفِقُوا إذا قالَ لَهُمُ العَبْدُ: هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أتَتْكُمْ ضَرَبُوهُ، وإذا قالَ لَهُمْ: هَذا أبُو سُفْيانَ تَرَكُوهُ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.423-421.
(شِعْرُ أبِي بَكْرٍ فِيها):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁، فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: وأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ القَصِيدَةَ لِأبِي بَكْرٍ [٤] ﵁-: أمِن طَيْفِ سَلْمى بِالبِطاحِ الدَّمائِثِ … أرِقْتَ وأمْرٍ فِي العَشِيرَةِ حادِثِ [٥] تَرى مِن لُؤَيًّ فِرْقَةً لا يَصُدُّها … عَنْ الكُفْرِ تَذْكِيرٌ ولا بَعْثُ باعِثِ رَسُولٌ أتاهُمْ صادِقٌ فَتَكَذَّبُوا … عَلَيْهِ وقالُوا: لَسْتَ فِينا بِماكِثِ إذا ما دَعَوْناهُمْ إلى الحَقِّ أدْبَرُوا … وهَرُّوا هَرِيرَ المُجْحَراتِ اللَّواهِثِ [٦] فَكَمْ قَدْ مَتَتْنا [٧] فِيهِمْ بِقَرابَةٍ … وتَرْكُ التُّقى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كارِثِ [٨] فَإنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وعُقُوقِهِمْ … فَما طَيِّباتُ الحِلِّ مِثْلُ الخَبائِثِ وإنْ يَرْكَبُوا طُغْيانَهُمْ وضَلالَهُمْ … فَلَيْسَ عَذابُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِلابِثِ [١] ونَحْنُ أناسٌ مِن ذُؤابَةَ غالِبٌ … لَنا العِزُّ مِنها فِي الفُرُوعِ الأثائِثِ [٢] فَأُولِي بِرَبِّ الرّاقِصاتِ عَشِيَّةً … حَراجِيجُ [٣] تُحْدى [٤] فِي السَّرِيحِ الرَّثائِثِ [٥] كَأُدْمِ ظِباءٍ حَوْلَ مَكَّةَ عُكَّفٍ … يَرِدْنَ حِياضَ البِئْرِ ذاتِ النَّبائِثِ [٦] لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عاجِلًا مِن ضَلالِهِمْ … ولَسْتُ إذا آلَيْت قولا بجانث لَتَبْتَدِرَنَّهُمْ غارَةٌ ذاتُ مَصْدَقٍ … تُحَرِّمُ أطْهارَ النِّساءِ الطَّوامِثِ [٧] تُغادِرُ قَتْلى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ … ولا تَرْأفُ الكُفّارَ رَأفَ ابْنِ حارِثِ [٨] فَأبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْكَ رِسالَةً … وكُلَّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشَّرَّ باحِثِ

فَإنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلى سُوءِ رَأْيكُمْ … فَإنِّي مِن أعْراضِكُمْ غَيْرُ شاعِثِ [٩]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.593-592.
فَلَمّا نَزَلَ القُرْآنُ بِهَذا مِن الأمْرِ، وفَرَّجَ اللَّهُ تَعالى عَنْ المُسْلِمِينَ ما كانُوا فِيهِ مِن الشَّفَقِ [١] قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العِيرَ والأسِيرَيْنِ، وبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِداءِ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ والحَكَمِ ابْنِ كَيْسانَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا نُفْدِيكُمُوها حَتّى يَقْدَمَ صاحِبانا- يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ، وعُتْبَةَ بْنَ غَزْوانَ- فَإنّا نَخْشاكُمْ عَلَيْهِما، فَإنْ تَقْتُلُوهُما، نَقْتُلْ صاحِبَيْكُمْ. فَقَدِمَ سَعْدٌ وعُتْبَةُ، فَأُفْداهُما رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنهُمْ.

(إسْلامُ ابْنِ كَيْسانَ ومَوْتُ عُثْمانَ كافِرًا): فَأمّا الحَكَمُ بْنُ كَيْسانَ فَأسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ، وأقامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وأمّا عُثْمانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَماتَ بِها كافِرًا. (طَمَعُ ابْنِ جَحْشٍ فِي الأجْرِ وما نَزَلَ فِي ذَلِكَ): فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وأصْحابِهِ ما كانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ القُرْآنُ، طَمِعُوا فِي الأجْرِ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ: أنَطْمَعُ، أنْ تَكُونَ لَنا غَزْوَةٌ نُعْطى فِيها أجْرَ المُجاهِدِينَ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﷿ فِيهِمْ: إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، والله غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢: ٢١٨، فَوَضَعَهُمْ اللَّهُ ﷿ مِن ذَلِكَ عَلى أعْظَمِ الرَّجاءِ. والحَدِيثُ فِي هَذا عَنْ الزُّهْرِيِّ ويَزِيدَ بْنِ رُومانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: أنَّ اللَّهَ ﷿ قَسَمَ الفَيْءَ حِينَ أحَلَّهُ، فَجَعَلَ أرْبَعَةَ أخْماسٍ لِمَن أفاءَهُ اللَّهُ، وخُمُسًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَوَقَعَ عَلى ما كانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ العِيرِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.605-604.
(نَدْبُ المُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وحَذَرُ أبِي سُفْيانَ):

قالَ ابْنُ هِشامٍ: ويُقالُ: عَمْرُو بْنُ العاصِ بْنِ وائِلِ بْنِ هاشِمٍ [٣].

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وعاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ ويَزِيدُ بْنُ رُومانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وغَيْرِهِمْ مِن عُلَمائِنا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذا الحَدِيثِ فاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيما سُقْتُ مِن حَدِيثِ بَدْرٍ [٤]، قالُوا: لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأبِي سُفْيانَ مُقْبِلًا مِن الشّامِ، نَدَبَ المُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وقالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيها أمْوالُهُمْ فاخْرُجُوا إلَيْها لَعَلَّ اللَّهَ يُنْفِلُكُمُوها. فانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وذَلِكَ أنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يلقى خربا وكانَ أبُو سُفْيانَ حِينَ دَنا مِن الحِجازِ يُتَحَسَّسُ [١] الأخْبارَ ويَسْألُ مَن لَقِيَ مِن الرُّكْبانِ تَخَوُّفًا عَلى [٢] أمْرِ النّاسِ. حَتّى أصابَ خَبَرًا مِن بَعْضِ الرُّكْبانِ: أنَّ مُحَمَّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أصْحابَهُ لَكَ ولِعِيرِكَ فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الغِفارِيَّ، فَبَعَثَهُ إلى مَكَّة، وأمره أنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلى أمْوالِهِمْ، ويُخْبِرَهُمْ أنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَها [٣] فِي أصْحابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلى مَكَّةَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.607-606.
(اسْتِيثاقُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِن أمْرِ الأنْصارِ): ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أشِيرُوا عَلَيَّ أيُّها النّاسُ. وإنَّما يُرِيدُ الأنْصارَ، وذَلِكَ أنَّهُمْ عَدَدُ النّاسِ، وأنَّهُمْ حِينَ بايَعُوهُ بِالعَقَبَةِ، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنّا بُراءٌ مِن ذِمامِكَ حَتّى تَصِلَ إلى دِيارِنا، فَإذا وصَلْتَ إلَيْنا، فَأنْتَ فِي ذِمَّتِنا نَمْنَعُكَ مِمّا نَمْنَعُ مِنهُ أبْناءَنا ونِساءَنا. فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّفُ ألّا تَكُونَ الأنْصارُ تَرى عَلَيْها نَصْرَهُ إلّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالمَدِينَةِ مِن عَدُوِّهِ، وأنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلى عَدُوٍّ مِن بِلادِهِمْ. فَلَمّا قالَ ذَلِكَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: واَللَّهِ لَكَأنَّكَ تُرِيدُنا يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ أجَلْ، قالَ: فَقَدْ آمَنّا بِكَ وصَدَّقْناكَ، وشَهِدْنا أنَّ ما جِئْتَ بِهِ هُوَ الحَقُّ، وأعْطَيْناكَ عَلى ذَلِكَ عُهُودَنا ومَواثِيقَنا، عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ، فامْضِ يا رَسُولَ اللَّهِ لِما أرَدْتَ فَنحْن مَعَك، فو الّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنا هَذا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْناهُ مَعَكَ، ما تَخَلَّفَ مِنّا رَجُلٌ واحِدٌ، وما نَكْرَهُ أنْ تَلْقى بِنا عَدُوَّنا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقاءِ. لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنّا ما تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنا عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ سَعْدٍ، ونَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قالَ: سِيرُوا وأبْشِرُوا، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ وعَدَنِي إحْدى الطّائِفَتَيْنِ، واَللَّهِ لَكَأنِّي الآنَ أنْظُرُ إلى مَصارِعِ القَوْمِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.615.
فَلَمّا أقْبَلُوا اسْتَقْبَلَهُمْ، فَحَثا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرابَ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وكانُوا قَبْلَ أنْ يَلْقاهُمُ النبي ص قَدْ جاءَهُمْ راكِبٌ مِن أبِي سُفْيانَ والرَّكْبِ الَّذِينَ مَعَهُ: أنِ ارْجِعُوا- والرَّكْبُ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ قُرَيْشًا بِالرَّجْعَةِ بِالجُحْفَةِ- فَقالُوا: واللَّهِ لا نَرْجِعُ حَتّى نَنْزِلَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ بِهِ ثَلاثَ لَيالٍ، ويَرانا مَن غَشِيَنا مِن أهْلِ الحِجازِ، فَإنَّهُ لَنْ يَرانا أحَدٌ مِنَ العَرَبِ وما جَمَعْنا فَيُقاتِلُنا وهُمُ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ ﷿: «الذين خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ بَطَرًا ورِئاءَ النّاسِ»، فالتقوا هم والنبي ص، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وأخْزى أئِمَّةَ الكُفْرِ وشَفى صُدُورَ المُسْلِمِينَ مِنهُمْ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.424.
(ارْتِحالُ قُرَيْشٍ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أصْبَحَتْ، فَأقْبَلَتْ، فَلَمّا رَآها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَوَّبَ مِن العَقَنْقَلِ- وهُوَ الكَثِيبُ الَّذِي جاءُوا مِنهُ إلى الوادِي- قالَ: اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أقْبَلَتْ بِخُيَلائِها [١] وفَخْرِها، تُحادُّكَ [٢] وتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وعَدْتنِي، اللَّهمّ أحِنْهُمْ [٣] الغَداةَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.621.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ ‏"‏ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ ـ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ ـ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ـ قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏ مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ‏".‏
قالَ: وقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ، فَكانَ أوَّلُ قَتِيلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ رُمِيَ حارِثَةُ بْنُ سُراقَةَ، أحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجّارِ وهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الحَوْضِ فَقُتِلَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص إلى النّاسِ فَحَرَّضَهُمْ، ونَفَلَ كُلَّ امْرِئٍ مِنهُمْ ما أصابَ، وقالَ:

[والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يُقاتِلُهُمُ اليَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلا أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ] فَقالَ عُمَيْرُ بْنُ الحَمامِ، أخُو بَنِي سَلَمَةَ وفِي يَدِهِ تَمَراتٌ يَأْكُلُهُنَّ: بَخٍ بَخٍ، فَما بَيْنِي وبَيْنَ أنْ أدْخُلَ الجَنَّةَ إلا أنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلاءِ! ثُمَّ قَذَفَ التَّمَراتِ مِن يَدِهِ، وأخَذَ سَيْفَهُ، فَقاتَلَ القَوْمَ حَتّى قُتِلَ وهُوَ يَقُولُ: رَكْضًا إلى اللَّهِ بِغَيْرِ زادٍ إلا التُّقى وعَمَلَ المَعادِ والصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلى الجِهادِ وكُلُّ زادٍ عُرْضَةُ النَّفادِ غَيْرَ التُّقى والبِرِّ والرَّشادِ.

حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، أنَّ عَوْفَ بْنِ الحارِثِ- وهُو ابْنُ عَفْراءَ- قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، [ما يُضْحِكُ الرَّبَّ مِن عَبْدِهِ؟ قالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي العَدُوِّ حاسِرًا] فَنَزَعَ دِرْعًا كانَتْ عَلَيْهِ، فَقَذَفَها، ثُمَّ أخَذَ سَيْفَهُ فَقاتَلَ القَوْمَ حَتّى قُتِلَ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.449-448.
(رَمْيُ الرَّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالحَصْباءِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ إنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخَذَ حَفْنَةً مِن الحَصْباءِ فاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِها، ثُمَّ قالَ: شاهَتْ الوُجُوهُ، ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِها، وأمَرَ أصْحابَهُ، فَقالَ: شِدُّوا، فَكانَتْ الهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ تَعالى مَن قُتِلَ مِن صَنادِيدِ قُرَيْشٍ، وأسَرَ مَن أسَرَ مِن أشْرافِهِمْ. فَلَمّا وضَعَ القَوْمُ أيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ ورَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي العَرِيشِ، وسَعْدُ بْنُ مُعاذٍ قائِمٌ عَلى بابِ العَرِيشِ، الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ، فِي نَفَرٍ مِن الأنْصارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَخافُونَ عَلَيْهِ كَرَّةَ العَدُوِّ، ورَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- فِيما ذُكِرَ لِي- فِي وجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ الكَراهِيَةَ لِما يَصْنَعُ النّاسَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: واَللَّهِ لَكَأنَّكَ [٣] يا سَعْدُ تَكْرَهُ ما يَصْنَعُ القَوْمَ، قالَ: أجَلْ واَللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ، كانَتْ أوَّلَ وقْعَةٍ أوْقَعَها (اللَّهُ) [٤] بِأهْلِ الشِّرْكِ.

فَكانَ الإثْخانُ فِي القَتْلِ بِأهْلِ الشِّرْكِ أحَبَّ إلَيَّ مِن اسْتِبْقاءِ الرِّجالِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.628.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ عَنْ بَدْرٍ، وَالْخَارِجُونَ، إِلَى بَدْرٍ‏.‏
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ، وَهْوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ‏.‏ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ‏.‏ قَالَ هِشَامٌ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا‏.‏ قَالَ عُرْوَةُ فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ‏.‏
حَتّى إذا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ، مَرَرْتُ بِهِ وهُوَ واقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ، آخِذا بِيَدِهِ، ومَعِي أدْراعٌ قَدِ اسْتَلَبْتُها، فَأنا أحْمِلُها فَلَمّا رَآنِي قالَ: يا عَبْدَ عَمْرٍو! فَلَمْ اجبه، فَقالَ: يا عَبْدَ الإلَهِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ: هَلْ لَكَ فِيَّ، فَأنا خَيْرٌ لَكَ مِن هَذِهِ الأدْراعِ الَّتِي مَعَكَ؟ قالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، هَلُمَّ إذًا قالَ: فَطَرَحْتُ الأدْراعَ مِن يَدِي وأخَذْتُ بِيَدِهِ ويَدِ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وهُوَ يَقُولُ: ما رَأيْتُ كاليَوْمِ قَطُّ! أما لَكُمْ حاجَةٌ فِي اللَّبَنِ! قالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ أمْشِي بِهِما.

حَدَّثَنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الواحِدِ بْنُ أبِي عَوْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْراهِيمَ بن عبد الرحمن ابن عَوْفٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قالَ: قالَ لِي أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وأنا بَيْنَهُ وبَيْنَ ابْنِهِ، آخِذٌ بِأيْدِيهِما: يا عَبْدَ الإلَهِ، مَنِ الرَّجُلُ مِنكُمُ، المُعَلَّمُ بِرِيشَةِ نَعامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قالَ: قُلْتُ: ذاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قالَ: ذاكَ الَّذِي فَعَلَ بنا الأفاعيل! قال عبد الرحمن: فو الله إنِّي لأقُودُهُما إذْ رَآهُ بِلالٌ مَعِي- وكانَ هُوَ الَّذِي يُعَذِّبُ بِلالًا بِمَكَّةَ عَلى أنْ يَتْرُكَ الإسْلامَ فَيُخْرِجُهُ إلى رَمْضاءِ مَكَّةَ إذا حَمِيَتْ، فَيُضْجِعُهُ عَلى ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ العَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلى صَدْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لا تَزالُ هَكَذا حَتّى تُفارِقَ دِينَ مُحَمَّدٍ، فَيَقُولُ بِلالٌ: أحَدٌ أحَدٌ- فَقالَ بِلالٌ حِينَ رَآهُ: راس الكفر اميه ابن خَلَفٍ، لا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ، قالَ: قُلْتُ: اى بلال، اسيرى! قالَ: لا نَجَوْتُ إنْ نَجَوا قالَ: قُلْتُ: تسمع يا بن السَّوْداءِ! قالَ: لا نَجَوْتُ إنْ نَجَوا، ثُمَّ صَرَخَ بِأعْلى صَوْتِهِ: يا أنْصارَ اللَّهِ، رَأْسُ الكفر اميه ابن خَلَفٍ، لا نَجَوْتُ إنْ نَجا! قالَ: فَأحاطُوا بِنا، ثُمَّ جَعَلُونا فِي مِثْلِ المَسَكَةِ وأنا أذُبُّ عَنْهُ، قالَ: فَضَرَبَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَوَقَعَ قالَ: وصاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً ما سَمِعْتُ بِمِثْلِها قَطُّ قالَ: قُلْتُ: انْجُ بِنَفْسِكَ، ولا نجاء، فو الله ما أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا قالَ: فَهَبَرُوهُما بِأسْيافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنهُما.

قالَ: فَكانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ بِلالًا! ذَهَبَتْ أدْراعِي وفَجَعَنِي بِأسِيرِيَّ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.453-451.
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ‏.‏ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا‏.‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ ‏"‏ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا ‏"‏‏.‏ بَعْدَ مَا يَقُولُ ‏"‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ‏"‏‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ‏}‏
(شُهُودُ المَلائِكَةِ وقْعَةَ بَدْرٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ أنَّهُ حُدِّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِن بَنِي غِفارٍ، قالَ: أقْبَلْتُ أنا وابْنُ عَمٍّ لِي حَتّى أصْعَدْنا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنا عَلى بَدْرٍ، ونَحْنُ مُشْرِكانِ، نَنْتَظِرُ الوَقْعَةَ عَلى مَن تَكُونُ الدَّبْرَةُ [١]، فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَن يَنْتَهِبُ. قالَ: فَبَيْنا نَحْنُ فِي الجَبَلِ، إذْ دَنَتْ مِنّا سَحابَةٌ، فَسَمِعْنا فِيها حَمْحَمَةَ الخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قائِلًا يَقُولُ: أقَدِمَ حَيْزُومُ [٢]، فَأمّا ابْنُ عَمِّي فانْكَشَفَ قِناعُ قَلْبِهِ، فَماتَ مَكانَهُ، وأمّا أنا فَكِدْتُ أهْلَكَ، ثُمَّ تَماسَكْتُ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي ساعِدَةَ عَنْ أبِي أُسَيْدٍ مالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وكانَ شَهِدَ بَدْرًا، قالَ، بَعْدَ أنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ اليَوْمَ بِبَدْرِ ومَعِي بَصَرِي لَأرَيْتُكُمْ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنهُ المَلائِكَةُ، لا أشُكُّ فِيهِ ولا أتَمارى. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي أبِي إسْحاقُ بْنُ يَسارٍ، عَنْ رِجالٍ مِن بَنِي مازِنِ بْنِ النَّجّارِ، عَنْ أبِي داوُدَ [٣] المازِنِيِّ، وكانَ شَهِدَ بَدْرًا، قالَ: إنِّي لَأتَّبِعُ رَجُلًا مِن المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأضْرِبَهُ، إذْ وقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي مَن لا أتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَتْ سِيما المَلائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمائِمَ بِيضًا قَدْ أرْسَلُوها عَلى ظُهُورِهِمْ، ويَوْمَ حُنَيْنٍ عَمائِمَ حُمْرًا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.633.
حَدَّثَنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، قالَ:

وحدثني الحَسَنُ بْنُ عُمارَةَ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَتْ سِيماءُ المَلائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمائِمَ بِيضًا قَدْ أرْسَلُوها فِي ظُهُورِهِمْ، ويَوْمَ حُنَيْنٍ عَمائِمَ حُمْرًا، ولَمْ تُقاتِلِ المَلائِكَةُ فِي يَوْمٍ مِنَ الأيّامِ سِوى يَوْمِ بَدْرٍ وكانُوا يَكُونُونَ فِيما سِواهُ مِنَ الأيّامِ عَدَدًا ومَدَدًا لا يَضْرِبُونَ. حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، قالَ: قالَ مُحَمَّدٌ: وحدثني ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَوْلى بَنِي الدِّيلِ، عَنْ عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قالَ: وحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرِ، قالا: كانَ مُعاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ أخُو بَنِي سَلَمَةَ يَقُولُ: لَمّا فَرَغَ رَسُولُ الله ص مِن عَدُوِّهِ، أمَرَ بِأبِي جَهْلٍ أنْ يَلْتَمِسَ فِي القَتْلى، وقالَ: اللَّهُمَّ لا يَعْجِزَنَّكَ، قالَ: فَكانَ أوَّلَ مَن لَقِيَ أبا جَهْلٍ مُعاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، قالَ: سَمِعْتُ القَوْمَ وأبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الحَرَجَةِ وهُمْ يَقُولُونَ: أبُو الحَكَمِ لا يخلصُ إلَيْهِ فَلَمّا سَمِعْتُها جَعَلْتُهُ مِن شَأْنِي، فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ، فَلَمّا أمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أطَنَّتْ قَدَمُهُ بِنِصْفِ ساقه، فو الله ما شَبَّهْتُها حِينَ طاحَتْ إلّا النَّواةُ تَطِيحُ مِن تَحْتِ مِرْضَخَةِ النَّوى حِينَ يُضْرَبُ بِها قالَ: وضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرَمَةُ عَلى عاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي، فَتَعَلَّقَتْ بِجِلْدَةٍ مِن جَنْبِي، وأجْهَضَنِي القِتالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قاتَلْتُ عامَّةَ يَوْمِي، وإنِّي لأسْحَبُها خَلْفِي، فَلَمّا آذَتْنِي جَعَلْتُ عَلَيْها رِجْلِي، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِها، حَتّى طَرَحْتُها.

قالَ: ثُمَّ عاشَ مُعاذٌ بَعْدَ ذَلِكَ، حَتّى كانَ فِي زَمَنِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.455-454.
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضى الله عنه أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ
ثُمَّ مَرَّ بِأبِي جَهْلٍ وهُوَ عَقِيرٌ، مُعَوِّذُ بْنُ عَفْراءَ، فَضَرَبَهُ حَتّى أثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وبِهِ رَمَقٌ. وقاتَلَ مُعَوِّذٌ [٥] حَتّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأبِي جَهْلٍ، حِينَ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُلْتَمَسَ فِي القَتْلى، وقَدْ قالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- فِيما بَلَغَنِي- اُنْظُرُوا، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي القَتْلى، إلى أثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإنِّي ازْدَحَمْتُ يَوْمًا أنا وهُوَ عَلى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعانَ، ونَحْنُ غُلامانِ، وكُنْتُ أشَفَّ مِنهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلى رُكْبَتَيْهِ، فَجُحِشَ [٦] فِي إحْداهُما جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أثَرُهُ بِهِ. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلى عُنُقِهِ- قالَ: وقَدْ كانَ ضَبَثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ، فَآذانِي ولَكَزَنِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أخْزاكَ اللَّهُ يا عَدُوَّ الله؟ قالَ: وبِماذا أخْزانِي، أعْمَدُ مِن رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ [١]، أخْبِرْنِي لِمَن الدّائِرَةُ اليَوْمَ؟ قالَ: قُلْتُ: للَّه ولِرَسُولِهِ.

قالَ ابْنُ هِشامٍ: ضَبَثَ: قَبَضَ عَلَيْهِ ولَزِمَهُ. قالَ ضابِئُ بْنُ الحارِثِ البُرْجُمِيُّ [٢] فَأصْبَحْتُ مِمّا كانَ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ … مِن الوُدِّ مِثْلَ الضّابِثِ الماءَ بِاليَدِ قالَ ابْنُ هِشامٍ: ويُقالُ: أعارٌ عَلى رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أخْبِرْنِي لِمَن الدّائِرَةُ [٣] اليَوْمَ؟ قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وزَعَمَ رِجالٌ مِن بَنِي مَخْزُومٍ، أنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كانَ يَقُولُ: قالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يا رُوَيْعِي الغَنَمِ قالَ: ثمَّ احتززت رَأْسَهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أبِي جَهْلٍ، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: آللَّه [٤] الَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ- قالَ: وكانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- قالَ: قُلْتُ نَعَمْ، واَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ، ثُمَّ ألْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وحَدَّثَنِي أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ مِن أهْلِ العِلْمِ بِالمَغازِي: أنَّ عُمَرَ ابْن الخَطّابِ قالَ لِسَعِيدِ بْنِ العاصِ، ومَرَّ بِهِ: إنِّي أراكَ كَأنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا، أراكَ تَظُنُّ أنِّي قَتَلْتُ أباكَ، إنِّي لَوْ قَتَلْتُهُ لَمْ أعْتَذِرْ إلَيْكَ مِن قَتْلِهِ، ولَكِنِّي قَتَلْتُ خالِي العاصِ بْنَ هِشامِ بْنِ المُغِيرَةِ، فَأمّا أبُوكَ فَإنِّي مَرَرْتُ (بِهِ) [١] وهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثَّوْرِ بِرَوْقِهِ [٢] فَحُدْتُ [٣] عَنْهُ، وقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ. (قِصَّةُ سَيْفِ عُكّاشَةَ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقاتَلَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثانَ الأسَدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأعْطاهُ جِذْلًا [٤] مِن حَطَبٍ، فَقالَ: قاتِلْ بِهَذا يا عُكّاشَةُ فَلَمّا أخَذَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَزَّهُ، فَعادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ القامَةِ، شَدِيدَ المَتْنِ، أبْيَضَ الحَدِيدَةِ، فَقاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللَّهُ تَعالى عَلى المُسْلِمِينَ، وكانَ ذَلِكَ السَّيْفُ يُسَمّى: العَوْنَ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ المَشاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى قُتِلَ فِي الرَّدَّةِ، وهُوَ عِنْدَهُ، قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الأسَدِيُّ
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.637-635.
ثُمَّ أقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- حَتّى إذا خَرَجَ مِن مَضِيقِ الصَّفْراءِ نَزَلَ عَلى كَثِيبٍ بَيْنَ المَضِيقِ وبَيْنَ النّازِيَةِ- يُقالُ لَهُ: سَيْرٌ- إلى سَرْحَةٍ بِهِ.

فَقَسَمَ هُنالِكَ النَّفَلَ الَّذِي أفاءَ اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِن المُشْرِكِينَ عَلى السَّواءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتّى إذا كانَ بِالرَّوْحاءِ لَقِيَهُ المُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ومَن مَعَهُ مِن المُسْلِمِينَ، فَقالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ- كَما حَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، ويَزِيدُ بْنُ رُومانَ-: ما الَّذِي تهنئوننا بِهِ؟ فو الله إنْ لَقِينا إلّا عَجائِزَ صُلْعًا كالبُدْنِ المُعَقَّلَةِ، فَنَحَرْناها، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قالَ: أيْ ابْنَ أخِي، أُولَئِكَ المَلَأُ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: المَلَأُ: الأشْرافُ والرُّؤَساءُ. (مَقْتَلُ النَّضْرِ وعُقْبَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَتّى إذا كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفْراءِ قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، كَما أخْبَرَنِي بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِن أهْلِ مَكَّةَ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتّى إذا كانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: عِرْقُ الظَّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحاقَ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: واَلَّذِي أسَرَ عُقْبَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ [١] أحَدُ بَنِي العَجْلانِ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ عُقْبَةُ حِينَ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.644-643.
الحُجْرَةِ، فَكانَ ظَهْرُهُ إلى ظَهْرِي، فَبَيْنَما هُوَ جالِسٌ إذْ قالَ النّاسُ: هَذا أبُو سُفْيانَ ابْنُ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: واسْمُ أبِي سُفْيانَ المُغِيرَةُ- قَدْ قَدِمَ قالَ: فَقالَ أبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إلَيَّ، فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الخَبَرُ، قالَ: فَجَلَسَ (إلَيْهِ) [٢] والنّاسُ قِيامٌ عَلَيْهِ، فَقالَ: يا بن أخِي، أخْبِرْنِي كَيْفَ كانَ أمْرُ النّاسِ؟ قالَ: واَللَّهِ ما هُوَ إلّا أنْ لَقِينا القَوْمَ فَمَنَحْناهُمْ أكْتافَنا يَقُودُونَنا كَيْفَ شاءُوا، ويَأْسِرُونَنا كَيْفَ شاءُوا، واَيْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ ما لُمْتُ النّاسَ، لَقِينا رِجالًا بِيضًا، عَلى خَيْلٍ بَلْقٍ، بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، واَللَّهِ ما تُلِيقُ [٣] شَيْئًا، ولا يَقُومُ لَها شَيْءٌ. قالَ أبُو رافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الحُجْرَةِ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ واَللَّهِ المَلائِكَةُ
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.647.
(نُواحُ قُرَيْشٍ عَلى قَتْلاهُمْ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبِيهِ عَبّادٍ، قالَ: ناحَتْ قُرَيْشٌ عَلى قَتْلاهُمْ، ثُمَّ قالُوا: لا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمَّدًا وأصْحابه، فيشتموا بِكُمْ، ولا تَبْعَثُوا فِي أسْراكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا [١] بِهِمْ لا يَأْرَبُ [٢] عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ فِي الفِداءِ. قالَ: وكانَ الأسْوَدُ بْنُ المُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِن ولَدِهِ، زَمَعَةُ بْنُ الأسْوَدِ، وعَقِيلُ بْنُ الأسْوَدِ، والحارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، وكانَ يُحِبُّ أنْ يَبْكِيَ عَلى بَنِيهِ، فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نائِحَةً مِن اللَّيْلِ، فَقالَ لِغُلامِ لَهُ: وقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ، هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلى قَتْلاها؟

لَعَلِّي أبْكِي عَلى أبِي حَكِيمَةَ، يَعْنِي زَمَعَةَ، فَإنَّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ. قالَ: فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الغُلامُ قالَ: إنّما هِيَ امْرَأةٌ تَبْكِي عَلى بَعِيرٍ لَها أضَلَّتْهُ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.648-647.
(شِعْرٌ لِأبِي خَيْثَمَةَ فِيما حَدَثَ لِزَيْنَبَ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ، أوْ أبُو خَيْثَمَةَ، أخُو بَنِي سالِمِ ابْنِ عَوْفٍ، فِي الَّذِي كانَ مِن أمْرِ زَيْنَبَ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: هِيَ لِأبِي خَيْثَمَةَ-: أتانِي الَّذِي لا يَقْدُرُ النّاسُ قَدْرَهُ … لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِن عُقُوقٍ ومَأْثَمِ وإخْراجُها لَمْ يُخْزَ فِيها مُحَمَّدٌ … عَلى مَأْقِطٍ وبَيْنَنا عِطْرُ مَنشَمِ [٢] وأمْسى أبُو سُفْيانَ مِن حِلْفِ ضَمْضَمٍ … ومِن حَرْبِنا فِي رَغْمِ أنْفٍ ومَندَمٍ قَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا ومَوْلى يَمِينِهِ … بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصَّلاصِلِ مُحْكَمِ [٣] فَأقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ مِنّا كَتائِبُ … سُراةُ خَمِيسٍ فِي [٤] لُهامٍ مُسَوَّمِ [٥] نَزُوعُ قُرَيْشَ الكُفْرَ حَتّى نَعُلَّها [١] … بِخاطِمَةٍ فَوْقَ الأُنُوفِ بِمِيسَمِ [٢] نُنَزِّلُهُمْ أكْنافَ نَجْدٍ ونَخْلَةٍ … وإنْ يُتْهِمُوا بِالخَيْلِ والرَّجْلِ نُتْهِمُ [٣] يَدَ الدَّهْرِ حَتّى لا يُعَوَّجَ سِرْبُنا [٤] … ونُلْحِقُهُمْ آثارَ عادٍ وجُرْهُمِ [٥] ويَنْدَمَ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمَّدًا … عَلى أمْرِهِمْ وأيُّ حِينٍ تَنَدُّمُ فَأبْلِغْ أبا سُفْيانَ إمّا لَقِيتُهُ … لَئِنْ أنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وتُسْلِمْ فَأبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الحَياةِ مُعَجَّلِ … وسِرْبالِ قارٍ خالِدًا فِي جَهَنَّمَ [٦]

قالَ ابْنُ هِشامٍ: ويُرْوى: وسِرْبالِ نارٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.656-655.
ما قِيلَ مِن الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وكانَ مِمّا قِيلَ مِن الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وتَرادَّ بَهْ القَوْمُ بَيْنَهُمْ لِما كانَ فِيهِ، قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ: - قالَ ابْنُ هِشامٍ: وأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُها ونَقِيضَتَها-: ألَمْ تَرَ أمْرًا كانَ مِن عَجْبِ الدَّهْرِ … ولِلْحَيْنِ أسِبابٌ مُبَيَّنَةُ الأمْرِ [٢] وما ذاكَ إلّا أنَّ قَوْمًا أفادَهُمْ … فَحانُوا تَواصٍ بِالعُقُوقِ وبِالكُفْرِ [١] عَشِيَّةَ راحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ … فَكانُوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِن بَدْرِ [٢] وكُنّا طَلَبْنا العِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَها … فَسارُوا إلَيْنا فالتقنا عَلى قَدْرِ فَلَمّا التَقَيْنا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ … لَنا غَيْرَ طَعْنٍ بِالمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ [٣] وضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الهامَ حَدُّها … مُشْهِرَةُ الألْوانِ بَيِّنَةُ الأُثُرِ [٤] ونَحْنُ تَرَكْنا عُتْبَةَ الغَيَّ ثاوِيًا … وشَيْبَةَ فِي القَتْلى تَجْرَجَمُ فِي الجَفْرِ [٥] وعَمْرٌو ثَوى فِيمَن ثَوى مِن حُماتِهِمْ … فَشُقَّتْ جُيُوبُ النّائِحاتِ عَلى عَمْرِو جُيُوبُ نِساءٍ مِن لُؤَيِّ بْنِ غالِبٍ … كِرامٍ تَفَرَّعْنَ الذَّوائِبَ مِن فِهْرِ [٦] أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلالِهِمْ … وخَلَّوْا لِواءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرُ لِواءُ ضَلالٍ قادَ إبْلِيسُ أهْلَهُ … فَخاسَ بِهِمْ، إنّ الخَبِيثَ إلى غَدْرِ [٧] وقالَ لَهُمْ، إذْ عايَنَ الأمْرَ واضِحًا … بَرِئْتُ إلَيْكُمْ ما بِي اليَوْمَ مِن صَبْرِ فَإنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ وإنَّنِي … أخافُ عِقابَ اللَّهِ واَللَّهُ ذُو قَسْرِ [٨] فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرَّطُوا … وكانَ بِما لَمْ يَخْبُرْ القَوْمُ ذا خُبْرِ [٩] فَكانُوا غَداةَ البِئْرِ ألْفًا وجَمْعُنا … ثَلاثُ مِئِينٍ كالمُسْدَمَةِ الزُّهْرِ [١٠] وفِينا جُنُودُ اللَّهِ حَيْنَ يُمِدُّنا … بِهِمْ فِي مَقامٍ ثُمَّ مُسْتَوْضَحِ الذِّكْرِ [١١]

فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوائِنا … لَدى مَأْزِقٍ فِيهِ مَناياهُمْ تَجْرِي [١١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.9-8.
الَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ:

قالَ ابْنُ هِشامٍ: ولَمْ أرَ أحَدًا مِن أهْلِ العِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُها ولا نَقِيضَتَها، وإنَّما كَتَبْناهُما لِأنَّهُ يُقالُ: إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ولَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحاقَ فِي القَتْلى، وذَكَرَهُ فِي هَذا الشِّعْرِ: ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أبْلى رَسُولَهُ … بَلاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدارِ وذِي فَضْلٍ [٣] بِما أنْزَلَ الكُفّارَ دارَ مَذَلَّةٍ … فَلاقَوْا هَوانا مِن إسارٍ ومِن قَتْلِ فَأمْسى رَسُولُ اللَّهِ قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ … وكانَ رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ بِالعَدْلِ فَجاءَ بِفُرْقانٍ مِن اللَّهِ مُنْزَلٍ … مُبَيَّنَةٍ آياتُهُ لِذَوِي العَقْلِ فَآمَنَ أقْوامٌ بِذاكَ وأيْقَنُوا … فَأمْسَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ وأنْكَرَ أقْوامٌ فَزاغَتْ قُلُوبُهُمْ … فَزادَهُمْ ذُو العَرْشِ خَبْلًا عَلى خَبْلُ. [٤] وأمْكَنَ مِنهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ … وقَوْمًا غِضابًا فِعْلُهُمْ أحْسَنُ الفِعْلِ بِأيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفافٌ عَصَوْا بِها … وقَدْ حادَثُوها بِالجِلاءِ وبِالصَّقْلِ [٥] فَكَمْ تَرَكُوا مِن ناشِئٍ ذِي حَمِيَّةٍ … صَرِيعًا ومِن ذِي نَجْدَةٍ مِنهُمْ كَهْلِ تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحاتِ عَلَيْهِمْ … تَجُودُ بِأسْبالِ الرَّشاشِ وبِالوَبْلِ [١] نَوائِحَ تَنْعى عُتْبَةَ الغَيَّ وابْنَهُ … وشَيْبَةَ تَنْعاهُ وتَنْعى أبا جَهْلٍ وذا الرَّجُلِ تَنْعى وابْنَ جُدْعانَ فِيهِمْ … مُسَلِّبَةً حَرّى مُبَيَّنَةَ الثُّكْلِ [٢] ثَوى [٣] مِنهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصابَةٌ … ذَوِي نَجَداتٍ فِي الحُرُوبِ وفِي المَحْلِ دَعا الغَيُّ مِنهُمْ مَن دَعا فَأجابَهُ … ولِلْغَيِّ أسِبابٌ مُرَمَّقَةُ الوَصْلِ [٤] فَأضْحَوْا لَدى دارِ الجَحِيمِ بِمَعْزِلٍ … عَنْ الشَّغْبِ والعُدْوانِ فِي أشْغَلْ الشُّغْلِ [٥] فَأجابَهُ الحارِثُ بْنُ هِشامِ بْنِ المُغِيرَةِ، فَقالَ: عَجِبْتُ لِأقْوامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ … بِأمْرٍ سَفاهٍ ذِي اعْتِراضٍ وذِي بُطْلٍ تَغَنّى بِقَتْلى يَوْمَ بَدْرٍ تَتابَعُوا … كِرامِ المَساعِي مِن غُلامٍ ومِن كَهْلٍ مَصالِيتَ [٦] بِيضٍ مِن لُؤَيِّ بْنِ غالِبٍ [٧] … مَطاعِينَ فِي الهَيْجا مَطاعِيمَ فِي المَحْلِ [٨] أُصِيبُوا كِرامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً … بِقَوْمِ سِواهُمْ نازِحِي الدّارِ والأصْلِ كَما أصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطانَةً [٩] … لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فِيا لَكَ مِن فِعْلِ عُقُوقًا وإثْمًا بَيِّنًا وقَطِيعَةً … يَرى جوركم فِيها ذُو والرأى والعَقْلِ فَإنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ … وخَيْرُ المَنايا ما يَكُونُ مِن القَتْلِ فَلا تَفْرَحُوا أنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ … لَكُمْ كائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلى خَبْلِ

فَإنَّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ … شَتِيتًا [١٠]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.12-11.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ـ رضى الله عنهما ـ يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ ـ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً ـ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ ‏"‏ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ، فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ‏"‏ فَهَزَمُوهُمْ‏.‏ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ ـ أَىْ قَوْمِ ـ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ‏.‏ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا‏.‏ فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ‏.‏ قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ‏.‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ ‏"‏‏.‏ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ قَالَ ‏"‏ قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ ‏"‏‏.‏ قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ ‏"‏‏.‏ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ قَالَ ‏"‏ قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً - وَفِي حَدِيثِ رَوْحٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً - مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَأُلْقُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ ‏.‏ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ‏.‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ أَخْبَرَهُ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ فَقَالَ ‏"‏ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ‏"‏‏.‏ فَقِيلَ لَهُ تَدْعُو أَمْوَاتًا فَقَالَ ‏"‏ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لاَ يُجِيبُونَ ‏"‏‏.‏
فَأجابَهُ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ، أخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقالَ:

عَجِبْتُ لِأمْرِ اللَّهِ واَللَّهُ قادِرٌ … عَلى ما أرادَ، لَيْسَ للَّه قاهِرُ قَضى يَوْمَ بَدْرٍ أنْ نُلاقِيَ مَعْشَرًا … بَغَوْا وسَبِيلُ البَغْي بِالنّاسِ جائِرُ وقَدْ حَشَدُوا واسْتَنْفَرُوا مِن يَلِيهِمْ … مِن النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكاثَرُ وسارَتْ إلَيْنا لا تُحاوِلُ غَيْرَنا … بِأجْمَعِها كَعْبٌ جَمِيعًا وعامِرُ وفِينا رَسُولُ اللَّهِ والأوْسُ حَوْلَهُ … لَهُ مَعْقِلٌ مِنهُمْ عَزِيزٌ وناصِرُ [٧] وجَمْعُ بَنِي النَّجّارِ تَحْتَ لِوائِهِ … يُمَشَّوْنَ [٨] فِي الماذِيَّ والنَّقْعُ ثائِرُ [٩] فَلَمّا لَقِيناهُمْ وكُلٌّ مُجاهِدٌ … لِأصْحابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صابِرُ شَهِدْنا بِأنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيْرُهُ … وأنَّ رَسُولَ اللَّهِ بِالحَقِّ ظاهِرُ وقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خِفافٌ كَأنَّها … مَقابِيسُ يُزْهِيها [١] لِعَيْنَيْكَ شاهِرُ بِهِنَّ أبَدْنا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدُوا … وكانَ يُلاقِي الحَيْنَ مَن هُوَ فاجِرُ [٢] فَكُبَّ أبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ … وعُتْبَةُ قَدْ غادَرْنَهُ وهُوَ عاثِرُ [٣] وشَيْبَةُ والتَّيْمِيُّ غادَرْنَ فِي الوَغى … وما مِنهُمْ [٤] إلّا بِذِي العَرْشِ كافِرُ فَأمْسَوْا وقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرِّها … وكُلُّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنَّمَ صائِرُ تَلَظّى عَلَيْهِمْ وهِيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُها … بِزُبَرِ الحَدِيدِ والحِجارَةِ ساجِرُ [٥] وكانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ قالَ أقْبِلُوا … فَوَلَّوْا وقالُوا: إنَّما أنْتَ ساحِرُ

لِأمْرِ أرادَ اللهُ أنْ يَهْلَكُوا بِهِ … ولَيْسَ لِأمْرٍ حَمَّهُ اللهُ زاجِرُ [٦]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.15-14.
قالَ ابْنُ هِشامٍ: بَيْتُهُ: «

مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ » عَنْ أبِي زَيْدٍ الأنْصارِيِّ قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ أيْضًا: خابَتْ [١] بَنُو أسَدٍ وآبَ غُزِيِّهُمْ … يَوْم القليب بسوأة وفُضُوحِ [٢] مِنهُمْ أبُو العاصِي تَجَدَّلَ مُقْعَصًا … عَنْ ظَهْرِ صادِقَةِ النَّجاءِ سَبُوحِ [٣] حَيْنًا لَهُ مِن مانِعٍ بِسِلاحِهِ … لَمّا ثَوى بِمَقامِهِ المَذْبُوحِ والمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ ونَحْرُهُ … يَدْمى بِعانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ [٤] مُتَوَسِّدًا حُرَّ الجَبِينِ مُعَفَّرًا … قَدْ عُرَّ مارِنُ أنْفِهِ بِقُبُوحِ [٥] ونَجا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيَّةَ رَهْطِهِ … بِشَفا الرِّماقِ مُوَلِّيًا بِجُرُوحِ [٦] وقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ أيْضًا: ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أتى أهْلَ مَكَّةَ … إبارَتُنا الكُفّارَ فِي ساعَةِ العُسْرِ [٧] قَتَلْنا سَراةَ القَوْمِ عِنْدَ مَجالِنا … فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقاصِمَةِ الظَّهْرِ [٨] قَتَلْنا أبا جَهْلٍ وعُتْبَةَ قَبْلَهُ … وشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ ولِلنَّحْرِ [٩] قَتَلْنا سُوَيْدًا ثُمَّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ … وطُعْمَةَ أيْضًا عِنْدَ [١٠] ثائِرَةِ القَتْرِ [١١] فَكَمْ قَدْ قَتَلْنا مِن كَرِيمٍ مُرَزَّإٍ … لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نابَهُ الذِّكْرُ تَرَكْناهُمْ لِلْعاوِياتِ يَنُبْنَهُمْ … ويَصْلَوْنَ نارًا بَعْدُ حامِيَةَ القَعْرِ [١٢]

لَعَمْرُكَ ما حامَتْ فَوارِسُ مالِكٍ … وأشْياعُهُمْ يَوْمَ التَقَيْنا عَلى بَدْرٍ [١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.22-20.
وقَوْلُهُ: -

مُدَلٍّ عَنْبَسٌ فِي الغَيْلِ مُجْرِي - عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحاقَ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ أبُو أسامَّةَ أيْضًا: ألا مِن مُبَلَّغٌ عَنِّي رَسُولًا … مُغَلْغَلَةً يُثَبِّتُها لَطِيفُ [١] ألَمْ تَعْلَمْ مَرَدِّي يَوْمَ بَدْرٍ … وقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْكَ الكُفُوفُ [٢] وقَدْ تُرِكَتْ سَراةُ القَوْمِ صَرْعى … كَأنَّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ [٣] وقَدْ مالَتْ عَلَيْكَ بِبَطْنِ بَدْرٍ … خِلافَ القَوْمِ داهِيَةٌ خَصِيفُ [٤] فَنَجّاهُ مِن الغَمَراتِ عَزْمِي … وعَوْنُ اللَّهِ والأمْرُ الحَصِيفُ ومُنْقَلَبِي مِن الأبْواءِ وحْدِي … ودُونَكَ جَمْعُ أعْداءٍ وُقُوفُ [٥] وأنْتَ لِمَن أرادَكَ مُسْتَكِينٌ … بِجَنْبِ كُراشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ [٦] وكُنْتُ إذا دَعانِي يَوْمَ كَرْبٍ … مِن الأصْحابِ داعٍ مُسْتَضِيفُ [٧] فَأسْمَعَنِي ولَوْ أحْبَبْتُ نَفْسِي … أخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أوْ حَلِيفُ أرُدُّ فَأكْشِفُ الغُمّى وأرْمِي … إذا كَلَحَ المَشافِرُ والأُنُوفُ [٨] وقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلى يَدَيْهِ … يَنُوءُ كَأنَّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ [٩] دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرّى … مُسْحْسَحَةٍ لِعانِدِها حَفِيفُ [١٠] فَذَلِكَ كانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ … وقَبْلُ أخُو مُداراةَ عَزُوفُ [١] أخُوكُمْ فِي السِّنِينَ كَما عَلِمْتُمْ … وحَرْبٍ لا يَزالُ لَها صَرِيفُ [٢] ومِقْدامٌ لَكُمْ لا يَزْدَهِينِي … جَنانُ اللَّيْلِ والأنَسُ اللَّفِيفُ [٣] أخُوضُ الصَّرَّةَ [٤] الجَمّاءَ [٥] خَوْضًا … إذا ما الكَلْبُ ألْجَأهُ الشَّفِيفُ [٦]

قالَ ابْنُ هِشامٍ: تَرَكْتُ قَصِيدَةً لِأبِي أُسامَةَ عَلى اللّامِّ، لَيْسَ فِيها ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أوَّلِ بَيْتٍ مِنها والثّانِي، كَراهِيَةَ الإكْثارِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.38-36.
قالَ: فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ ص ما قالَ أبُو بَكْرٍ، ولَمْ يَهْوَ ما قُلْتُ أنا، فَأخَذَ مِنهُمُ الفِداءَ، فَلَمّا كانَ الغد قال عمر: غدوت الى النبي ص وهُوَ قاعِدٌ وأبُو بَكْرٍ، وإذا هُما يَبْكِيانِ، قالَ:

قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي ماذا يُبْكِيكَ أنْتَ وصاحِبُكَ؟ فَإنْ وجَدْتُ بُكاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أجِدْ تَباكَيْتُ لِبُكائِكُما فَقالَ رَسُولُ الله ص: لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أصْحابُكَ مِنَ الفِداءِ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذابُكُمْ أدْنى مِن هَذِهِ الشَّجَرَةِ- لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ- وأنْزَلَ اللَّهُ ﷿: «ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ» إلى قَوْلِهِ: «فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»، ثُمَّ أحَلَّ لَهُمُ الغَنائِمَ. فَلَمّا كانَ مِنَ العامِ القابِلِ فِي أُحُدٍ عُوقِبُوا بِما صَنَعُوا، قتل من اصحاب رسول الله ص سَبْعُونَ، وأُسِرَ سَبْعُونَ، وكُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ وهُشِّمَتِ البَيْضَةُ عَلى رَأْسِهِ، وسالَ الدَّمُ عَلى وجْهِهِ، وفَرَّ اصحاب النبي ص، وصَعَدُوا الجَبَلَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﷿ هَذِهِ الآيَةَ: «أوَلَمّا أصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذا» إلى قَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الأُخْرى:

«إذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ» الى قوله: «مِن بَعْدِ الغَمِّ أمَنَةً»
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.475.
قالَ أبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ أقامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالمَدِينَةِ، مُنْصَرفَهُ مِن بَدْرٍ، وكانَ قَدْ وادَعَ حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ يَهُودَها، عَلى أنْ لا يُعِينُوا عَلَيْهِ أحَدًا، وإنَّهُ إنْ دَهَمَهُ بِها عدو نصروه فلما قتل رسول الله ص مَن قَتَلَ بِبَدْرٍ مِن مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، أظْهَرُوا لَهُ الحَسَدَ والبَغْيَ، وقالُوا: لَمْ يَلْقَ مُحَمَّدُ مَن يُحْسِنُ القِتالَ، ولَوْ لَقِيَنا لاقى عِنْدَنا قِتالا لا يُشْبِهُهُ قِتالُ أحَدٍ، وأظْهَرُوا نَقْضَ العَهْدِ.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.288.
غزوة القردة

قال الواقدي: وفي جمادى الآخرة من هذه السنة، كانت غزوة القردة وكان أميرهم- فيما ذكر- زيد بن حارثة، قال: وهي أول سرية خرج فيها زيد بن حارثة أميرا. قال أبو جعفر: وكان من أمرها ما حَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن ابن إسحاق، قالَ: سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ الَّتِي بَعَثَهُ رسول الله ص فِيها حِينَ أصابَ عِيرَ قُرَيْشٍ، فِيها أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، عَلى القردة، ماءٍ مِن مِياهِ نَجْدٍ قالَ: وكانَ مِن حَدِيثِها أنَّ قُرَيْشًا قَدْ كانَتْ خافَتْ طَرِيقَها الَّتِي كانَتْ تَسْلُكُ إلى الشّامِ حِينَ كانَ مِن وقْعَةِ بَدْرٍ ما كانَ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ العِراقِ، فَخَرَجَ مِنهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ ومَعَهُ فِضَّةٌ كَثِيرَةٌ، وهِيَ عِظَمُ تِجارَتِهِمْ، واسْتَأْجَرُوا رَجُلا مِن بَكْرِ بْنِ وائِلٍ يُقالُ لَهُ فُراتُ بْنُ حَيّانَ، يَدُلُّهُمْ عَلى ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وبعث رسول الله ص زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ، فَلَقِيَهُمْ عَلى ذَلِكَ الماءِ، فَأصابَ تِلْكَ العِيرَ وما فِيها، وأعْجَزَهُ الرِّجالُ، فقدم بها على رسول الله ص قالَ أبُو جَعْفَرٍ: وأمّا الواقِدِيُّ، فَزَعَمَ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الغَزْوَةِ كانَ أنَّ قُرَيْشًا قالَتْ: قَدْ عَوَّرَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ مُتْجَرَنا وهُوَ عَلى طَرِيقِنا وقالَ أبُو سُفْيانَ وصَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ: إنْ أقَمْنا بِمَكَّةَ أكَلْنا رُءُوسَ أمْوالِنا قالَ أبُو زَمْعَةَ بْنُ الأسْوَدِ:

فَأنا أدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يَسْلُكُ بِكُمُ النَّجْدِيَّةَ، لَوْ سَلَكَها مُغْمَضَ العَيْنَيْنِ لاهَتْدى قالَ صَفْوانُ: مَن هُوَ؟ فَحاجَتُنا إلى الماءِ قَلِيلٌ، إنَّما نَحْنَ شاتُونَ قالَ: فُراتُ بْنُ حَيّانَ، فَدَعَواهُ فاسْتَأجْراهُ، فَخَرَجَ بِهِمْ فِي الشِّتاءِ، فَسَلَكَ بِهِمْ عَلى ذاتِ عِرْقٍ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ عَلى غمره، وانتهى الى النبي ص خَبَرُ العِيرِ وفِيها مالٌ كَثِيرٌ، وآنِيَةٌ مِن فِضَّةٍ حَمَلَها صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ، فاعْتَرَضَها، فَظَفَرَ بِالعِيرِ، وأفْلَتَ أعْيانُ القَوْمِ، فَكانَ الخُمْسُ عِشْرِينَ ألْفًا، فَأخَذَهُ رَسُولُ الله ص، وقَسَّمَ الأرْبَعَةَ الأخْماسِ عَلى السَّرِيَّةِ، وأتى بِفُراتِ بْنِ حَيّانَ العِجْلِيِّ أسِيرًا، فَقِيلَ: إنْ أسْلَمْتَ لم يقتلك رسول الله ص، فلما دعا به رسول الله ص أسْلَمَ، فَأرْسَلَهُ
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.493-492.
«سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» ٣: ١٥١: أيْ الَّذِي بِهِ كُنْتُ أنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِما أشْرَكُوا بِي ما لَمْ أجْعَلْ لَهُمْ مِن حُجَّةٍ، أيْ فَلا تَظُنُّوا أنَّ لَهُمْ عاقِبَةَ نَصْرٍ ولا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ ما اعْتَصَمْتُمْ بِي، واتَّبَعْتُمْ أمْرِي، لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أصابَتْكُمْ مِنهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوها لِأنْفُسِكُمْ، خالَفْتُمْ بِها أمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ، وعَصَيْتُمْ بِها النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.113.
(حِصارُهُمْ ومَقالَةُ كَعْبِ بْنِ أسَدٍ لَهُمْ):

(قالَ) [٣]: وحاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وعِشْرِينَ [٤] لَيْلَةً، حَتّى جَهَدَهُمْ الحِصارُ، وقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ.

وقَدْ كانَ حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وغَطَفانُ، وفاءً لِكَعْبِ بْنِ أسَدٍ بِما كانَ عاهَدَهُ عَلَيْهِ. فَلَمّا أيْقَنُوا بِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُناجِزَهُمْ، قالَ كَعْبُ ابْن أسَدٍ لَهُمْ: يا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِن الأمْرِ ما تَرَوْنَ، وإنِّي عارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلالًا ثَلاثًا، فَخُذُوا أيَّها شِئْتُمْ، قالُوا: وما هِيَ؟ قالَ: نُتابِعُ هَذا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وأنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلى دِمائِكُمْ وأمْوالِكُمْ وأبْنائِكُمْ ونِسائِكُمْ [٥]، قالُوا: لا نُفارِقُ حُكْمَ التَّوْراةِ أبَدًا، ولا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قالَ: فَإذا أبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أبْناءَنا ونِساءَنا، ثُمَّ نَخْرُجُ إلى مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ رِجالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وراءَنا ثَقَلًا، حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ، ولَمْ نَتْرُكْ وراءَنا نَسْلًا نَخْشى عَلَيْهِ، وإنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنَّ [١] النِّساءَ والأبْناءَ، قالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلاءِ المَساكِينِ! فَما خَيْرُ العَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قالَ: فَإنْ أبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَإنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وإنَّهُ عَسى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ قَدْ أمَّنُونا [٢] فِيها، فانْزِلُوا لَعَلَّنا نُصِيبُ مِن مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ غِرَّةً، قالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنا عَلَيْنا، ونُحْدِثُ فِيهِ ما لَمْ يُحْدِثْ مَن كانَ قَبْلَنا إلّا مَن قَدْ عَلِمْتُ، فَأصابَهُ ما لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مِن المَسْخِ! قالَ: ما باتَ رَجُلٌ مِنكُمْ مُنْذُ ولَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً واحِدَةً مِن الدَّهْرِ حازِمًا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.236-235.
سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا ۖ وَمَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى ٱلظَّٰلِمِينَ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا

أحد

(عَدَدُ قَتْلى المُشْرِكِينَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَجَمِيعُ مَن قَتَلَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَوْمَ أُحُدٍ مِن المُشْرِكِينَ، اثْنانِ وعِشْرُونَ رَجُلًا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.129.

متنوع

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ‏"‏ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ ‏"‏ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏"‏‏.‏ فَقَالُوا يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ‏.‏ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ ‏"‏ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ‏"‏‏.‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي‏.‏ وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي‏.‏
حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ‏"‏ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلاَ شَىْءَ بَعْدَهُ ‏".‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ‏.‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلاَّلُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُغِيرُ إِلاَّ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ فَاسْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ عَلَى الْفِطْرَةِ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ ‏"‏ ‏.‏
ثُمَّ رَجَعَ إلى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ قالَ: وغَزْوَةُ غالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الكَلْبِيِّ- كَلْبُ لَيْثٍ- أرْض بَنِي مُرَّةَ، فأصاب بها مرداس بن نهيك، حليفا لهم مِنَ الحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ ورَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، وهُوَ الَّذِي [قالَ فيه النبي ص لأُسامَةَ:

مَن لَكَ بِلا إلَهَ إلا اللَّهِ!] وغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ العاصِ ذاتَ السَّلاسِلِ، وغَزْوَةُ ابْنِ أبِي حَدْرَدٍ وأصْحابِهِ إلى بَطْنِ إضَمٍ، وغَزْوَةُ ابْنِ أبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيِّ إلى الغابة، وغزوه عبد الرحمن ابن عَوْفٍ.

وبَعَثَ سَرِيَّةً إلى سَيْفِ البَحْرِ، وعَلَيْهِمْ أبو عبيده بن الجراح، وهي غزوه الحبط.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.158-157.
قال: وفيها عقد رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار لواء أبيض يحمله المقداد بن عمرو في ذي القعدة وقال:

حَدَّثَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ إسْماعِيلَ، عَنْ أبِيهِ، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: خرجت في عشرين رجلا على أقدامنا- أو قال: واحد وعشرين رجلا- فكنا نكمن النهار، ونسير الليل حتى صبحنا الخرار صبح خامسه، وكان رسول الله ص، قد عهد إلي ألا أجاوز الخرار، وكانت العير قد سبقتني قبل ذلك بيوم، وكانوا ستين، وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين.

قال أبو جعفر: وقال ابن إسحاق في أمر كل هذه السرايا التي ذكرت عن الواقدي قوله فيها غير ما قاله الواقدي، وأن ذلك كله كان في السنة الثانية من وقت التاريخ حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ الفضل، قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ص المَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنهُ، فَأقامَ بِها ما بَقِيَ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ وشَهْرَ رَبِيعٍ الآخِرِ وجُمادَيَيْنِ ورَجَبَ وشَعْبانَ ورَمَضانَ وشَوّالًا وذا القِعْدَةِ وذا الحِجَّةِ- وولى تلك الحجة المشركون- والمحرم.
الطبري، أبو جعفر (ت 923). تاريخ الرسل والملوك. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.403.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ‏.‏
سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ

(ذَهابُهُ إلى الخَرّارِ ورُجُوعُهُ مِن غَيْرِ حَرْبٍ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقَدْ كانَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيما بَيْنَ ذَلِكَ مِن غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، فِي ثَمانِيَةِ رَهْطٍ مِن المُهاجِرِينَ، فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الخَرّارَ مِن أرْضِ الحِجازِ، ثُمَّ رَجَعَ ولَمْ يَلْقَ كَيْدًا. قالَ ابْنُ هِشامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذا كانَ بَعْدَ حَمْزَةَ. غَزْوَةُ صَفْوانَ وهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولى (إغارَةُ كُرْزٍ والخُرُوجُ فِي طَلَبِهِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ولَمْ يُقِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِن غَزْوَةِ العُشَيْرَةِ إلّا لَيالِيَ قَلائِلَ لا تَبْلُغُ العَشْرَ، حَتّى أغارَ كُرْزُ بْنُ جابِرٍ الفِهْرِيُّ عَلى سَرْحِ [١] المَدِينَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهِ، واسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ. (فَواتُ كُرْزٍ والرُّجُوعُ مِن غَيْرِ حَرْبٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَتّى بَلَغَ وادِيًا، يُقالُ لَهُ: سَفْوانُ، مِن ناحِيَةِ بَدْرٍ، وفاتَهُ كُرْزُ بْنُ جابِرٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولى. ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى المَدِينَةِ، فَأقامَ بِها بَقِيَّةَ جُمادى الآخِرَةِ ورَجَبًا وشَعْبانَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.601-600.
(ما جَرى بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ وما خَلَصَ بِهِ ابْنُ جَحْشٍ):

فَلَمّا رَآهُمْ القَوْمُ هابُوهُمْ وقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنهُمْ، فَأشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ، وكانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمّا رَأوْهُ أمِنُوا، وقالُوا عَمّارٌ، لا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنهُمْ. وتَشاوَرَ القَوْمُ فِيهِمْ وذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِن رَجَبٍ فَقالَ القَوْمُ واَللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ القَوْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنكُمْ بِهِ ولَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ، فَتَرَدَّدَ القَوْمُ، وهابُوا الإقْدامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وأجْمَعُوا عَلى قَتْلِ مَن قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنهُمْ، وأخْذِ ما مَعَهُمْ. فَرَمى واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيِّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ، واسْتَأْسَرَ عُثْمانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، والحَكَمَ ابْنَ كَيْسانَ، وأفْلَتَ القَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأعْجَزَهُمْ. وأقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وأصْحابُهُ بِالعِيرِ وبِالأسِيرَيْنِ، حَتّى قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ.

وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: أنَّ عَبْدَ اللَّهِ قالَ لِأصْحابِهِ: إنّ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِمّا غنمتا الخُمُسَ وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعالى الخُمُسَ مِن المَغانِمِ- فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُمُسَ العِيرِ، وقَسَّمَ سائِرَها بَيْنَ أصْحابِهِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.603.
(شِعْرٌ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ يُنْسَبُ إلى أبِي بَكْرٍ وإلى ابْنِ جَحْشٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، ويُقالُ: بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قالَها، حِينَ قالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أحَلَّ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ الشَّهْرَ الحَرامَ، وسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ وأخَذُوا فِيهِ المالَ، وأسَرُوا فِيهِ الرِّجالَ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الحَرامِ عَظِيمَةً … وأعْظَمُ مِنهُ لَوْ يَرى الرُّشْدَ راشِدُ صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ … وكُفْرٌ بِهِ واَللَّهُ راءٍ وشاهِدُ وإخْراجُكُمْ مِن مَسْجِدِ اللَّهِ أهْلَهُ … لِئَلّا يُرى للَّه فِي البَيْتِ ساجِدُ فَإنّا وإنْ عَيَّرْتُمُونا بِقَتْلِهِ … وأرْجَفَ بِالإسْلامِ باغٍ وحاسِدُ سَقَيْنا مِن ابْنِ الحَضْرَمِيِّ رِماحَنا … بِنَخْلَةَ لَمّا أوْقَدَ الحَرْبَ واقِدُ

دَمًا وابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمانُ بَيْنَنا … يُنازِعُهُ غُلٌّ مِن القَدِّ عانِدُ [١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.606-605.
(ما جَرى بَيْنَ أبى جهل وللعباس بِسَبَبِ الرُّؤْيا):

قالَ العَبّاسُ: فَغَدَوْتُ لِأطُوفَ بِالبَيْتِ وأبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ فِي رَهْطٍ مِن قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيا عاتِكَةَ، فَلَمّا رَآنِي أبُو جَهْلٍ قالَ: يا أبا الفَضْلِ إذا فَرَغْتَ مِن طَوافِكَ فَأقْبِلْ إلَيْنا، فَلَمّا فَرَغْتُ أقْبَلْتُ حَتّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَقالَ لِي أبُو جَهْلٍ: يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، مَتى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ؟ قالَ: قُلْتُ: وما ذاكَ؟ قالَ: تِلْكَ الرُّؤْيا الَّتِي رَأتْ عاتِكَةُ، قالَ: فَقُلْتُ: وما رَأتْ؟ قالَ: يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أما رَضِيتُمْ أنْ يَتَنَبَّأ رِجالُكُمْ حَتّى تَتَنَبَّأ نِساؤُكُمْ، قَدْ زَعَمَتْ عاتِكَةُ فِي رُؤْياها أنَّهُ قالَ: انْفِرُوا فِي ثَلاثٍ، فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلاثَ، فَإنْ يَكُ حَقًّا ما تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وإنْ تَمْضِ الثَّلاثُ ولَمْ يَكُنْ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، نَكْتُبْ عَلَيْكُمْ كِتابًا أنَّكُمْ أكْذَبُ أهْلِ بَيْتٍ فِي العَرَبِ. قالَ العبّاس: فو الله ما كانَ مِنِّي إلَيْهِ كَبِيرٌ، إلّا أنِّي جَحَدْتُ ذَلِكَ، وأنْكَرْتُ أنْ تَكُونَ رَأتْ شَيْئًا. قالَ: ثُمَّ تَفَرَّقْنا. (نِساءُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَلُمْنَ العَبّاسَ لِلِينِهِ مَعَ أبِي جَهْلٍ): فَلَمّا أمْسَيْتُ، لَمْ تَبْقَ امْرَأةٌ مِن بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إلّا أتَتْنِي، فَقالَتْ: أقْرَرْتُمْ لِهَذا الفاسِقِ الخَبِيثِ أنْ يَقَعَ فِي رِجالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَناوَلَ النِّساءَ وأنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ غِيَرٌ [١] لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْتَ، قالَ: قُلْتُ: قَدْ واَللَّهِ فَعَلْتُ، ما كانَ مِنِّي إلَيْهِ مِن كَبِيرٍ. واَيْمُ اللَّهِ لَأتَعَرَّضَنَّ لَهُ، فَإن عاد لأكفينّكه. (العَبّاسُ يَقْصِدُ أبا جَهْلٍ لِيَنالَ مِنهُ، فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ تَحَقُّقُ الرُّؤْيا): قالَ: فَغَدَوْتُ فِي اليَوْمِ الثّالِثِ مِن رُؤْيا عاتِكَةَ، وأنا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرى أنِّي قَدْ فاتَنِي مِنهُ أمْرٌ أُحِبُّ أنْ أُدْرِكَهُ مِنهُ. قالَ: فَدَخَلْتُ المَسْجِد فرأيته، فو الله إنِّي لَأمْشِي نَحْوَهُ أتَعَرَّضُهُ، لِيَعُودَ لِبَعْضِ ما قالَ فَأقَعَ بِهِ، وكانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ. قالَ: إذْ خَرَجَ نَحْوَ بابِ المَسْجِدِ يَشْتَدُّ. قالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ما لَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ، أكُلُّ هَذا فَرَقٌ مِنِّي أنْ أُشاتِمَهُ! قالَ: وإذا هُوَ قَدْ سَمِعَ ما لَمْ أسْمَعْ: صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفارِيِّ، وهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الوادِي واقِفًا عَلى بَعِيرِهِ، قَدْ جَدَّعَ بَعِيرَهُ [٢]، وحَوَّلَ رَحْلَهُ، وشَقَّ قَمِيصَهُ، وهُوَ يَقُولُ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ [٣] اللَّطِيمَةَ، أمْوالُكُمْ مَعَ أبِي سُفْيانَ قَدْ عَرَضَ لَها مُحَمَّدٌ فِي أصْحابِهِ، لا أرى أنْ تُدْرِكُوها، الغَوْثَ الغَوْثَ.

قالَ: فَشَغَلَنِي عَنْهُ وشَغَلَهُ عَنِّي ما جاءَ مِن الأمْرِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.609-608.
(خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لَيالٍ مَضَتْ مِن شَهْرِ رَمَضانَ [٤] فِي أصْحابِهِ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: خَرَجَ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) [٣] لِثَمانِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِن شَهْرِ رَمَضانَ- واسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ- ويُقالُ اسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أخا بَنِي عامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَلى الصَّلاةِ بِالنّاسِ، ثُمَّ رَدَّ أبا لُبابَةَ مِن الرَّوْحاءِ، واسْتَعْمَلَهُ عَلى المَدِينَةِ. (صاحِبُ اللِّواءِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ودَفَعَ اللِّواءَ إلى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وكانَ أبْيَضَ. إحْداهُما مَعَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، يُقالُ لَها: العُقابُ، والأُخْرى مَعَ بَعْضِ الأنْصارِ. (عَدَدُ إبِلِ المُسْلِمِينَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وكانَتْ إبِلُ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فاعْتَقَبُوها، فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، ومَرْثَدُ بْنُ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيُّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وكانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وزَيْدُ بْنُ حارِثَةَ، وأبُو كَبْشَةَ، وأنَسَةُ، مَوْلَيا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وكانَ أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وجَعَلَ عَلى السّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أبِي صَعْصَعَةَ أخا بَنِي مازِنِ بْنِ النَّجّارِ. وكانَتْ رايَةُ الأنْصارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.613-612.