إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «القرآن والحديث والعلماء: محمد والجهاد في سبيل الله»

من ویکی اسلام
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
[مراجعة منقحة][مراجعة منقحة]
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٣٨٢: سطر ٣٨٢:
قالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ رَأيْتُ ما يَلْقى مِنكُمْ مَن بَعَثْتُمُوهُ إلى مُحَمَّدٍ إذْ جاءَكُمْ مِن التَّعْنِيفِ وسُوءِ اللَّفْظِ، وقَدْ عَرَفْتُمْ أنَّكُمْ والِدٌ [١] وإنِّي ولَدٌ- وكانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وقَدْ سَمِعْتُ بِاَلَّذِي نابَكُمْ، فَجَمَعْتُ مَن أطاعَنِي مِن قَوْمِي، ثُمَّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ [٢] بِنَفْسِي، قالُوا: صَدَقْتُ، ما أنْتَ عِنْدَنا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتّى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّد، أجمعت أو شاب [٣] النّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إلى بَيْضَتِكَ [٤] لِتَفُضَّها [٥] بِهِمْ، إنّها قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَها العُوذُ المَطافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعاهِدُونَ اللَّهَ لا تَدْخُلُها عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أبَدًا. واَيْمُ اللَّهِ، لِكَأنِّي بِهَؤُلاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا. قالَ: وأبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ، فَقالَ: امصص بظر اللات، أنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قالَ: مَن هَذا يا مُحَمَّدُ؟ قالَ:
قالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ رَأيْتُ ما يَلْقى مِنكُمْ مَن بَعَثْتُمُوهُ إلى مُحَمَّدٍ إذْ جاءَكُمْ مِن التَّعْنِيفِ وسُوءِ اللَّفْظِ، وقَدْ عَرَفْتُمْ أنَّكُمْ والِدٌ [١] وإنِّي ولَدٌ- وكانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وقَدْ سَمِعْتُ بِاَلَّذِي نابَكُمْ، فَجَمَعْتُ مَن أطاعَنِي مِن قَوْمِي، ثُمَّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ [٢] بِنَفْسِي، قالُوا: صَدَقْتُ، ما أنْتَ عِنْدَنا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتّى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّد، أجمعت أو شاب [٣] النّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إلى بَيْضَتِكَ [٤] لِتَفُضَّها [٥] بِهِمْ، إنّها قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَها العُوذُ المَطافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعاهِدُونَ اللَّهَ لا تَدْخُلُها عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أبَدًا. واَيْمُ اللَّهِ، لِكَأنِّي بِهَؤُلاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا. قالَ: وأبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ، فَقالَ: امصص بظر اللات، أنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قالَ: مَن هَذا يا مُحَمَّدُ؟ قالَ:
هَذا ابْنُ أبِي قُحافَةَ، قالَ: أما واَللَّهِ لَوْلا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكافَأْتُكَ بِها، ولَكِنْ هَذِهِ بِها، قالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَناوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُكَلِّمُهُ.
هَذا ابْنُ أبِي قُحافَةَ، قالَ: أما واَللَّهِ لَوْلا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكافَأْتُكَ بِها، ولَكِنْ هَذِهِ بِها، قالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَناوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُكَلِّمُهُ.
قالَ: والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ واقِفٌ عَلى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيدِ.}}
قالَ: والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ واقِفٌ عَلى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيدِ.}}{{اقتباس|ابن هشام (ت 833). [https://app.turath.io/book/23833 ''سيرة ابن هشام ت السقا'']. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.316-315.|قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر. فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد بن قيس، أخو بني سلمة، فكان جابر بن عبد الله يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته. قد ضبأ [1] إليها، يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.}}{{اقتباس|ابن هشام (ت 833). [https://app.turath.io/book/23833 ''سيرة ابن هشام ت السقا'']. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.319-318.|فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا أبا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ واحْتَسِبْ، فَإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ لَكَ ولِمَن مَعَكَ مِن المُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا ومَخْرَجًا، إنّا قَدْ عَقَدْنا بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ صُلْحًا، وأعْطَيْناهُمْ عَلى ذَلِكَ، وأعْطَوْنا عَهْدَ اللَّهِ، وإنّا لا نَغْدِرُ بِهِمْ، قالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ مَعَ أبِي جَنْدَلٍ يَمْشِي إلى جَنْبِهِ، ويَقُولُ: اصْبِرْ يا أبا جَنْدَلٍ، فَإنَّما هُمْ المُشْرِكُونَ، وإنَّما دَمُ أحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قالَ: ويُدْنِي قائِمَ السَّيْفِ مِنهُ. قالَ: يَقُولُ عُمَرُ: رَجَوْتُ أنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبُ بِهِ أباهُ، قالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأبِيهِ، ونَفَذَتْ القَضِيَّةُ.}}{{اقتباس|ابن هشام (ت 833). [https://app.turath.io/book/23833 ''سيرة ابن هشام ت السقا'']. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.321.|ثُمَّ قالَ تَعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وأثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. ومَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ، ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا. وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها، وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ٤٨: ١٨- ٢١.}}

مراجعة ٠٧:٤٨، ١ مايو ٢٠٢١

يصور التقليد الإسلامي المبكر مرحلتين متميزتين في سيرة النبي: الفترة المكية ، التي تميزت بالنصائح السلمية لأهل مكة الوثنيين للتخلي عن آلهتهم واعتناق الإسلام ، والفترة المدنية التي تميزت باتساع الصراعات مع القبائل اليهودية المجاورة. ووثنيون مكة. وفقًا للسيرة والعديد من الأحاديث النبوية ، فقد أمر محمد خلال هذه الفترة بالعديد من المواجهات والاغتيالات ضد أعدائه في مكة والمدينة وتغاضى عنها. تشكل هذه العمليات العسكرية الجهاد ، العربية للنضال ، واجب مقدس يقع على عاتق جميع الرجال المسلمين القادرين جسديًا للانخراط في الكفاح المسلح لتوسيع نطاق الإسلام. الرجال الذين يموتون "في سبيل الله" سيكونون شهداء يتمتعون بـ 72 عذراء في الجنة ، والذين يعيشون وينتصرون سينعمون بغنيمة إلهية في هذا العالم. الهدف الأول للجهاد هم الوثنيون في مكة المكرمة ومقامهم المقدس الكعبة ، لكن القرآن والعديد من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أن الجهاد واجب على جميع المسلمين حتى "يكون الدين كله لله "(8:39). كان محمد قائد هذه الحملات العسكرية ولعب دور القائد الأعلى. كما شارك في المعارك بنفسه ، فقاتل وحتى أصيب. وهكذا كان الجهاد جزءًا أساسيًا من الإسلام المبكر وفقًا لتعاليمه وأوامر نبيه محمد.

حديث

حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ كُنْتُ فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ قَالُوا جَنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُهَا فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَتِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ قَالُوا هَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ‏.‏ فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ قَامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَأَنَا خَلْفَهُ لاَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَىْءٌ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ كَصَلاَتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ نَعَمْ ‏.‏ قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيَحْطِمُنَا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَ يُجَاءُ بِهِمْ فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ عَلَىَّ نَذْرًا إِنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمِ يَحْطِمُنَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ ‏.‏ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجِيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ ‏.‏ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُبَايِعُهُ لِيَفِيَ الآخَرُ بِنَذْرِهِ ‏.‏ قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهَابُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَذْرِي ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ إِنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلاَّ لِتُوفِيَ بِنَذْرِكَ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَوْمَضْتَ إِلَىَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ أَبُو غَالِبٍ فَسَأَلْتُ عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَحَدَّثُونِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لأَنَّهُ لَمْ تَكُنِ النُّعُوشُ فَكَانَ الإِمَامُ يَقُومُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنَ الْقَوْمِ ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ‏"‏ ‏.‏ نَسَخَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ فِي قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ إِنِّي قَدْ تُبْتُ ‏.‏

ابن هشام وابن اسحاق

إسْلامُ حَمْزَةَ ﵀ [٢]

(أذاةُ أبِي جَهْلٍ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ووُقُوفُ حَمْزَةَ عَلى ذَلِكَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِن أسْلَمَ، كانَ واعِيَةً: أنَّ أبا جَهْلٍ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الصَّفا، فَآذاهُ وشَتَمَهُ، ونالَ مِنهُ بَعْضَ ما يَكْرَهُ مِن العَيْبِ لِدِينِهِ، والتَّضْعِيفِ لِأمْرِهِ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومَوْلاةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ فِي مَسْكَنٍ لَها تَسْمَعُ ذَلِكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَعَمَدَ إلى نادٍ [١] مِن قُرَيْشٍ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ. فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ﵁ أنْ أقْبَلَ مُتَوَشِّحًا [٢] قَوْسَهُ، راجِعًا مِن قَنْصٍ [٣] لَهُ، وكانَ صاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ ويَخْرُجُ لَهُ، وكانَ إذا رَجَعَ مِن قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلى أهْلِهِ حَتّى يَطُوفَ بِالكَعْبَةِ، وكانَ إذا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرَّ عَلى نادٍ مِن قُرَيْشٍ إلّا وقَفَ وسَلَّمَ وتَحَدَّثَ مَعَهُمْ، وكانَ أعَزَّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وأشَدَّ شَكِيمَةً. فَلَمّا مَرَّ بِالمَوْلاةِ، وقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى بَيْتِهِ، قالَتْ لَهُ: يا أبا عُمارَةَ، لَوْ رَأيْتَ ما لَقِيَ ابْنُ أخِيكَ مُحَمَّدٌ آنِفًا مِن أبِي الحَكَمِ بن هِشام: وجنده هاهُنا جالِسًا فَآذاهُ وسَبَّهُ، وبَلَغَ مِنهُ ما يَكْرَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ ولَمْ يُكَلِّمْهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. (إيقاعُ حَمْزَةَ بِأبِي جَهْلٍ وإسْلامُهُ):

فاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الغَضَبُ لَمّا أرادَ اللَّهُ بِهِ مِن كَرامَتِهِ، فَخَرَجَ يَسْعى ولَمْ يَقِفْ عَلى أحَدٍ، مُعِدًّا لِأبِي جَهْلٍ إذا لَقِيَهُ أنْ يُوقِعَ بِهِ، فَلَمّا دَخَلَ المَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جالِسًا فِي القَوْمِ، فَأقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتّى إذا قامَ عَلى رَأْسِهِ رَفَعَ القَوْسَ فَضَرَبَهُ بِها فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنْكَرَةً، ثُمَّ قالَ: أتَشْتِمُهُ وأنا عَلى دِينِهِ أقُولُ ما يَقُولُ؟ فَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ إنْ اسْتَطَعْتُ. فَقامَتْ رِجالٌ مِن بَنِي مَخْزُومٍ إلى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أبا جَهْلٍ، فَقالَ أبُو جَهْلٍ: دَعُوا أبا عُمارَةَ، فَإنِّي واَللَّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا، وتَمَّ حَمْزَةُ ﵁ عَلى إسْلامِهِ، وعَلى ما تابَعَ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن قَوْلِهِ. فَلَمّا أسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَزَّ وامْتَنَعَ، وأنَّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفُّوا عَنْ بَعْضِ ما كانُوا يَنالُونَ [٤] مِنهُ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.292-291.
(اعْتِزازُ المُسْلِمِينَ بِإسْلامِ عُمَرَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ولَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ العاصِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ عَلى قُرَيْشٍ، ولَمْ يُدْرِكُوا ما طَلَبُوا مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ورَدَّهُما النَّجاشِيُّ بِما يَكْرَهُونَ، وأسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وكانَ رَجُلًا ذا شَكِيمَةٍ لا يُرامُ ما وراءَ ظَهْرِهِ، امْتَنَعَ بِهِ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبِحَمْزَةِ حَتّى عازُوا قُرَيْشًا [١]، وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: ما كُنّا نَقْدِرُ عَلى أنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، حَتّى أسْلَمَ عُمَرُ (بْنُ الخَطّابِ) [٢]، فَلَمّا أسْلَمَ قاتَلَ قُرَيْشًا حَتّى صَلّى عِنْدَ الكَعْبَةِ، وصَلَّيْنا مَعَهُ، وكانَ إسْلامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَن خَرَجَ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الحَبَشَةِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.342.
(مَن شَهِدَها مِن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ):

ومِن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مالِكِ بْنِ الأوْسِ: سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ مالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النَّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السَّلْمِ بْنِ امْرِئِ القَيْسِ ابْن مالِكِ بْنِ الأوْسِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِيدًا. قالَ ابْنُ هِشامٍ: ونَسَبَهُ ابْنُ إسْحاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وهُوَ مِن بَنِي غَنْمِ ابْن السَّلْمِ، لِأنَّهُ رُبَّما كانَتْ دَعْوَةُ الرَّجُلِ فِي القَوْمِ، ويَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ورِفاعَةُ بْنُ عَبْدِ المُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ [٢] بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ [٣] بْنِ زَيْدِ ابْن مالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا. وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمانِ ابْن أُمَيَّةَ بْنِ البُرَكِ- واسْمُ البُرَكِ: امْرُؤُ القَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو (بْنِ عَوْفِ بْنِ مالِكِ بْنِ الأوْسِ) [٤]- شَهِدَ بَدْرًا، وقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أمِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلى الرُّماةِ، ويُقالُ: أُمَيَّةُ بْنُ البَرْكِ [٥]، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ومَعْنُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الجَدِّ [٦] بْنِ العَجْلانِ بْنِ (حارِثَةَ) [٤] بْنِ ضُبَيْعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِن بَلِيٍّ، شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا والخَنْدَقَ، ومَشاهِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّها، قُتِلَ يَوْمَ اليَمامَةِ شَهِيدًا فِي خِلافَةِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁. وعُوَيْمُ بْنُ ساعِدَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا والخَنْدَقَ. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.456.
(بَدْءُ قِتالِ المُشْرِكِينَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ إنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَهَيَّأ لِحَرْبِهِ، قامَ فِيما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِن جِهادِ عَدُوِّهِ، وقِتالِ مَن أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِن المُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي العَرَبِ، وذَلِكَ بَعْدَ أنْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعالى بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.590.
(نُكْرانُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلى ابْنِ جَحْشٍ قِتالَهُ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ [٢]: فَلَمّا قَدمِوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، قالَ: ما أمَرْتُكُمْ بِقِتالٍ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ. فَوَقَّفَ العِيرَ والأسِيرَيْنِ. وأبى أنْ يَأْخُذَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَمّا قالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُقِطَ فِي أيْدِي القَوْمِ، وظَنُّوا أنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وعَنَّفَهُمْ إخْوانُهُمْ مِن المُسْلِمِينَ فِيما صَنَعُوا. وقالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ الشَّهْرَ الحَرامَ، وسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وأخَذُوا فِيهِ الأمْوالَ، وأسَرُوا فِيهِ الرِّجالَ، فَقالَ مَن يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِن المُسْلِمِينَ، مِمَّنْ كانَ بِمَكَّةَ: إنّما أصابُوا ما أصابُوا فِي شَعْبانَ. (تَوَقَّعَ اليَهُودُ بِالمُسْلِمِينَ الشَّرَّ): وقالَتْ يَهُودُ- تَفاءَلَ بِذَلِكَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ قَتَلَهُ واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَمْرٌو، عَمُرَتْ الحَرْبُ، والحَضْرَمِيُّ، حَضَرَتْ الحَرْبُ، وواقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وقَدَتْ الحَرْبُ. فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ. (نُزُولُ القُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ وإقْرارُ الرَّسُولِ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي فِعْلِهِ):

فَلَمّا أكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ على رَسُوله صلى الله عليه وسلم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ، والمَسْجِدِ الحَرامِ، وإخْراجُ أهْلِهِ مِنهُ أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ٢: ٢١٧ أيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الحَرامِ فَقَدْ صَدُّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الكُفْرِ بِهِ، وعَنْ المَسْجِدِ الحَرامِ، وإخْراجُكُمْ مِنهُ وأنْتُمْ أهْلُهُ، أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِن قَتْلِ مَن قَتَلْتُمْ مِنهُمْ والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ٢: ٢١٧
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.604-603.
(شِعْرٌ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ يُنْسَبُ إلى أبِي بَكْرٍ وإلى ابْنِ جَحْشٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، ويُقالُ: بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قالَها، حِينَ قالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أحَلَّ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ الشَّهْرَ الحَرامَ، وسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ وأخَذُوا فِيهِ المالَ، وأسَرُوا فِيهِ الرِّجالَ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الحَرامِ عَظِيمَةً … وأعْظَمُ مِنهُ لَوْ يَرى الرُّشْدَ راشِدُ صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ … وكُفْرٌ بِهِ واَللَّهُ راءٍ وشاهِدُ وإخْراجُكُمْ مِن مَسْجِدِ اللَّهِ أهْلَهُ … لِئَلّا يُرى للَّه فِي البَيْتِ ساجِدُ فَإنّا وإنْ عَيَّرْتُمُونا بِقَتْلِهِ … وأرْجَفَ بِالإسْلامِ باغٍ وحاسِدُ سَقَيْنا مِن ابْنِ الحَضْرَمِيِّ رِماحَنا … بِنَخْلَةَ لَمّا أوْقَدَ الحَرْبَ واقِدُ

دَمًا وابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمانُ بَيْنَنا … يُنازِعُهُ غُلٌّ مِن القَدِّ عانِدُ [١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.606-605.
(تَحْرِيضُ المُسْلِمِينَ عَلى القِتالِ):

قالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى النّاسِ فَحَرَّضَهُمْ، وقالَ: واَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يُقاتِلُهُمْ اليَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلّا أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ. فَقالَ عُمَيْرُ بْنُ الحُمامِ، أخُو بَنِي سَلِمَةَ، وفِي يَدِهِ تَمَراتٍ يَأْكُلُهُنَّ: بَخْ بَخْ [٤]، أفَما بَيْنِي وبَيْنَ أنْ أدْخُلَ الجَنَّةَ إلّا أنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلاءِ، ثُمَّ قَذَفَ التَّمَراتِ مِن يَدِهِ وأخَذَ سَيْفَهُ، فَقاتَلَ القَوْمَ حَتّى قُتِلَ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ: أنَّ عَوْفَ [٥] بْنَ الحارِثِ، وهُوَ ابْنُ عَفْراءَ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما يُضْحِكُ [٦] الرَّبَّ مِن عَبْدِهِ؟ قالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي العَدُوِّ حاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَها، ثُمَّ أخَذَ سَيْفَهُ فَقاتَلَ القَوْمَ حَتّى قُتِلَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.627.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وعُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ الَّذِي قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَدْخُلُ الجَنَّةَ سَبْعُونَ ألْفًا مِن أُمَّتِي عَلى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنهُمْ، قالَ: إنّكَ مِنهُمْ، أوْ اللَّهمّ اجْعَلْهُ مِنهُمْ، فَقامَ رَجُلٌ مِن الأنْصارِ. فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اُدْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنهُمْ، فَقالَ: سَبَقَكَ بِها عُكّاشَةُ وبَرَدَتْ الدَّعْوَةُ [٢]. وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِيما بَلَغَنا عَنْ أهْلِهِ: مِنّا خَيْرُ فارِسٍ فِي العَرَبِ، قالُوا: ومَن هُوَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقالَ ضِرارُ بْنُ الأزْوَرِ الأسَدِيُّ: ذاكَ رَجُلٌ مِنّا يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: لَيْسَ مِنكُمْ ولَكِنَّهُ مِنّا لِلْحِلْفِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.638.
ثُمَّ أقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- حَتّى إذا خَرَجَ مِن مَضِيقِ الصَّفْراءِ نَزَلَ عَلى كَثِيبٍ بَيْنَ المَضِيقِ وبَيْنَ النّازِيَةِ- يُقالُ لَهُ: سَيْرٌ- إلى سَرْحَةٍ بِهِ.

فَقَسَمَ هُنالِكَ النَّفَلَ الَّذِي أفاءَ اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِن المُشْرِكِينَ عَلى السَّواءِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتّى إذا كانَ بِالرَّوْحاءِ لَقِيَهُ المُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ومَن مَعَهُ مِن المُسْلِمِينَ، فَقالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ- كَما حَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، ويَزِيدُ بْنُ رُومانَ-: ما الَّذِي تهنئوننا بِهِ؟ فو الله إنْ لَقِينا إلّا عَجائِزَ صُلْعًا كالبُدْنِ المُعَقَّلَةِ، فَنَحَرْناها، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قالَ: أيْ ابْنَ أخِي، أُولَئِكَ المَلَأُ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: المَلَأُ: الأشْرافُ والرُّؤَساءُ. (مَقْتَلُ النَّضْرِ وعُقْبَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَتّى إذا كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفْراءِ قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، كَما أخْبَرَنِي بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِن أهْلِ مَكَّةَ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتّى إذا كانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: عِرْقُ الظَّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحاقَ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: واَلَّذِي أسَرَ عُقْبَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ [١] أحَدُ بَنِي العَجْلانِ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ عُقْبَةُ حِينَ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ: فَمَن لِلصِّبْيَةِ يا مُحَمَّدُ؟ قالَ: النّارُ. فَقَتَلَهُ عاصِمُ بْنُ ثابِتِ بْنِ أبِي الأقْلَحِ الأنْصارِيُّ، أخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَما حَدَّثَنِي أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ.

قالَ ابْنُ هِشامَ: ويُقالُ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فِيما ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهابٍ الزُّهْرِيُّ وغَيْرُهُ مِن أهْلِ العِلْمِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.644-643.
(شِعْرُ هِنْدٍ وكِنانَةُ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ):

ولَمّا انْصَرَفَ الَّذِينَ خَرَجُوا إلى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقالَتْ لَهُمْ: أفِي السِّلْمِ أعْيارٌ جَفاءً وغِلْظَةً … وفِي الحَرْبِ أشْباهُ النِّساءِ العَوارِكِ [٧] وقالَ كِنانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي أمْرِ زَيْنَبَ، حِينَ دَفَعَها إلى الرَّجُلَيْنِ [٨]: عَجِبْتُ لِهَبّارٍ وأوْباشِ قَوْمِهِ … يُرِيدُونَ إخْفارِي بِبِنْتِ مُحَمَّدِ [١]

ولَسْتُ أُبالِي ما حَيِيتُ عَدِيدَهُمْ … وما اسْتَجْمَعْتُ قَبْضًا يَدِي بِالمُهَنَّدِ [٢]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.657-656.
(ما نَزَلَ فِي حَضِّ المُسْلِمِينَ عَلى طاعَةِ الرَّسُولِ): ثُمَّ قالَ تَعالى: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ ٨: ٢٠: أيْ لا تُخالِفُوا أمْرَهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ، وتَزْعُمُونَ أنَّكُمْ مِنهُ، ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهُمْ لا يَسْمَعُونَ ٨: ٢١: أيْ كالمُنافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ، ويُسِرُّونَ لَهُ المَعْصِيَةَ إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ٨: ٢٢: أيْ المُنافِقُونَ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، بُكْمٌ عَنْ الخَيْرِ، صُمٌّ عَنْ الحَقِّ، لا يَعْقِلُونَ: لا يَعْرِفُونَ ما عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِن النِّقْمَةِ والتَّباعَةِ [١] ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ ٨: ٢٣، أيْ لَأنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ الَّذِي قالُوا بِألْسِنَتِهِمْ، ولَكِنَّ القُلُوبَ خالَفَتْ ذَلِكَ مِنهُمْ، ولَو خَرجُوا مَعكُمْ لَتَوَلَّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ ٨: ٢٣، ما وفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ. يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ٨: ٢٤: أيْ لِلْحَرْبِ الَّتِي أعَزَّكُمْ اللَّهُ بِها بَعْدَ الذُّلِّ، وقَوّاكُمْ بِها بَعْدَ الضَّعْفِ، ومَنَعَكُمْ بِها مِن عَدُوِّكُمْ بَعْدَ القَهْرِ مِنهُمْ لَكُمْ، واذْكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ، فَآواكُمْ وأيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، ورَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.669.
(ما نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ المُسْلِمِينَ بِالمُساعَدَةِ والنَّصْرِ، وتَحْرِيضِهِمْ): ثُمَّ قالَ تَعالى: إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ٨: ١٢: أيْ آزِرُوا [١] الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ، واضْرِبُوا مِنهُمْ كُلَّ بَنانٍ. ذلِكَ بِأنَّهُمْ شاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، ومن يُشاقِقِ اللَّهِ ورَسُولَهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ ٨: ١٢- ١٣، ثُمَّ قالَ: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ. ومن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ ٨: ١٥- ١٦: أيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلى عَدُوِّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذا لَقُوهُمْ، وقَدْ وعَدَهُمْ اللَّهُ فِيهِمْ ما وعَدَهُمْ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.668-667.
(ما نَزَلَ فِي وعْظِ المُسْلِمِينَ وتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الحَرْبِ):

ثُمَّ وعَظَهُمْ وفَهَّمَهُمْ وأعْلَمَهُمْ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ، فَقالَ تَعالى: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً ٨: ٤٥ تُقاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﷿ فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ٨: ٤٥ الَّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أنْفُسَكُمْ، والوَفاءَ لَهُ بِما أعْطَيْتُمُوهُ مِن بَيْعَتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ٨: ٤٥- ٤٦: أيْ لا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرَّقَ أمْرُكُمْ وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ٨: ٤٦ أيْ وتَذْهَبَ حِدَّتُكُمْ [٤] واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ ٨: ٤٦ أيْ إنِّي مَعَكُمْ إذا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ بَطَرًا ورِئاءَ النّاسِ ٨: ٤٧: أيْ لا تَكُونُوا كَأبِي جَهْلٍ وأصْحابِهِ، الَّذِينَ قالُوا: لا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِها الجُزُرَ وتُسْقى بِها الخَمْرَ، وتَعْزِفُ عَلَيْنا فِيها القِيانُ، وتَسْمَعُ العَرَبُ: أيْ لا يَكُونُ أمْرُكُمْ رِياءً، ولا سُمْعَةً، ولا التِماسَ ما عِنْدَ النّاسِ وأخْلِصُوا للَّه النِّيَّةَ والحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ، ومُوازَرَةِ نَبِيِّكُمْ، لا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِكَ ولا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ. ثُمَّ قالَ تَعالى: وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ وقال لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ، وإنِّي جارٌ لَكُمْ ٨: ٤٨. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وقَدْ مَضى تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى أهْلَ الكُفْرِ، وما يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، ووَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ، وأخْبَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ، حَتّى انْتَهى إلى أنْ قالَ فَإمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ٨: ٥٧ أيْ فَنَكِّلْ بِهِمْ مِن ورائِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ وأعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ ٨: ٦٠.. إلى قَوْلِهِ تَعالى: وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ، وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ٨: ٦٠: أيْ لا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أجْرُهُ فِي الآخِرَةِ، وعاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدُّنْيا ثُمَّ قالَ تَعالى: وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَها ٨: ٦١: أيْ إنْ دَعَوْكَ إلى السَّلْمِ عَلى الإسْلامِ فَصالِحْهُمْ عَلَيْهِ وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ ٨: ٦١ إنّ اللَّهَ كافِيكَ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ٨: ٦١. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشامٍ لِبَعْضِ الغَرِيبِ): قالَ ابْنُ هِشامٍ: جَنَحُوا لِلسَّلْمِ: مالُوا إلَيْكَ لِلسَّلْمِ. الجُنُوحُ: المَيْلُ. قالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: جُنُوحُ الهالِكِيَّ عَلى يَدَيْهِ … مُكِبًّا يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصالِ [١] وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ (يُرِيدُ: الصَّيْقَلَ المُكِبَّ عَلى عَمَلِهِ. النَّقْبُ صَدَأُ السَّيْفِ. يَجْتَلِي: يَجْلُو السَّيْفَ) [٢]. والسَّلْمُ (أيْضًا): الصُّلْحُ، وفِي كِتابِ اللَّهِ ﷿: فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ ٤٧: ٣٥، ويُقْرَأُ: «إلى السِّلم»، وهُوَ ذَلِكَ المَعْنى. قالَ زُهَيْرُ بْنُ أبِي سُلْمى: وقَدْ قُلْتُما إنْ نُدْرِكْ السِّلْمَ واسِعًا … بِمالٍ ومَعْرُوفٍ مِن القَوْلِ نَسْلَمْ وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وبَلَغَنِي عَنْ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ البَصْرِيِّ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ: وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ٨: ٦١ لِلْإسْلامِ. وفِي كِتابِ اللَّهِ تَعالى: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافَّةً ٢: ٢٠٨، ويُقْرَأُ «فِي السَّلْم»، وهُوَ الإسْلامُ. قالَ أُمَيَّةُ ابْن أبِي الصَّلْتِ: فَما أنابُوا لِسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهُمْ … رُسْلَ الإلَهِ وما كانُوا لَهُ عَضُدا [١] وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وتَقُولُ العَرَبُ لِدَلْوٍ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً: السَّلْمُ. قالَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ، أحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، يَصِفُ ناقَةً لَهُ: لَها مِرْفَقانِ أفْتَلانِ كَأنَّما … تَمُرُّ بِسَلْمى دالِحٍ مُتَشَدِّدٍ [٢] (ويُرْوى: دالِجٍ) [٣]. وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وإنْ يُرِيدُوا أنْ يَخْدَعُوكَ فَإنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ٨: ٦٢ هُوَ مِن وراءِ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي أيَّدَكَ بِنَصْرِهِ ٨: ٦٢ بَعْدَ الضَّعْفِ وبِالمُؤْمِنِينَ وألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ٨: ٦٢- ٦٣ عَلى الهُدى الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعًا ما ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، ولكِنَّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ ٨: ٦٣ بِدِينِهِ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٨: ٦٣. ثُمَّ قالَ تَعالى: يا أيُّها النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ومن اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. يا أيُّها النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلى القِتالِ، إنْ يَكُنْ مِنكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وإنْ يَكُنْ مِنكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا ألْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ٨: ٦٤- ٦٥: أيْ لا يُقاتِلُونَ عَلى نِيَّةٍ ولا حَقٍّ ولا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ ولا شَرٍّ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ اشْتَدَّ عَلى المُسْلِمِينَ، وأعْظَمُوا أنْ يُقاتل عشرُون مِائَتَيْنِ، ومِائَة ألْفًا، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَنَسَخَتْها الآيَةُ الأُخْرى، فَقالَ: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وعَلِمَ أنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإنْ يَكُنْ مِنكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وإنْ يَكُنْ مِنكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ بِإذْنِ اللَّهِ، والله مَعَ الصّابِرِينَ ٨: ٦٦. قالَ: فَكانُوا إذا كانُوا عَلى الشَّطْرِ مِن عَدُوِّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أنْ يَفِرُّوا مِنهُمْ، وإذا كانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتالُهُمْ وجازَ لَهُمْ أنْ يَتَحَوَّزُوا عَنْهُمْ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.1، ص.675-673.
مَشى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، ثُمَّ وجَّهَهُمْ، فَقالَ: انْطَلِقُوا عَلى اسْمِ اللَّهِ، اللَّهمّ أعِنْهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى بَيْتِهِ، وهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، وأقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلى حِصْنِهِ، فَهَتَفَ بِهِ أبُو نائِلَةَ، وكانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ فِي [١] مِلْحَفَتِهِ، فَأخَذَتْ امْرَأتُهُ [٢] بِناحِيَتِها، وقالَتْ: إنّكَ امْرُؤٌ مُحارِبٌ، وإنَّ أصْحابَ الحَرْبِ لا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ، قالَ: إنّهُ أبُو نائِلَةَ، لَوْ وجَدَنِي نائِمًا لَما أيْقَظَنِي، فَقالَتْ: واَللَّهِ إنِّي لَأعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشَّرَّ، قالَ: يَقُولُ لَها كَعْبٌ: لَوْ يُدْعى الفَتى لِطَعْنَةٍ لَأجابَ.

فَنَزَلَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ ساعَةً، وتَحَدَّثُوا مَعَهُ، ثُمَّ قالَ: هَلْ لَكَ يا بن الأشْرَفِ أنْ تَتَماشى إلى شِعْبِ العَجُوزِ [٣]، فَنَتَحَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنا هَذِهِ؟ قالَ: إنْ شِئْتُمْ. فَخَرَجُوا يَتَماشَوْنَ، فَمَشَوْا ساعَةً، ثُمَّ إنّ أبا نائِلَةَ شامَ [٤] يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ فَقالَ: ما رَأيْتُ كاللَّيْلَةِ طِيبًا أعْطَرَ قَطُّ، ثُمَّ مَشى ساعَةً، ثُمَّ عادَ لِمِثْلِها حَتّى اطْمَأنَّ، ثُمَّ مَشى ساعَةً، ثُمَّ عادَ لِمِثْلِها، فَأخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ قالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ، فاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ [٥] أسْيافُهُمْ، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا.

قالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا [٦] فِي سَيْفِي، حِينَ رَأيْتُ أسْيافَنا لا تُغْنِي شَيْئًا، فَأخَذْتُهُ، وقَدْ صاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنا حِصْنٌ إلّا وقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نارٌ قالَ: فَوَضَعْتُهُ فِي ثُنَّتِهِ [٧] ثُمَّ تَحامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ، وقَدْ أُصِيبَ الحارِثُ بْنُ أوْسِ بْنِ مُعاذٍ، فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أوْ فِي رِجْلِهِ، أصابَهُ بَعْضُ أسْيافِنا. قالَ: فَخَرَجْنا حَتّى سَلَكْنا عَلى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، ثُمَّ عَلى بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ عَلى بُعاثٍ حَتّى أسْنَدْنا [١] فِي حَرَّةِ [٢] العَرِيضِ [٣]، وقَدْ أبْطَأ عَلَيْنا صاحِبُنا الحارِثُ بْنُ أوْسٍ، ونَزَفَهُ [٤] الدَّمُ، فَوَقَفْنا لَهُ ساعَةً، ثُمَّ أتانا يَتْبَعُ آثارَنا. قالَ: فاحْتَمَلْناهُ فَجِئْنا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَ اللَّيْلِ، وهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي، فَسَلَّمْنا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إلَيْنا، فَأخْبَرْناهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وتَفَلَ عَلى جُرْحِ صاحِبِنا، فَرَجَعَ ورَجَعْنا إلى أهْلِنا فَأصْبَحْنا وقَدْ خافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنا بِعَدُوِّ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِها يَهُودِيٌّ إلّا وهُوَ يَخافُ عَلى نَفْسِهِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.56.
أمْرُ مُحَيِّصَةَ وحُوَيِّصَةَ

(لَوْمُ حُوَيِّصَةَ لِأخِيهِ مُحَيِّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيًّا ثُمَّ إسْلامُهُ)، قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن ظَفَرْتُمْ بِهِ مِن رِجالِ يَهُودَ فاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: (مُحَيِّصَةُ) [١]، ويُقالُ: مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حارِثَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ الأوْسِ- عَلى ابْنِ سُنَيْنَةَ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: ويُقالُ سُبَيْنَةُ [٢]- رَجُلٌ مِن تُجّارِ يَهُودَ، كانَ يُلابِسُهُمْ ويُبايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وكانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذاكَ لَمْ يُسْلِمْ، وكانَ أسَنَّ مِن مُحَيِّصَةَ، فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةَ يَضْرِبُهُ، ويَقُولُ: أيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أقَتَلْتَهُ، أما واَللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِن مالِهِ. قالَ مُحَيِّصَةُ، فَقُلْتُ: واَللَّهِ لَقَدْ أمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَن لَو أمرنى يقتلك لَضَرَبْتُ عُنُقك، قالَ: فو الله إنْ كانَ لِأوَّلِ إسْلامِ حويّصة قالَ: آو للَّه لَوْ أمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قالَ: نَعَمْ، واَللَّهِ لَوْ أمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ لَضَرَبْتُها! قالَ: واَللَّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذا لَعَجَبٌ، فَأسْلَمَ حُوَيِّصَةُ.

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي هَذا الحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حارِثَةَ، عَنْ ابْنِهِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أبِيها مُحَيِّصَةَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.58.
(نُزُولُ الرَّسُولِ بِالشِّعْبِ وتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتالِ):

قالَ: ومَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِن أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الوادِي إلى الجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وعَسْكَرَهُ إلى أُحُدٍ، وقالَ: لا يُقاتِلُنَّ أحَدٌ مِنكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالقِتالِ. وقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ والكُراعَ [١] فِي زُرُوعٍ كانَتْ بِالصَّمْغَةِ [٢]، مِن قَناةِ لِلْمُسْلِمِينَ: فَقالَ رَجُلٌ مِن الأنْصارِ حِينَ نَهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ القِتالِ: أتُرْعى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ [٣] ولِما نُضارِبُ! وتُعَبّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْقِتالِ، وهُوَ فِي سبع مائَة رَجُلٍ، وأمَّرَ عَلى الرُّماةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أخا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيابِ بِيضٍ، والرُّماةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقالَ: انْضَحْ [٤] الخَيْلَ عَنّا بِالنَّبْلِ، لا يَأْتُونا مِن خَلْفِنا، إنْ كانَتْ لَنا أوْ عَلَيْنا، فاثْبُتْ مَكانَكَ لا نُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكِ. وظاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دِرْعَيْنِ [١]، ودَفَعَ اللِّواءَ إلى مُصْعَبِ ابْن عُمَيْرٍ، أخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ. (مَن أجازَهُمْ الرَّسُولُ وهُمْ فِي الخامِسَةَ عَشْرَةَ): قالَ ابْنُ هِشامٍ: وأجازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الفَزارِيَّ، ورافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، أخا بَنِي حارِثَةَ، وهُما ابْنا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وكانَ قَدْ رَدَّهُما، فَقِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّ رافِعًا رامٍ، فَأجازَهُ، فَلَمّا أجازَ رافِعًا، قِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَإنَّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رافِعًا، فَأجازَهُ. ورَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُسامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وزَيْدَ بْنَ ثابِتٍ، أحَدَ بَنِي مالِكِ بْنِ النَّجّارِ، والبَراءَ بْنَ عازِبٍ، أحَدَ بَنِي حارِثَةَ، وعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أحَدَ بَنِي مالِكِ بْنِ النَّجّارِ، وأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أحَدَ بَنِي حارِثَةَ، ثُمَّ أجازَهُمْ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وهُمْ أبْناءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وتَعَبَّأتْ قُرَيْشٌ، وهُمْ ثَلاثَةُ آلافِ رجل، ومَعَهُمْ مِائَتا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوها [٢]، فَجَعَلُوا عَلى مَيْمَنَةِ الخَيْلِ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، وعَلى مَيْسَرَتِها عِكْرِمَةَ بْنَ أبِي جَهْلٍ. (أمْرُ أبِي دُجانَةَ): وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن يَأْخُذُ هَذا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَقامَ إلَيْهِ رِجالٌ، فَأمْسَكَهُ عَنْهُمْ، حَتّى قامَ إلَيْهِ أبُو دُجانَةَ سِماكُ بْنُ خَرَشَةَ، أخُو بَنِي ساعِدَةَ، فَقالَ: وما حَقُّهُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: أن تشرب بِهِ العَدُوَّ حَتّى يَنْحَنِيَ، قالَ:

أنا آخُذُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ بِحَقِّهِ، فَأعْطاهُ إيّاهُ. وكانَ أبُو دُجانَةَ رَجُلًا شُجاعًا يَخْتالُ عِنْدَ الحَرْبِ، إذا كانَتْ، وكانَ إذا أعُلِمَ بِعِصابَةِ لَهُ حَمْراءَ، فاعتصب بها على لناس أنَّهُ سَيُقاتِلُ، فَلَمّا أخَذَ السَّيْفَ مِن يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخْرَجَ عِصابَتَهُ تِلْكَ، فَعَصَبَ بِها رَأْسَهُ، وجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أسْلَمَ، مَوْلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِن الأنْصارِ مِن بَنِي سَلِمَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ رَأى أبا دُجانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إنّها لمشية يبغضها انه، إلّا فِي مِثْلِ هَذا المَوْطِنِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.67-65.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَجَعَلَ لا يَلْقى أحَدًا إلّا قَتَلَهُ. وكانَ فِي المُشْرِكِينَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَنا جَرِيحًا إلّا ذَفَّفَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَدْنُو مِن صاحِبِهِ.

فَدَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُما، فالتَقَيا، فاخْتَلَفا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ المُشْرِكُ أبا دُجانَةَ، فاتَّقاهُ بِدَرَقَتِهِ، فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ، وضَرَبَهُ أبُو دُجانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمَّ رَأيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السَّيْفَ عَلى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، ثُمَّ عَدَلَ السَّيْفَ عَنْها. قالَ الزَّبِيرُ فَقُلْتُ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ أبُو دُجانَةَ سِماكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأيْتُ إنْسانًا يَخْمُشُ [٢] النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ، فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ ولْوَلَ فَإذا امْرَأةٌ، فَأكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أضْرِبَ بِهِ امْرَأةً. (مَقْتَلُ حَمْزَةَ): وقاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ حَتّى قَتَلَ أرْطاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وكانَ أحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ اللِّواءَ ثُمَّ مَرَّ بِهِ سِباعُ ابْن عَبْدِ العُزّى الغُبْشانِيُّ، وكانَ يُكَنّى بِأبِي نِيارٍ، فَقالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إلَيَّ يا بن مُقَطِّعَةِ البُظُورِ- وكانَتْ أُمُّهُ أُمَّ أنْمارٍ مَوْلاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وهْبٍ الثَّقَفِيِّ. (قالَ ابْنُ هِشامٍ: شَرِيقُ بْنُ الأخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ) [٣]. وكانَتْ خَتّانَةً بِمَكَّةَ- فَلَمّا التَقَيا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ. قالَ وحْشِيٌّ، غُلامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: واَللَّهِ إنِّي لَأنْظُرُ إلى حَمْزَةَ يَهُدُّ [٤] النّاسَ بِسَيْفِهِ ما يُلِيقُ [١] بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الجَمَلِ الأوْرَقِ [٢] إذْ تَقَدَّمَنِي إلَيْهِ سِباعُ بْنُ عَبْدِ العُزّى، فَقالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إلَيَّ يا بن مُقَطِّعَةِ البُظُورِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَكَأنَّ ما أخْطَأ رَأْسَهُ [٣]، وهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذا رَضِيتُ مِنها دَفَعْتُها عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ [٤] حَتّى خَرَجَتْ مِن بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَأقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ، وأمْهَلْتُهُ حَتّى إذا ماتَ جِئْتُ فَأخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ إلى العَسْكَرِ، ولَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حاجَةٌ غَيْرَهُ. (وحْشِيٌّ يُحَدِّثُ الضَّمْرِيَّ وابْنَ الخِيارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ [٥] بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ الضَّمْرِيَّ قالَ: خُرِجْتُ أنا وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الخِيارِ، أخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ، فِي زَمانِ مُعاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيانَ، فَأدْرَبْنا مَعَ النّاسِ [٦]، فَلَمّا قَفَلْنا مَرَرْنا بِحِمْصَ- وكانَ وحْشِيٌّ، مَوْلى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَدْ سَكَنَها، وأقامَ بِها- فَلَمّا قَدِمْناها، قالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ فِي أنْ نَأْتِيَ وحْشِيًّا فَنَسْألَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟

قالَ: قُلْتُ لَهُ: إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنا نَسْألُ عَنْهُ بِحِمْصَ، فَقالَ لَنا رَجُلٌ، ونَحْنُ نَسْألُ عَنْهُ: إنّكُما سَتَجِدانِهِ بِفِناءِ دارِهِ، وهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الخَمْرُ، فَإنْ تَجِداهُ صاحِيًا تَجِدا رَجُلًا عَرَبِيًّا، وتَجِدا عِنْدَهُ بَعْضَ ما تُرِيدانِ، وتُصِيبا عِنْدَهُ ما شِئْتُما مِن حَدِيثٍ تَسْألانِهِ عَنْهُ، وإنْ تَجِداهُ وبَهْ بَعْضُ ما يَكُونُ بِهِ، فانْصَرَفا عَنْهُ ودَعاهُ، قالَ: فَخَرَجْنا نَمْشِي حَتّى جِئْناهُ، فَإذا هُوَ بِفِناءِ دارِهِ عَلى طَنْفَسَةٍ لَهُ [١]، فَإذا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ البُغاثِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.70-69.
(حَدِيثُ الزُّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الهَزِيمَةِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلى المُسْلِمِينَ وصَدَقَهُمْ وعْدَهُ، فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ [٦] حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ العَسْكَرِ، وكانَتْ الهَزِيمَةُ لا شَكَّ فِيها.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.77.
(شِعْرُ حَسّانَ فِي عَمْرَةِ الحارِثِيَّةِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الحارِثِيَّةِ ورَفْعِها اللِّواءِ: إذا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنا كَأنَّها … جِدايَةُ شِرْكٍ مُعْلِماتِ الحَواجِبِ [١] أقَمْنا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكِّلًا … وحُزْناهُمْ بِالضَّرْبِ مِن كُلِّ جانِبِ [٢] فَلَوْلا لِواءُ الحارِثِيَّةِ أصْبَحُوا … يُباعُونَ فِي الأسْواقِ بَيْعَ الجَلائِبِ [٣] قالَ ابْنُ هِشامٍ: وهَذِهِ الأبْياتُ فِي أبْياتٍ لَهُ. (ما لَقِيَهُ الرَّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، فَأصابَ فِيهِمْ العَدُوَّ، وكانَ يَوْمَ بَلاءٍ وتَمْحِيصٍ، أكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَن أكْرَمَ مِن المُسْلِمِينَ بِالشَّهادَةِ، حَتّى خَلَصَ العَدُوُّ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدُثَّ [٤] بِالحِجارَةِ حَتّى وقَعَ لِشِقِّهِ [٥]، فَأُصِيبَتْ رَباعِيَتُهُ، وشُجَّ [٦] فِي وجْهِهِ، وكُلِمَتْ [٧] شَفَتُهُ، وكانَ الَّذِي أصابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أبِي وقّاصٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.79.
(مَقْتَلُ اليَمانِ وابْنِ وقْشٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقَدْ كانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى انْتَهى بَعْضُهُمْ إلى المُنَقّى، دُونَ الأعْوَصِ [١]. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قالَ: لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جابِرٍ، وهُوَ اليَمانُ [٢] أبُو حُذَيْفَةَ [٣] بْنُ اليَمانِ، وثابِتُ بْنُ وقْشٍ فِي الآطامِ مَعَ النِّساءِ والصِّبْيانِ، فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ، وهُما شَيْخانِ كَبِيرانِ: ما أبا لَكَ، ما تنْتَظر؟ فو الله لا بَقِيَ لِواحِدِ مِنّا مِن عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ [٤] حِمارٍ، إنّما نَحْنُ هامَةُ [٥] اليَوْمِ أوْ غَدٍ، أفَلا نَأْخُذُ أسْيافَنا، ثُمَّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنا شَهادَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأخَذا أسْيافَهُما ثُمَّ خَرَجا، حَتّى دَخَلا فِي النّاسِ، ولَمْ يُعْلَمْ بِهِما، فَأمّا ثابِتُ بْنُ وقْشٍ فَقَتَلَهُ المُشْرِكُونَ، وأمّا حُسَيْلُ بْنُ جابِرٍ، فاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أسْيافُ المُسْلِمِينَ، فَقَتَلُوهُ ولا يَعْرِفُونَهُ [٦]، فَقالَ حُذَيْفَةُ: أبِي [٧]، فَقالُوا: واَللَّهِ إنْ عَرَفْناهُ، وصَدَقُوا. قالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ، فَأرادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلى المُسْلِمِينَ، فَزادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا. (مَقْتَلُ حاطِبٍ ومَقالَةُ أبِيهِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ: أنَّ رَجُلًا مِنهُمْ كانَ يُدْعى حاطِبَ بْنَ أُمِّيَّةَ بْنِ رافِعٍ، وكانَ لَهُ ابْنٌ يُقالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حاطِبٍ، أصابَتْهُ جِراحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلى دارِ قَوْمِهِ وهُوَ بِالمَوْتِ، فاجْتَمَعَ إلَيْهِ أهْلُ الدّارِ، فَجَعَلَ المُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ: أبْشِرْ يا بن حاطِبٍ بِالجَنَّةِ، قالَ: وكانَ حاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسا فِي الجاهِلِيَّةِ، فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفاقُهُ، فَقالَ: بِأيِّ شَيْءٍ تُبَشِّرُونَهُ؟ بِجَنَّةٍ مِن حَرْمَلٍ [١] ! غَرَرْتُمْ واَللَّهِ هَذا الغُلامَ مِن نَفْسِهِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.88-87.
(مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي أبِي إسْحاقُ بْنُ يَسارٍ، عَنْ أشْياخٍ مِن بَنِي سَلِمَةَ: أنَّ عَمْرَو بْنَ الجَمُوحِ كانَ رَجُلًا أعْرَجَ شَدِيدَ العَرَجِ، وكانَ لَهُ بَنُونَ أرْبَعَةٌ مِثْلَ الأُسْدِ، يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَشاهِدَ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ أرادُوا حَبْسَهُ، وقالُوا لَهُ: إنّ اللَّهَ ﷿: قَدْ عَذَرَكَ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: إنّ بَنِيَّ يُرِيدُونَ أنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذا الوَجْهِ، والخُرُوجِ مَعَك فِيهِ، فو الله إنِّي لَأرْجُو أنْ أطَأ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الجَنَّةِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أمّا أنْتَ فَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ فَلا جِهادَ عَلَيْكَ، وقالَ لِبَنِيهِ: ما عَلَيْكُمْ أنْ لا تَمْنَعُوهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَهُ الشَّهادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ [١]. (هِنْدُ وتَمْثِيلُها بِحَمْزَةِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ووَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، كَما حَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ كَيْسانَ، والنِّسْوَةُ اللّاتِي مَعَها، يُمَثِّلْنَ بِالقَتْلى مِن أصْحابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يجدّ عَن [٢] الآذانَ والأُنُفَ، حَتّى اتَّخَذَتْ هِنْدُ مِن آذانِ الرِّجالِ وآنُفِهِمْ خَدَمًا [٣] وقَلائِدَ، وأعْطَتْ خَدَمَها وقَلائِدَها وقِرَطَتَها وحْشِيًّا، غُلامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وبَقَرَتْ [٤] عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ، فَلاكَتْها [٥]، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تُسِيغَها [٦]، فَلَفَظَتْها [٧]، ثُمَّ عَلَتْ عَلى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ، فَصَرَخَتْ بِأعْلى صَوْتِها فَقالَتْ: نَحْنُ جَزَيْناكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ … والحَرْبُ بَعْدَ الحَرْبِ ذاتِ سُعْرِ [٨] ما كانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِن صَبْرِ … ولا أخِي وعَمِّهِ وبَكْرِي شَفَيْتُ نَفْسِي وقَضَيْتُ نَذْرِي … شَفَيْتَ وحْشِيُّ غَلِيلَ صَدْرِي [٩] فَشُكْرُ وحْشِيٍّ عَلَيَّ عُمْرِي … حَتّى تَرُمَّ أعْظُمِي فِي قَبْرِي [١٠] (شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثاثَةَ فِي الرَّدِّ عَلى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ): فَأجابَتْها هِنْدُ بِنْتُ أُثاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ المُطَّلِبِ، فَقالَتْ: خَزِيتُ فِي بَدْرٍ وبَعْدَ بدر … يا بت وقّاعٍ عَظِيمِ الكُفْرِ [١١] صَبَّحَكَ اللَّهُ غَداةَ الفَجْرِ … مَلْهاشِمَيَّيْنِ الطِّوالِ الزُّهْرِ [١] بِكُلِّ قَطّاعٍ حُسامٍ يَفْرِي … حَمْزَةُ لَيْثِي وعَلِيٌّ صَقْرِي [٢] إذْ رامَ شَيْبٌ وأبُوكَ غَدْرِي … فَخَضَّبا مِنهُ ضَواحِي النَّحْرِ [٣] ونَذْرُكَ السُّوءَ فَشَرُّ نَذْرِ قالَ ابْنُ هِشامٍ: تَرَكْنا مِنها ثَلاثَةَ أبْياتٍ أقْذَعَتْ فِيها. (شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أيْضًا): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أيْضًا: شَفَيْتُ مِن حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدْ … حَتّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنِ الكَبِدْ أذْهَبَ عَنِّي ذاكَ ما كُنْتُ أجِدْ … مِن لَذْعَةِ الحُزْنِ الشَّدِيدِ المُعْتَمِدْ [٤] والحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوبِ بَرِدْ … تُقْدِمُ إقْدامًا عَلَيْكُمْ كالأسَدْ [٥] (تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ كَيْسانَ أنَّهُ حُدِّثَ: أنَّ عُمْرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ لِحَسّانَ بْنِ ثابِتٍ: يا بن الفُرَيْعَةِ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: الفُرَيْعَةُ بِنْتُ خالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ، ويُقالُ: خُنَيْسٌ: ابْنُ حارِثَةَ بْنِ لَوْذانَ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الخَزْرَجِ بْنِ ساعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الخَزْرَجِ- لَوْ سَمِعْتَ ما تَقُولُ هِنْدُ، ورَأيْتُ أشْرَها [٦] قائِمَةً عَلى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنا، وتَذْكُرُ ما صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ؟ قالَ لَهُ حَسّانُ: واَللَّهِ إنِّي لَأنْظُرُ إلى الحَرْبَةِ تَهْوِي وأنا عَلى رَأْسِ فارِعٍ- يَعْنِي أُطُمَهُ- فَقُلْتُ: واَللَّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلاحٌ ما هِيَ بِسِلاحِ العَرَبِ، وكَأنَّها إنّما تهوى إلى جمزة ولا أدْرِي، لَكِنْ أسْمِعْنِي بَعْضَ قَوْلِها أكْفِكُمُوها، قالَ: فَأنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ بَعْضَ ما قالَتْ، فَقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ: أشْرَتْ لَكاعُ وكانَ عادَتُها … لُؤْمًا إذا أشْرَتْ مَعَ الكُفْرِ [١] قالَ ابْنُ هِشامٍ: وهَذا البَيْتُ فِي أبْياتٍ لَهُ تَرَكْناها، وأبْياتًا أيْضًا لَهُ عَلى الدّالِ. وأبْياتًا أُخَرَ عَلى الذّالِ، لِأنَّهُ أقْذَعَ فِيها. (اسْتِنْكارُ الحُلَيْسِ عَلى أبِي سُفْيانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقَدْ كانَ الحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ، أخُو بَنُو الحارِثِ بْنِ عَبْدِ مَناةَ، وهُوَ يَوْمئِذٍ سَيِّدُ الأُبَيْشِ، قَدْ مَرَّ بِأبِي سُفْيانَ، وهُوَ يَضْرِبُ فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بِزُجِّ الرُّمْحِ ويَقُولُ: ذُقْ [٢] عُقَقُ، فَقالَ الحُلَيْسُ: يا بَنِي كِنانَةَ، هَذا سَيِّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمِّهِ ما تَرَوْنَ لَحْمًا [٣] ؟ فَقالَ: ويْحَكَ! اُكْتُمْها عَنِّي، فَإنَّها كانَتْ زَلَّةً.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.93-91.
قالَ: وحَدَّثَنِي عَمِّي مُوسى بْنُ يَسارٍ، أنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ أبُو القاسِمِ صلى الله عليه وسلم: ما مِن جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ إلّا واَللَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيامَةِ وجُرْحُهُ يَدْمى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي أبِي إسْحاقُ بْنُ يَسارٍ، عَنْ أشْياخٍ مِن بَنِي سَلَمَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ يَوْمَئِذٍ، حِينَ أمَرَ بِدَفْنِ القَتْلى: اُنْظُرُوا إلى عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرامٍ، فَإنَّهُما كانا مُتَصافِيَيْنِ فِي الدُّنْيا، فاجْعَلُوهُما فِي قَبْرٍ واحِدٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.98.
(غَسْلُ السُّيُوفِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَمّا انْتَهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أهْلِهِ ناوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فاطِمَةَ، فَقالَ: اغْسِلِي عَنْ هَذا دَمَهُ يا بنيّة، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ، وناوَلَها عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ سَيْفَهُ، فَقالَ: وهَذا أيْضًا، فاغْسِلِي عَنهُ دَمه، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ كُنْتُ صَدَقْتَ القِتالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وأبُو دُجانَةَ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وكانَ يُقالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

ذُو الفَقارِ [٥].
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.100.
(كانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: كانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلاءٍ ومُصِيبَةٍ وتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللَّهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ، ومَحَنَ بِهِ المُنافِقِينَ، مِمَّنْ كانَ يُظْهِرُ الإيمانَ بِلِسانِهِ، وهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالكُفْرِ فِي قَلْبِهِ، ويَوْمًا أكْرَمَ اللَّهُ فِيهِ مَن أرادَ كَرامَتَهُ بِالشَّهادَةِ مِن أهْلِ وِلايَتِهِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.105.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: «وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ٣: ١٢٢»:

أيْ مَن كانَ بِهِ ضَعْفٌ مِن المُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَيَّ، ولْيَسْتَعِنْ بِي، أُعِنْهُ عَلى أمْرِهِ، وأُدافِعْ عَنْهُ، حَتّى أبْلُغَ بِهِ، وأدْفَعَ عَنْهُ، وأُقَوِّيَهُ عَلى نِيَّتِهِ. «ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلَّةٌ، فاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ٣: ١٢٣: أيْ فاتَّقُونِي، فَإنَّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي. «ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ» ٣: ١٢٣ وأنْتُمْ أقَلُّ عَدَدًا وأضْعَفُ قُوَّةً «إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكُمْ أنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكُمْ مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» ٣: ١٢٤- ١٢٥: أيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوِّي، وتُطِيعُوا أمْرِي، ويَأْتُوكُمْ مِن وجْهِهِمْ هَذا، أُمِدُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِن المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. (تَفْسِيرُ ابْنِ هِشامٍ لِبَعْضِ الغَرِيبِ): قالَ ابْنُ هِشامٍ: مُسَوِّمِينَ: مُعْلَمِينَ. بَلَغَنا عَنْ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ قالَ: أعْلَمُوا عَلى أذْنابِ خَيْلِهِمْ ونَواصِيها بِصُوفِ أبْيَضَ. فَأمّا ابْنُ إسْحاقَ فَقالَ: كانَتْ سِيماهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمائِمَ بِيضًا. وقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ. والسِّيما: العَلامَةُ. وفِي كِتابِ اللَّهِ ﷿: «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ» ٤٨: ٢٩: أيْ عَلامَتُهُمْ. و«حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ. مُسَوَّمَةً» ١١: ٨٢- ٨٣ يَقُولُ: مُعْلَمَةً. بَلَغَنا عَنْ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ قالَ: عَلَيْها عَلامَةٌ، أنَّها لَيْسَتْ مِن حِجارَةِ الدُّنْيا، وأنَّها مِن حِجارَةِ العَذابِ. قالَ رُؤْبَةُ بْنُ العَجّاجِ: فالآنَ تُبْلى بِي الجِيادُ السَّهَمُ … ولا تُجارِينِي إذا ما سَوَّمُوا [١] وشَخَصَتْ أبْصارُهُمْ وأجْذَمُوا (أجْذَمُوا «بِالذّالِ المُعْجَمَةِ»: أيْ أسْرَعُوا، وأجْدَمُوا «بِالدّالِ المُهْمَلَةِ»: أقْطَعُوا) [٢]. وهَذِهِ الأبْياتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. والمُسَوَّمَةُ (أيْضًا): المَرْعِيَّةُ. وفِي كِتابِ اللَّهِ تَعالى: «والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ» ٣: ١٤ و«شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ» ١٦: ١٠. تَقُولُ العَرَبُ: سَوَّمَ خَيْلَهُ وإبِلَهُ، وأسامَها: إذا رَعاها. قالَ الكُمَيْت من زَيْدٍ: راعِيًا كانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْناهُ … وفَقْدُ المُسِيمِ هُلْكُ السَّوامِ

قالَ ابْنُ هِشامٍ: مُسْجِحًا: سَلِسُ السِّياسَةِ مُحْسِنٌ (إلى الغَنَمِ) [٢]. وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. «وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلّا بُشْرى لَكُمْ، ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ» ٣: ١٢٦: أيْ ما سَمَّيْتُ لَكُمْ مَن سَمَّيْتُ مِن جُنُودِ مَلائِكَتِي إلّا بُشْرى لَكُمْ، ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، لِما أعْرِفُ مِن ضَعْفِكُمْ، وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِي، لِسُلْطانِي وقُدْرَتِي، وذَلِكَ أنَّ العِزَّ والحُكْمَ إلَيَّ، لا إلى أحَدٍ مِن خَلْقِي. ثُمَّ قالَ: «لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ» ٣: ١٢٧: أيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِن المُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنهُمْ، أوْ يَرُدَّهُمْ خائِبِينَ: أيْ ويَرْجِعُ مَن بَقِيَ مِنهُمْ فَلًّا خائِبِينَ، لَمْ يَنالُوا شَيْئًا مِمّا كانُوا يَأْمُلُونَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.107-106.
(ذِكْرُ شَجاعَةِ المُجاهِدِينَ مِن قَبْلُ مَعَ الأنْبِياءِ):

ثُمَّ قالَ: «وكَأيِّنْ مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، فَما وهَنُوا لِما أصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وما ضَعُفُوا وما اسْتَكانُوا، والله يُحِبُّ الصّابِرِينَ» ٣: ١٤٦:

أيْ وكَأيِّنْ مِن نَبِيٍّ أصابَهُ القَتْلُ، ومَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ: أيْ جَماعَةٌ، فَما وهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ، وما ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ، وما اسْتَكانُوا لِما أصابَهُمْ فِي الجِهادِ عَنْ اللَّهِ تَعالى وعَنْ دِينِهِمْ، وذَلِكَ الصَّبْرُ، واَللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ «وما كانَ قَوْلَهُمْ إلّا أنْ قالُوا رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وإسْرافَنا فِي أمْرِنا، وثَبِّتْ أقْدامَنا، وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ» ٣: ١٤٧.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.112.
(ذِكْرُ ما أصابَهُمْ وتَعْزِيَتُهُمْ عَنْهُ):

ثُمَّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ المُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ، والبَلاءَ الَّذِي أصابَهُمْ، والتَّمْحِيصَ لِما كانَ فِيهِمْ، واِتِّخاذَهُ الشُّهَداءَ مِنهُمْ، فَقالَ: تَعْزِيَةً لَهُمْ، وتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيما صَنَعُوا، وفِيما هُوَ صانِعٌ بِهِمْ. «قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ» ٣: ١٣٧: أيْ قَدْ مَضَتْ مِنِّي وقائِعُ نِقْمَةٍ فِي أهْلِ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِي والشِّرْكِ بِي: عادٍ وثَمُودَ وقَوْمِ لُوطٍ وأصْحابِ مَدْيَنَ، فَرَأوْا مَثُلاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنِّي فِيهِمْ، ولِمَن هُوَ عَلى مِثْلِ ما هُمْ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ مِنِّي، فَإنِّي أمْلَيْتُ لَهُمْ: أيْ لِئَلّا يَظُنُّوا أنَّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوِّكُمْ وعَدُوِّي، لِلدَّوْلَةِ الَّتِي أدْلَتْهُمْ بِها عَلَيْكُمْ، لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ، لِيُعَلِّمَكُمْ ما عِنْدَكُمْ.

ثُمَّ قالَ تَعالى: «هَذا بَيانٌ لِلنّاسِ وهُدىً ومَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» ٣: ١٣٨: أيْ هَذا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الهُدى «وهُدىً ومَوْعِظَةٌ» ٣: ١٣٨: أيْ نُورٌ وأدَبٌ «لِلْمُتَّقِينَ» ٣: ١٣٨ أيْ لِمَن أطاعَنِي وعَرَفَ أمْرِي. «ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا» ٣: ١٣٩: أيْ لا تَضْعُفُوا ولا تَبْتَئِسُوا عَلى ما أصابَكُمْ، «وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ» ٣: ١٣٩: أيْ لَكُمْ تَكُونُ العاقِبَةُ والظُّهُورُ «إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ٣: ١٣٩: أيْ إنْ كُنْتُم صدّقتم نَبِي بِما بِما جاءَكُمْ بِهِ عَنِّي. «إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ» ٣: ١٤٠: أيْ جِراحُ [١] مِثْلُها، «وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ» ٣: ١٤٠: أيْ نُصَرِّفُها بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلاءِ والتَّمْحِيصِ «ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، ويَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَداءَ، والله لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ» ٣: ١٤٠: أيْ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ والمُنافِقِينَ، ولِيُكْرِمَ مَن أكْرَمَ مِن أهْلِ الإيمانِ بِالشَّهادَةِ «والله لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ» ٣: ١٤٠: أيْ المُنافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِألْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وقُلُوبُهُمْ مُصِرَّةٌ عَلى المَعْصِيَةِ «ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» ٣: ١٤١: أيْ يَخْتَبِرَ الَّذِينَ آمَنُوا حَتّى يُخَلِّصَهُمْ بِالبَلاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وكَيْفَ صَبْرُهُمْ ويَقِينُهُمْ «ويَمْحَقَ الكافِرِينَ» ٣: ١٤١: أيْ يُبْطِلَ مِن المُنافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِألْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتّى يَظْهَرَ مِنهُمْ كُفْرُهُمْ الَّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.110.
(دَعْوَةُ الجَنَّةِ لِلْمُجاهِدِينَ):

ثُمَّ قالَ تَعالى: «أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ» ٣: ١٤٢: أيْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ، فَتُصِيبُوا مِن ثَوابِي الكَرامَةَ، ولَمْ أخْتَبِرْكُمْ بِالشِّدَّةِ، وأبْتَلِيَكُمْ بِالمَكارِهِ، حَتّى أعْلَمَ صِدْقَ ذَلِكَ مِنكُمْ بِالإيمانِ بِي، والصَّبْرَ عَلى ما أصابَكُمْ فِيَّ، ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الشَّهادَةَ عَلى الَّذِي أنْتُمْ عَلَيْهِ مِن الحَقِّ قَبْلَ أنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى خُرُوجِهِ بِهِمْ إلى عَدُوِّهِمْ، لِما فاتهم من حضورا اليَوْمِ الَّذِي كانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، ورَغْبَةً فِي الشَّهادَةِ الَّتِي فاتَتْهُمْ بِها، فَقالَ: «ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ» ٣: ١٤٣ يَقُولُ: «فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ» ٣: ١٤٣: أيْ المَوْتُ بِالسُّيُوفِ فِي أيْدِي الرِّجالِ قَدْ خُلِّيَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ، ثُمَّ صَدَّهُمْ عَنْكُمْ. «وما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ، ومن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا، وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ» ٣: ١٤٤: أيْ لِقَوْلِ النّاسِ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وانْهِزامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وانْصِرافُهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ «أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ» ٣: ١٤٤ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَما كُنْتُمْ، وتَرَكْتُمْ جِهادَ عَدُوِّكُمْ، وكِتابَ اللَّهِ. وما خَلَّفَ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم مِن دِينِهِ مَعَكُمْ وعِنْدَكُمْ، وقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيما جاءَكُمْ بِهِ عَنِّي أنَّهُ مَيِّتٌ ومُفارِقُكُمْ، «ومن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ» ٣: ١٤٤: أيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ «فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا» ٣: ١٤٤: أيْ لَيْسَ يُنْقِصُ ذَلِكَ عِزَّ اللَّهِ تَعالى ولا مُلْكَهُ ولا سُلْطانَهُ ولا قُدْرَتَهُ، «وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ» ٣: ١٤٤:

أيْ مَن أطاعَهُ وعَمِلَ بِأمْرِهِ [١].
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.111-110.
قالَ ابْنُ هِشامٍ: الحَسُّ: الِاسْتِئْصالُ: يُقالُ: حَسَسْتُ الشَّيْءَ: أيْ اسْتَأْصَلْتُهُ بِالسَّيْفِ وغَيْرِهِ. قالَ جَرِيرٌ:

تَحُسُّهُمْ السُّيُوفُ كَما تَسامى … حَرِيقُ النّارِ فِي الأجَمِ الحَصِيدِ [١] وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وقالَ رُؤْبَةُ بْنُ العَجّاجِ: إذا شَكَوْنا سَنَةً حَسُوسا … تَأْكُلُ بَعْدَ الأخْضَرِ اليَبِيسا وهَذانِ البَيْتانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: «حَتّى إذا فَشِلْتُمْ ٣: ١٥٢»: أيْ تَخاذَلْتُمْ «وتَنازَعْتُمْ فِي الأمْرِ ٣: ١٥٢» أيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أمْرِي، أيْ تَرَكْتُمْ أمْرَ نَبِيِّكُمْ وما عَهِدَ إلَيْكُمْ، يَعْنِي الرُّماةَ «وعَصَيْتُمْ مِن بَعْدِ ما أراكُمْ ما تُحِبُّونَ ٣: ١٥٢»: أيْ الفَتْحُ، لا شَكَّ فِيهِ، وهَزِيمَةُ القَوْمِ عَنْ نِسائِهِمْ وأمْوالِهِمْ، «مِنكُمْ مَن يُرِيدُ الدُّنْيا ٣: ١٥٢»: أيْ الَّذِينَ أرادُوا النَّهْبَ فِي الدُّنْيا وتَرْكَ ما أُمِرُوا بِهِ مِن الطّاعَةِ الَّتِي عَلَيْها ثَوابُ الآخِرَةِ «ومِنكُمْ مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ٣: ١٥٢»: أيْ الَّذِينَ جاهَدُوا فِي اللَّهِ، ولَمْ يُخالِفُوا إلى ما نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضٍ مِن الدُّنْيا، رَغْبَةً فِيها، رَجاءَ ما عِنْدِ اللَّهِ مِن حُسْنِ ثَوابِهِ فِي الآخِرَةِ، أيْ الَّذِينَ جاهَدُوا فِي الدِّينِ ولَمْ يُخالِفُوا إلى ما نُهُوا عَنْهُ، لِعَرَضِ مِن الدُّنْيا، لِيَخْتَبِرَكُمْ، وذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ، ولَقَدْ عَفا اللَّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ، أنْ لا يُهْلِكَكُمْ بِما أتَيْتُمْ مِن مَعْصِيَةِ نَبِيِّكُمْ، ولَكِنِّي عُدْتُ بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ، وكَذَلِكَ «مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ ٣: ١٦٤» أنْ عاقَبَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فِي عاجِلِ الدُّنْيا أدَبًا ومَوْعِظَةً، فَإنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلِّ ما فِيهِمْ مِن الحَقِّ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِما أصابُوا مِن مَعْصِيَتِهِ، رَحْمَةً لَهُمْ، وعائِدَةً عَلَيْهِمْ، لِما فِيهِمْ مِن الإيمانِ. (تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرارِهِمْ عَنْ نَبِيّهم):

ثمَّ أنبّههم بِالفِرارِ عَنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، وهُمْ يُدْعَوْنَ لا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعائِهِ إيّاهُمْ، فَقالَ: «إذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أحَدٍ، والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ، فَأثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ ولا ما أصابَكُمْ ٣: ١٥٣»: أيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ، بِقَتْلِ مَن قُتِلَ مِن إخْوانِكُمْ، وعُلُوِّ عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وبِما وقَعَ فِي أنْفُسِكُمْ مِن قَوْلِ مَن قالَ: قُتِلَ نَبِيُّكُمْ، فَكانَ ذَلِكَ مِمّا تَتابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ، مِن ظُهُورِكُمْ عَلى عَدُوِّكُمْ، بَعْدَ أنْ رَأيْتُمُوهُ بِأعْيُنِكُمْ، ولا ما أصابَكُمْ مِن قَتْلِ إخْوانِكُمْ، حَتّى فَرَّجْتُ ذَلِكَ الكَرْبَ عَنْكُمْ «والله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» ٣: ١٥٣.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.114.
(ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ):

ثُمَّ قالَ تَبارَكَ وتَعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ» ٣: ١٥٩: أيْ لَتَرَكُوكَ «فاعْفُ عَنْهُمْ» ٣: ١٥٩: أيْ فَتَجاوَزْ عَنْهُمْ «واسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وشاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ، فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ» ٣: ١٥٩ فَذَكَرَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لِينَهُ لَهُمْ، وصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ، لِضَعْفِهِمْ، وقِلَّةِ صَبْرِهِمْ عَلى الغِلْظَةِ لَوْ كانَتْ مِنهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ ما خالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِن طاعَةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ قالَ تَبارَكَ وتَعالى: «فاعْفُ عَنْهُمْ ٣: ١٥٩»: أيْ تَجاوَزْ عَنْهُمْ، «واسْتَغْفِرْ لَهُمْ ٣: ١٥٩» ذُنُوبَهُمْ، مَن قارَفَ [١] مِن أهْلِ الإيمانِ مِنهُمْ وشاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ ٣: ١٥٩: أيْ لِتُرِيهِمْ أنَّكَ تَسْمَعُ مِنهُمْ، وتَسْتَعِينُ بِهِمْ، وإنْ كُنْتُ غَنِيًّا عَنْهُمْ، تَألُّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلى دِينِهِمْ فَإذا عَزَمْتَ ٣: ١٥٩: أيْ عَلى أمْرٍ جاءَكَ مِنِّي وأمْرٍ مِن دِينِكَ فِي جِهادِ عَدُوِّكَ لا يُصْلِحُكَ ولا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ، فامْضِ عَلى ما أُمِرْتَ بِهِ، عَلى خِلافِ مَن خالَفَكَ، ومُوافَقَةِ من وافَقَك، فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ ٣: ١٥٩، أيْ ارْضَ بِهِ مِن العِبادِ، إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ. إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ، وإنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِن بَعْدِهِ ٣: ١٥٩- ١٦٠: أيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أمْرِي لِلنّاسِ، وارْفُضْ أمْرَ النّاسِ إلى أمْرِي، وعَلى اللَّهِ لا عَلى النّاسِ، فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.117-116.
(مَصِيرُ قَتْلى أُحُدٍ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي إسْماعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمّا أُصِيبَ إخْوانُكُمْ بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللَّهُ أرْواحَهُمْ فِي أجْوافِ طَيْرِ خُضْرٍ، تَرِدُ أنْهارَ الجَنَّةِ، وتَأْكُلُ مِن ثِمارِها، وتَأْوِي إلى قَنادِيلَ مِن ذَهَبٍ، فِي ظِلِّ العَرْشِ، فَلَمّا وجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ ومَأْكَلِهِمْ، وحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قالُوا: يا لَيْتَ إخْوانَنا يَعْلَمُونَ ما صَنَعَ اللَّهُ بِنا، لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الجِهادِ، ولا يَنْكُلُوا [١] عَنْ [٢] الحَرْبِ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: فَأنا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم هَؤُلاءِ الآياتِ: ولا تَحْسَبَنَّ ٣: ١٦٩ …». قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي الحارِثُ بْنُ الفَضِيلِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الأنْصارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الشُّهَداءُ عَلى بارِقِ نَهْرٍ بِبابِ الجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْراءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِن الجَنَّةِ بُكْرَةً وعَشِيًّا قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي مَن لا أتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلاءِ الآياتِ: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ٣: ١٦٩ فَقالَ: أما إنّا قَدْ سَألْنا عَنْها فَقِيلَ لَنا: إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أرْواحَهُمْ فِي أجْوافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أنْهارَ الجَنَّةِ، وتَأْكُلُ مِن ثِمارِها، وتَأْوِي إلى قَنادِيلَ مِن ذَهَبٍ فِي ظِلِّ العَرْشِ، فَيَطَّلِعُ اللَّهُ ﷿ عَلَيْهِمْ اطِّلاعَةً فَيَقُولُ: يا عِبادِي، ما تَشْتَهُونَ فَأزِيدَكُمْ؟ قالَ: فَيَقُولُونَ رَبَّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتنا، الجَنَّةُ [١] نَأْكُلُ مِنها حَيْثُ شِئْنا! قالَ: ثُمَّ يَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اطِّلاعَةً، فَيَقُولُ: يا عِبادِي، ما تَشْتَهُونَ، فَأزِيدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتنا، الجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنها حَيْثُ شِئْنا! قالَ: ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ اطِّلاعَةً، فَيَقُولُ:

يا عِبادِي، ما تَشْتَهُونَ فَأزِيدَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتنا، الجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنها حَيْثُ شِئْنا. إلّا أنّا نُحِبُّ أنْ تَرُدَّ أرْواحَنا فِي أجْسادِنا، ثُمَّ نُرَدُّ إلى الدُّنْيا، فَنُقاتِلُ فِيكَ، حَتّى نُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرى.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.120-119.
(عَدَدُ قَتْلى المُشْرِكِينَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَجَمِيعُ مَن قَتَلَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَوْمَ أُحُدٍ مِن المُشْرِكِينَ، اثْنانِ وعِشْرُونَ رَجُلًا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.129.
ذِكْرُ ما قِيلَ مِن الشِّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ

(شِعْرُ هُبَيْرَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وكانَ مِمّا قِيلَ مِن الشِّعْرِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ، قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أبِي وهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: عائِذٌ: ابْنُ عِمْرانَ بْنُ مَخْزُومٍ: ما بالُ هَمٍّ عَمِيدٍ باتَ يَطْرُقنِي … بِالوُدِّ مِن هِنْدَ إذْ تَعْدُو عَوادِيها [١] باتَتْ تُعاتِبنِي هِنْدٌ وتَعْذُلُنِي … والحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنِّي مَوالِيها مَهْلًا فَلا تَعْذُلِينِي إنّ مِن خُلُقِي … ما قَدْ عَلِمْتِ وما إنْ لَسْتُ أُخْفِيها مُساعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِما كَلِفُوا … حَمّالُ عِبْءٍ وأثْقالٌ أُعانِيها [٢]

وقَدْ حَمَلْتُ سِلاحِي فَوْقَ مُشْتَرَفٍ … ساطٍ سَبُوحٍ إذا تَجْرِي يُبارِيها [٣]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.130-129.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ عَلى عَمْرو بن العاصِي):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَأجابَهُما كَعْبُ بْنُ مالِكٍ، فَقالَ: أبْلِغْ قُرَيْشًا وخَيْرُ القَوْلِ أصْدَقُهُ … والصِّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الألْبابِ مَقْبُولُ [٦] أنْ قَدْ قَتَلْنا بِقَتْلانا سَراتَكُمْ … أهْلَ اللِّواءِ فَفِيما يَكْثُرُ القِيلُ [٧] ويَوْمَ بَدْرٍ لَقِيناكُمْ لَنا مَدَدٌ … فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكالُ وجِبْرِيلُ إنْ تَقْتُلُونا فَدِينُ الحَقِّ فِطْرَتُنا … والقَتْلُ فِي الحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ تَفْضِيلُ وإنْ تَرَوْا أمْرَنا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا … فَرَأْيُ مَن خالَفَ الإسْلامَ تَضْلِيلُ فَلا تَمَنَّوْا لِقاحَ الحَرْبِ واقْتَعِدُوا … إنّ أخا الحَرْبِ أصْدى اللَّوْنِ مَشْغُولُ [٨] إنّ لَكُمْ عِنْدَنا ضَرْبًا تَراحُ لَهُ … عُرْجُ الضِّباعِ لَهُ خَذْمٌ رَعابِيلُ [٩] إنّا بَنُو الحَرْبِ نَمْرِيها ونَنْتِجُها … وعِنْدَنا لِذَوِي الأضْغانِ تَنْكِيلُ [١] إنْ يَنْجُ مِنها ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَ ما بَلَغَتْ … مِنهُ التَّراقِي وأمْرُ اللَّهِ مَفْعُولُ [٢] فَقَدْ أفادَتْ لَهُ حِلْمًا ومَوْعِظَةً … لِمَن يَكُونُ لَهُ لُبٌّ ومَعْقُولُ

ولَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السَّيْلِ كافَحَكُمْ … ضَرْبٌ بِشاكِلَةِ البَطْحاءِ تَرْعِيلُ [٣]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.148-147.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ):

وقالَ كَعْبٌ أيْضًا فِي أُحُدٍ: [...] تَبَجَّسْتُ تهجو رَسُول المليك … قاتَلَكَ اللَّهُ جِلْفًا لَعِينا [٣]

تَقُولُ الخَنا ثُمَّ تَرْمِي بِهِ … نَقِيَّ الثِّيابِ تَقِيًّا أمِينا [٤]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.161.
(قَتْلُ العامِرِيَّيْنِ):

فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، حَتّى إذا كانَ بِالقَرْقَرَةِ [١] مِن صَدْرِ قَناةٍ [٢]، أقْبَلَ رَجُلانِ مِن بَنِي عامِرٍ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: (ثُمَّ [٣]) مِن بَنِي كِلابٍ، وذَكَرَ أبُو عَمْرٍو المَدَنِيُّ أنَّهُما مِن بَنِي سُلَيْمٍ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَتّى نَزَلا مَعَهُ فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ. وكانَ مَعَ العامِرِيَّيْنِ عَقْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجِوارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وقَدْ سَألَهُما حِينَ نَزَلا، مِمَّنْ أنْتُما؟ فَقالا: مِن بَنِي عامِرٍ، فَأمْهَلَهُما، حَتّى إذا ناما، عَدا عَلَيْهِما فَقَتَلَهُما، وهُوَ يَرى أنَّهُ قَدْ أصابَ بِهِما ثُؤْرَةً [٤] مِن بَنِي عامِرٍ، فِيما أصابُوا مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأخْبَرَهُ الخَبَرَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لَأدِيَنَّهُما! (حُزْنُ الرَّسُولِ مِن عَمَلِ أبِي بَراءٍ):

ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذا عَمَلُ أبِي بَراءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذا كارِهًا مُتَخَوِّفًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أبا بَراءٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ إخْفارُ عامِرٍ إيّاهُ، وما أصابَ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبَبِهِ وجِوارِهِ، وكانَ فِيمَن أُصِيبَ عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.186.
(ما قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِن الشِّعْرِ):

وكانَ مِمّا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِن الشِّعْرِ قَوْلُ ابْنِ لُقَيْمٍ العَبْسِيِّ، ويُقالُ: قالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الأشْجَعِيُّ- فَقالَ: أهْلِي فِداءٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ هالِكٍ … أحَلَّ اليَهُودَ بِالحَسِيِّ المُزَنَّمِ [١] يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضاةِ وبُدِّلُوا [٢] … أُهَيْضِبُ [٣] عُودى [٤] بِالوَدِيِّ المُكَمَّمِ [٥] فَإنْ يَكُ ظَنِّيُّ صادِقًا بِمُحَمَّدٍ … تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصَّلا ويَرَمْرَمَ [٦] يَؤُمُّ بِها عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنّهُمْ … عَدْوٌّ وما حَيٌّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ

عَلَيْهِنَّ أبْطالٌ مَساعِيرُ فِي الوَغى … يَهُزُّونَ أطْرافَ الوَشِيجِ المُقَوَّمِ [١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.196-195.
فَأجابَهُ سَمّاكٌ [١] اليَهُودِيُّ، فَقالَ:

إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ … بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أبِي الأشْرَفِ غَداةَ غَدَوْتُمْ عَلى حَتْفِهِ … ولَمْ يَأْتِ غَدِرًا ولَمْ يُخْلِفْ فَعَلَّ اللَّيالِيَ وصَرَفَ الدُّهُورَ … يُدِيلُ [٢] مِن العادِلِ المُنْصِفِ [٣] بِقَتْلِ النَّضِيرِ وأحْلافِها … وعَقْرِ النَّخِيلِ ولَمْ تُقْطَفْ [٤] فَإنْ لا أمُتْ نَأْتِكُمْ بِالقَنا … وكُلُّ حُسامٍ مَعًا مُرْهَفِ [٥] بِكَفٍّ كَمِىٍّ بِهِ يَحْتَمِي … مَتى يَلْقَ قِرْنًا لَهُ يُتْلِفْ [٦] مَعَ القَوْمِ صَخْرٌ وأشْياعُهُ … إذا غاوَرَ القَوْمَ لَمْ يَضْعُفْ [٧]

كَلَيْثِ بِتَرْجِ حَمى غِيلَهُ … أخِي غابَةٍ هاصِرٍ أجْوَفِ [٨]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.198.
غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاعِ فِي سَنَةِ أرْبَعٍ

(الأُهْبَةُ لَها): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ أقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الآخَرِ وبَعْضَ جُمادى [٥]، ثُمَّ غَزا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحارِبٍ وبَنِيَّ ثَعْلَبَةَ مِن غَطَفانَ، واسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ أبا ذَرٍّ الغِفارِيَّ [٦]، ويُقالُ: عُثْمانَ ابْن عَفّانَ، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ: (سَبَبُ تَسْمِيَتِها بِذاتِ الرِّقاعِ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَتّى نَزَلَ نَخْلًا [١]، وهِيَ غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاعِ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وإنَّما قِيلَ لَها غَزْوَةُ ذاتِ الرِّقاعِ، لِأنَّهُمْ رَقَّعُوا فِيها راياتِهِمْ، ويُقالُ: ذاتُ الرِّقاعِ: شَجَرَةٌ بِذَلِكَ المَوْضِعِ، يُقالُ لَها: ذاتُ الرِّقاعِ [٢].

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَقِيَ بِها جَمْعًا عَظِيمًا [٣] مِن غَطَفانَ، فَتَقارَبَ النّاسُ، ولَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وقَدْ خافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتّى صَلّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنّاسِ صَلاةَ الخَوْفِ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.204-203.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ عَلى هُبَيْرَةَ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أبِي وهْبٍ أيْضًا: ألا هَلْ أتى غَسّانَ عَنّا ودُونَهُمْ … مِن الأرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ [٥] صَحارٍ وأعْلامٌ كَأنَّ قَتامَها … مِن البُعْدِ نَقْعٌ هامِدٌ مُتَقَطِّعُ [٦] تَظَلُّ بِهِ البُزَّلُ العَرامِيسُ رُزَّحًا … ويَخْلُو بِهِ غَيْثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ [٧] بِهِ جِيَفُ الحَسْرى يَلُوحُ صَلِيبُها … كَما لاحَ كَتّانُ التِّجارِ المُوَضَّعُ [٨] بِهِ العَيْنُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً … وبَيْضُ نَعامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلَّعُ [٩] مُجالَدُنا [١] عَنْ دِينِنا كُلُّ فَخْمَةٍ … مُذَرَّبَةٍ فِيها القَوانِسُ تَلْمَعُ [٢] وكُلُّ صَمُوتٍ فِي الصِّوانِ كَأنَّها … إذا لُبِسَتْ تهي من الماء مترع [٣] ولَكِنْ بِبَدْرٍ سائِلُوا مَن لَقِيُتمُ … مِن النّاسِ والأنْباءُ بِالغَيْبِ تَنْفَعُ وإنّا بِأرْضِ الخَوْفِ لَوْ كانَ أهْلُها … سِوانا لَقَدْ أجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأقْشَعُوا [٤] إذا جاءَ مِنّا راكِبٌ كانَ قَوْلُهُ … أعِدُّوا لِما يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ ويَجْمَعُ [٥] فَمَهْما يُهِمُّ النّاسَ مِمّا يَكِيدُنا … فَنَحْنُ لَهُ مِن سائِرِ النّاسِ أوْسَعُ فَلَوْ غَيْرُنا كانَتْ جَمِيعًا تكيده … البريّة قَدْ أعْطَوْا يَدًا وتَوَزَّعُوا [٦] نُجالِدُ لا تَبْقى عَلَيْنا قَبِيلَةٌ … مِن النّاسِ إلّا أنْ يَهابُوا ويَفْظُعُوا [٧] ولَمّا ابْتَنَوْا بِالعَرْضِ قالَ سَراتُنا … عَلامَ إذا لَمْ تَمْنَعْ العِرْضَ نَزْرَعُ؟ [٨] وفِينا رَسُولُ اللَّهِ نَتْبَعُ أمْرَهُ … إذا قالَ فِينا القَوْلَ لا نَتَطَلَّعُ [٩] تَدَلّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِن عِنْدِ رَبِّهِ … يُنَزَّلُ مِن جَوِّ السَّماءِ ويُرْفَعُ [١٠] نُشاوِرُهُ فِيما نُرِيدُ وقَصْرُنا … إذا ما اشْتَهى أنّا نُطِيعُ ونَسْمَعُ [١١] وقالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمّا بَدَوْا لَنا … ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ المَنِيّاتِ واطْمَعُوا وكُونُوا كَمَن يَشْرِي الحَياةَ تَقَرُّبًا … إلى مَلِكٍ يُحْيا لَدَيْهِ ويُرْجَعُ [١٢] ولَكِنْ خُذُوا أسْيافَكُمْ وتَوَكَّلُوا … عَلى اللَّهِ إنّ الأمْرَ للَّه أجْمَعُ فَسِرْنا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحالهِمْ … ضُحَيًّا عَلَيْنا البِيضُ لا نَتَخَشَّعُ [١] بِمَلْمُومَةٍ فِيها السَّنَوُّرُ والقَنا … إذا ضَرَبُوا أقْدامَها لا تَوَرَّعُ [٢] فَجِئْنا إلى مَوْجٍ مِن البَحْرِ وسْطَهُ … أحابِيشُ مِنهُمْ حاسِرٌ ومُقَنَّعُ [٣] ثَلاثَةُ آلافٍ ونَحْنُ نَصِيَّةٌ … ثَلاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنا وأرْبَعُ [٤] نُغاوِرهُمْ تَجْرِي المَنِيَّةُ بَيْنَنا … نُشارِعُهُمْ حَوْضَ المَنايا ونَشْرَعُ [٥] تَهادى قِسِيُّ النَّبْعِ فِينا وفِيّهُمْ … وما هُوَ إلّا اليَثْرِبِيُّ المُقَطَّعُ [٦] ومَنجُوفَةٌ حَمِيَّةٌ صاعِدِيَّةٌ … يُذَرُّ عَلَيْها السَّمُّ ساعَةَ تُصْنَعُ [٧] تَصُوبُ بِأبْدانِ الرِّجالِ وتارَةً … تَمُرُّ بِأعْراضِ البِصارِ تَقَعْقَعُ [٨] وخَيْلٌ تَراها بِالفَضاءِ كَأنَّها … جَرادٌ صَبًا فِي قَرَّةٍ يَتَرَيَّعُ [٩] فَلَمّا تَلاقَيْنا ودارَتْ بِنا الرَّحى … ولَيْسَ لِأمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ [١٠] ضَرَبْناهُمْ حَتّى تَرَكْنا سَراتَهُمْ … كَأنَّهُمْ بِالقاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ [١١] لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى اسْتَفَقْنا عَشِيَّةً … كَأنَّ ذَكانا حَرُّ نارٍ تَلَفَّعُ [١٢] وراحُوا سِراعًا مُوجِفِينَ كَأنَّهُمْ … جَهامٌ هَراقَتْ ماءَهُ الرِّيحُ مُقْلَعُ [١] ورُحْنا وأُخْرانا بِطاءٌ كَأنَّنا … أُسُودٌ عَلى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلَّعُ [٢] فَنِلْنا ونالَ القَوْمُ مِنّا ورُبَّما … فَعَلْنا ولَكِنْ ما لَدى اللَّهِ أوْسَعُ ودارَتْ رَحانا واسْتَدارَتْ رَحاهُمْ … وقَدْ جُعِلُوا كُلٌّ مِن الشَّرِّ يَشْبَعُ ونَحْنُ أُناسٌ لا نَرى القَتْلَ سُبَّةً … عَلى كُلِّ مَن يَحْمِي الذِّمارَ ويَمْنَعُ [٣] جِلادٌ عَلى رَيْبِ الحَوادِثِ لا نَرى … عَلى هالِكٍ عَيْنًا لَنا الدَّهْرَ تَدْمَعُ [٤] بَنُو الحَرْبِ لا نَعْيا [٥] بِشَيْءٍ نَقُولُهُ … ولا نَحْنُ مِمّا جَرَّتْ الحَرْبُ نَجْزَعُ بَنُو الحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنا بِفُحَّشٍ … ولا نَحْنُ مِن أظْفارِها نَتَوَجَّعُ وكُنّا شِهابًا يُتَّقى النّاسُ حَرُّهُ … ويَفْرُجُ عَنْهُ مَن يَلِيهِ ويَسْفَعُ [٦] فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزِّبَعْرى وقَدْ سَرى … لَكُمْ طَلَبٌ مِن آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبَعُ فَسَلْ عَنْكَ فِي عُلْيا مَعَدٍّ وغَيْرِها … مِن النّاسِ مَن أخْزى مَقامًا وأشْنَعُ ومَن هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الحَرْبُ مَفْخَرًا … ومَن خَدُّهُ يَوْمَ الكَرِيهَةِ أضْرَعُ [٧] شَدَدْنا بِحَوْلِ اللَّهِ والنَّصْرِ شَدَّةً … عَلَيْكُمْ وأطراف الأسنّة شرّع تَكُرُّ القَنا فِيكُمْ كَأنَّ فُرُوعَها … عَزالِي مَزادٍ ماؤُها يَتَهَزَّعُ [٨] عَمَدْنا إلى أهْلِ اللِّواءِ ومَن يَطِرْ … بِذِكْرِ اللِّواءِ فَهُوَ فِي الحَمْدِ أسْرَعُ فَخانُوا وقَدْ أعْطَوْا يَدًا وتَخاذَلُوا … أبى اللَّهُ إلّا أمْرَهُ وهُوَ أصْنَعُ قالَ ابْنُ هِشامٍ: وكانَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ قَدْ قالَ: مُجالَدُنا عَنْ جِذْمِنا [١] كُلُّ فَخْمَةٍ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيَصْلُحُ أنْ تَقُولَ: مُجالَدُنا عَنْ دِينِنا؟ فَقالَ كَعْبٌ: نَعَمْ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَهُوَ أحْسَنُ، فَقالَ كَعْبٌ:

مُجالَدُنا عَنْ دِينِنا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.135-133.
(هَمَّ الرَّسُولُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ بَيْنَهُ وبَيْنَ غَطَفانَ ثُمَّ عَدَلَ): فَلَمّا اشْتَدَّ عَلى النّاسِ البَلاءُ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَما حَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ ومَن لا أتَّهِمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ [٢] اللَّهِ بْنِ شِهابٍ الزُّهْرِيِّ، إلى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وإلى الحارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أبِي حارِثَةَ المُرِّيِّ، وهُما قائِدا غَطَفانَ، فَأعْطاهُما ثُلُثَ ثِمارِ المَدِينَةِ عَلى أنْ يَرْجِعا بِمَن مَعَهُما عَنْهُ وعَنْ أصْحابِهِ، فَجَرى بَيْنَهُ وبَيْنَهُما الصُّلْحُ، حَتّى كَتَبُوا الكِتابَ ولَمْ تَقَعْ الشَّهادَةُ ولا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ، إلّا المُراوَضَةُ فِي ذَلِكَ. فَلَمّا أرادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ وسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُما، واسْتَشارَهُما فِيهِ، فَقالا لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أمْرًا نُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أمْ شَيْئًا أمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، لا بُدَّ لَنا مِن العَمَلِ بِهِ، أمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنا؟ قالَ: بَلْ شَيْءٌ أصْنَعُهُ لَكُمْ، واَللَّهِ ما أصْنَعُ ذَلِكَ إلّا لِأنَّنِي رَأيْتُ العَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ واحِدَةٍ، وكالَبُوكُمْ [٣] مِن كُلِّ جانِبٍ، فَأرَدْتُ أنْ أكْسِرَ عَنْكُمْ مِن شَوْكَتِهِمْ إلى أمْرٍ ما، فَقالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنّا نَحْنُ وهَؤُلاءِ القَوْمُ عَلى الشِّرْكِ باللَّه وعِبادَةِ الأوْثانِ، لا نَعْبُدُ اللَّهَ ولا نَعْرِفُهُ، وهُمْ لا يَطْمَعُونَ أنْ يَأْكُلُوا مِنها تَمْرَةً إلّا قِرًى [٤] أوْ بَيْعًا، أفَحِينَ أكْرَمْنا اللَّهُ بِالإسْلامِ وهَدانا لَهُ وأعَزَّنا بِكَ وبِهِ، نُعْطِيهِمْ أمْوالَنا! (واَللَّهِ) [٥] ما لَنا بِهَذا مِن حاجَةٍ، واَللَّهِ لا نُعْطِيهِمْ إلّا السَّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وبَيْنَهُمْ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأنْتَ وذاكَ. فَتَناوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ الصَّحِيفَةَ، فَمَحا ما فِيها مِن الكِتابِ، ثُمَّ قالَ: لِيَجْهَدُوا عَلَيْنا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.223.
وأقْبَلَتْ الفُرْسانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وكانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ قاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى أثْبَتَتْهُ الجِراحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ الخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا [١] لِيُرِيَ مَكانَهُ. فَلَمّا وقَفَ هُوَ وخَيْلُهُ، قالَ: مَن يُبارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ لَهُ: يا عَمْرُو، إنّكَ قَدْ كُنْتُ عاهَدْتُ اللَّهَ ألّا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ إلى إحْدى خَلَّتَيْنِ إلّا أخَذْتَها مِنهُ، قالَ لَهُ: أجَلْ، قالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَإنِّي أدْعُوكَ إلى اللَّهِ وإلى رَسُولِهِ، وإلى الإسْلامِ، قالَ: لا حاجَةَ لِي بِذَلِكَ، قالَ: فَإنِّي أدْعُوكَ إلى النِّزالِ، فَقالَ لَهُ: لِمَ يا بن أخى؟ فو الله ما أُحِبُّ أنْ أقْتُلَكَ، قالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَكِنِّي واَللَّهِ أُحِبُّ أنْ أقْتُلَكَ، فَحَمى [٢] عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ، فاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ، وضَرَبَ وجْهَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ، فَتَنازَلا وتَجاوَلا، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ﵁ [٣]. وخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً، حَتّى اقْتَحَمَتْ مِن الخَنْدَقِ هارِبَةً.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.225.
(مَقْتَلُ بَنِي قُرَيْظَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ فِي دارِ بِنْتِ الحارِثِ [٢]، امْرَأةٍ مِن بَنِي النَّجّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى سُوقِ المَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُها اليَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِها خَنادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أعْناقَهُمْ فِي تِلْكَ الخَنادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أرْسالًا [١]، وفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ، وكَعْبُ بْنُ أسَدٍ، رَأْسُ القَوْمِ، وهم ستّ مائَة أو سبع مائَة، والمُكْثِرُ لَهُمْ يَقُولُ: كانُوا بَين الثمان مائَة والتسع مائَة. وقَدْ قالُوا لِكَعْبِ بْنِ أسَدٍ، وهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أرْسالًا: يا كَعْبُ، ما تَراهُ يُصْنَعُ بِنا؟ قالَ: أفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لا تَعْقِلُونَ؟ ألا تَرَوْنَ الدّاعِيَ لا يَنْزِعُ، وأنَّهُ مَن ذُهِبَ بِهِ مِنكُمْ لا يَرْجِعُ؟ هُوَ واَللَّهِ القَتْلُ! فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتّى فَرَغَ مِنهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.241-240.
ثُمَّ قالَ: «مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنهُمْ مَن قَضى نَحْبَهُ»: أيْ فَرَغَ مِن عَمَلِهِ، ورَجَعَ إلى رَبِّهِ، كَمَن [١] اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ ويَوْمَ أُحُدٍ.

(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشامٍ لِبَعْضِ الغَرِيبِ): قالَ ابْنُ هِشامٍ: قَضى نَحْبَهُ: ماتَ، والنَّحْبُ: النَّفْسُ، فِيما أخْبَرَنِي أبُو عُبَيْدَةَ وجَمْعُهُ: نُحُوبٌ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ: عَشِيَّةَ فرّ الحارثيّون بعد ما … قضى نحبه فِي [٢] ملتقى الخَيل هوبر وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وهَوْبَرُ: مِن بَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، أرادَ: يَزِيدَ ابْن هَوْبَرٍ. والنَّحْبُ (أيْضًا): النَّذْرُ. قالَ جَرِيرُ بْنُ الخَطْفِيِّ: بِطِخْفَةَ جالَدْنا [٣] المُلُوكَ وخَيْلُنا … عَشِيَّةَ بِسْطامٍ جَرَيْنَ عَلى نَحْبِ يَقُولُ: عَلى نَذْرٍ كانَتْ نَذَرَتْ أنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ، وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وبِسْطامٌ: بِسْطامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشَّيْبانِيِّ، وهُوَ ابْنُ ذِي الجَدَّيْنِ. حَدَّثَنِي أبُو عُبَيْدَةَ: أنَّهُ كانَ فارِسَ رَبِيعَةَ بْنِ نِزارٍ. وطِخْفَةُ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ البَصْرَةِ [٤] والنَّحْبُ (أيْضًا): الخِطارُ، وهُوَ: الرِّهانُ. قالَ الفَرَزْدَقُ: وإذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلى النّاسِ أيُّنا … عَلى النَّحْبِ أعْطى لِلْجَزِيلِ وأفْضَلُ والنَّحْبُ (أيْضًا): البُكاءُ. ومِنهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ. والنَّحْبُ (أيْضًا): الحاجَةُ والهِمَّةُ، تَقُولُ: ما لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ. قالَ مالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ اليَرْبُوعِي: وما لِي نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ أنَّنِي … تَلَمَّسْتُ ما تَبْغِي من الشّدن الشّجر [٥] وقالَ نَهارُ بْنُ تَوْسِعَةَ، أحَدُ بَنِي تَيْمِ اللّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ. قالَ ابْنُ هِشام: هَؤُلاءِ موالٍ بَنِي حَنِيفَةَ [١]: ونَجّى يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ رَكْضٌ … دِراكٌ بَعْدَ ما وقَعَ اللِّواءُ [٢] ولَوْ أدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ نَحْبًا [٣] … بِهِ ولِكُلِّ مُخْطَأةٍ وِقاءُ والنَّحْبُ (أيْضًا): السَّيْرُ الخَفِيفُ المُرُّ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ [٤]: «ومِنهُمْ مَن يَنْتَظِرُ ٣٣: ٢٣»: أيْ ما وعَدَ اللَّهُ بِهِ مِن نَصْرِهِ، والشَّهادَةُ عَلى ما مَضى عَلَيْهِ أصْحابُهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: وما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ٣٣: ٢٣: أيْ ما شَكُّوا وما تَرَدَّدُوا فِي دِينِهِمْ، وما اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ إنْ شاءَ، أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا. ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ٣٣: ٢٤- ٢٥: أيْ قُرَيْشًا وغَطَفانَ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا، وكَفى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ وكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا. وأنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِن أهْلِ الكِتابِ ٣٣: ٢٥- ٢٦: أيْ بَنِي قُرَيْظَةَ «مِن صَياصِيهِمْ ٣٣: ٢٦»، والصَّياصِي: الحُصُونُ والآطامُ الَّتِي كانُوا فِيها. قالَ ابْنُ هِشامٍ: قالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الحِسْحاسِ، وبَنُو الحِسْحاسِ مِن بَنِي أسَدِ ابْن خُزَيْمَةَ: وأصْبَحَتْ الثِّيرانُ صَرْعى وأصْبَحَتْ … نِساءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّياصِيا [٥] وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. والصَّياصِيُّ (أيْضًا): القُرُونُ. قالَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ: وِسادَةَ رَهْطِي حَتّى بَقِيتُ … فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الأعْضَبِ [٦] يَقُولُ: أصابَ المَوْتُ سادَةَ رَهْطِي [٧]. وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وقالَ أبُو دَواُدَ الإيادِيُّ [٨]: فَذَعَرْنا سُحْمَ الصَّياصِي بِأيْدِيهِنَّ … نَضْحٌ مِن الكُحَيْلِ وقارُ [١] وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ [٢]. والصَّياصِي (أيْضًا): الشَّوْكُ الَّذِي لِلنَّسّاجِينَ، فِيما أخْبَرَنِي أبُو عُبَيْدَةَ. وأنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ الجُشَمِىِّ، جُشَمُ بْنُ مُعاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوازِنَ: نَظَرْتُ إلَيْهِ والرِّماحُ [٣] تَنُوشُهُ [٤] … كَوَقْعِ الصَّياصِي فِي النَّسِيجِ المُمَدَّدِ وهَذا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. والصَّياصِيُّ (أيْضًا): الَّتِي تَكُونُ فِي أرْجُلِ الدِّيَكَةِ ناتِئَةً كَأنَّها القُرُونُ الصِّغارُ، والصَّياصِي (أيْضًا): الأُصُولُ. أخْبَرَنِي أبُو عُبَيْدَةَ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: جَذَّ اللَّهُ صِيصِيَتَهُ: أيْ أصْلَهُ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: «وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ٣٣: ٢٦»: أيْ قَتَلَ الرِّجالَ، وسَبى الذَّرارِيَّ والنِّساءَ، «وأوْرَثَكُمْ أرْضَهُمْ ودِيارَهُمْ وأمْوالَهُمْ وأرْضًا لَمْ تَطَؤُها ٣٣: ٢٧»: يَعْنِي خَيْبَرَ «وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ٣٣: ٢٧». (وفاةُ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ وما ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَمّا انْقَضى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعاذٍ جُرْحُهُ، فَماتَ مِنهُ شَهِيدًا.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.250-248.
(شُهَداءُ المُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: واسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِن المُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِن بَنِي الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ: خَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إنّ لَهُ لَأجْرَ شَهِيدَيْنِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.254.
ما قِيلَ مِن الشِّعْرِ فِي أمْرِ الخَنْدَقِ وبَنِي قُرَيْظَةَ

(شِعْرُ ضِرارٍ): وقالَ ضِرارُ بْنُ الخَطّابِ بْنِ مِرْداسٍ، أخُو بَنِي مُحارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ الخَنْدَقِ: ومُشْفِقَةٌ تَظُنُّ بِنا الظَّنُونا … وقَدْ قُدْنا عَرَنْدَسَةً طَحُونا [١] كَأنَّ زُهاءَها أُحُدٌ إذا ما … بَدَتْ أرْكانُهُ لِلنّاظِرِينا [٢] تَرى الأبْدانَ فِيها مُسْبِغاتٍ … عَلى الأبْطالِ واليَلَبَ الحَصِينا [٣] وجُرْدًا كالقِداحِ مُسَوَّماتٍ … نَؤُمُّ بها الغواة الخاطئينا [٤] كَأنَّهُمْ إذا صالُوا وصُلْنا … بِبابِ الخَنْدَقَيْنِ مُصافِحُونا [١] أُناسٌ لا نَرى فِيهِمْ رَشِيدًا … وقَدْ قالُوا ألَسْنا راشِدِينا فَأحْجَرْناهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا … وكُنّا فَوْقَهُمْ كالقاهِرِينا [٢] نُراوِحُهُمْ ونَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ … عَلَيْهِمْ فِي السِّلاحِ مُدَجَّجِينا [٣] بِأيْدِينا صَوارِمُ مُرْهَفاتٌ … نَقُدُّ بها المفارق والشّؤنا [٤] كَأنَّ ومِيضَهُنَّ مُعَرَّياتٍ … إذا لاحَتْ بِأيْدِي مُصْلِتِينا [٥] ومِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ … تَرى فِيها العَقائِقَ مُسْتَبِينا [٦] فَلَوْلا خَنْدَقٌ كانُوا لَدَيْهِ … لَدَمَّرْنا عَلَيْهِمْ أجْمَعِينا ولَكِنْ حالَ دُونَهُمْ وكانُوا … بِهِ مِن خَوْفِنا مُتَعَوِّذِينا فَإنْ نَرْحَلْ فَإنّا قَدْ تَرَكْنا … لَدى أبْياتِكُمْ سَعْدًا رَهِينا إذا جَنَّ الظَّلامُ سَمِعْتَ نَوْحى … عَلى سَعْدٍ يُرَجِّعْنَ الحَنِينا [٧] وسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمّا قَرِيبٍ … كَما زُرْناكُمْ مُتَوازِرِينا [٨]

بِجَمْعٍ مِن كِنانَةَ غَيْرَ عُزْلٍ … كَأُسْدِ الغابِ قَدْ حَمَتِ العَرِينا [٩]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.255.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ على ضرار):

فَأجابَهُ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ، أخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقالَ: وسائِلَةٍ تُسائِلُ ما لَقِينا … ولَوْ شَهِدَتْ رَأتْنا صابِرِينا صَبَرْنا لا نَرى للَّه عَدْلًا … عَلى ما نابَنا مُتَوَكِّلِينا

وكانَ لَنا النَّبِيُّ وزِيرَ صِدْقٍ … بِهِ نَعْلُو البَرِيَّةَ أجْمَعِينا
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.256-255.
قالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ فِي يَوْمِ الخَنْدَقِ: [...]

أمَرَ الإلَهُ بِرَبْطِها لِعَدُوِّهِ … فِي الحَرْبِ إنّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ وحُيَّطا … لِلدّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ [٨] ويُعِينُنا اللَّهُ العَزِيزُ بِقُوَّةٍ … مِنهُ وصِدْقِ الصَّبْرِ ساعَةَ نَلْتَقِي ونُطِيعُ أمْرَ نَبِيِّنا ونُجِيبُهُ … وإذا دَعا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ ومَتى يُنادِ إلى الشَّدائِدِ نَأْتِها … ومَتى نَرَ الحَوْماتِ فِيها نُعْنِقْ [٩] مَن يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ فَإنَّهُ … فِينا مُطاعُ الأمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ فَبِذاكَ يَنْصُرنا ويُظْهِرُ عِزَّنا … ويُصِيبُنا مِن نَيْلِ ذاكَ بِمِرْفَقِ إنّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا … كَفَرُوا وضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ المُتَقِّي قالَ ابْنُ هِشامٍ أنْشَدَنِي بَيْتَهُ: تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوى تَكُونُ لِباسَنا وبَيْتَهُ: مَن يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ أبُو زَيْدٍ. وأنْشَدَنِي: تَنْفِي الجُمُوعَ كَرَأْسِ قُدْسِ المَشْرِقِ [١] قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وقالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ فِي يَوْمِ الخَنْدَقِ:

لَقَدْ عَلِمَ الأحْزابُ حِينَ تَألَّبُوا … عَلَيْنا ورامُوا دِينَنا ما نُوادِعُ [٢]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.263-261.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ [٧]: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: وكانَ مِمّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ مِن الأنْصارِ، والأوْسِ والخَزْرَجِ، كانا يَتَصاوَلانِ [١] مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصاوُلَ الفَحْلَيْنِ، لا تَصْنَعُ الأوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَناءً [٢] إلّا قالَتْ الخَزْرَجُ: واَللَّهِ لا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وفِي الإسْلامِ. قالَ: فَلا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَها، وإذا فَعَلَتْ الخَزْرَجُ شَيْئًا قالَتْ الأوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ. ولَمّا أصابَتْ الأوْسَ كَعْبَ بْنَ الأشْرَفِ فِي عَداوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَتْ الخَزْرَجُ: واَللَّهِ لا تَذْهَبُونَ بِها فَضْلًا عَلَيْنا أبَدًا، قالَ: فَتَذاكَرُوا: مَن رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي العَداوَةِ كابْنِ الأشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أبِي الحُقَيْقِ، وهُوَ بِخَيْبَرِ، فاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِهِ، فَأذِنَ لَهُمْ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.274-273.
(شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الأشْرَفِ وابْنِ أبِي الحُقَيْقِ):

قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ وهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، وقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أبِي الحُقَيْقِ: للَّه دَرُّ عِصابَةٍ لاقَيْتَهُمْ … يا بْنَ الحُقَيْقِ وأنْتَ يا بن الأشْرَفِ [١] يَسْرُونَ بِالبِيضِ الخِفافِ إلَيْكُمْ … مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ [٢] حَتّى أتَوْكُمْ فِي مَحِلِّ بِلادِكُمْ … فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفَّفِ [٣] مُسْتَبْصِرِينَ [٤] لِنَصْرِ دِينِ نَبِيِّهِمْ … مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلِّ أمْرٍ مُجْحِفٍ [٥]

قالَ ابْنُ هِشامٍ: قَوْلُهُ: «ذُفَّفِ»، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحاقَ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.276.
غَزْوَةُ بَنِي لِحْيانَ

(خُرُوجُ الرَّسُولِ إلى بَنِي لِحْيانَ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ [٢]: ثُمَّ أقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ ذا الحَجَّةِ والمُحَرَّمَ وصَفَرًا وشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وخَرَجَ فِي جُمادى الأُولى عَلى رَأْسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِن فَتْحِ قُرَيْظَةَ، إلى بَنِي لِحْيانَ يَطْلُبُ بِأصْحابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ وأصْحابَهُ، وأظْهَرَ أنَّهُ يُرِيدُ الشّامَ، لِيُصِيبَ مِن القَوْمِ غِرَّةً [٣]. (اسْتِعْمالُهُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلى المَدِينَةِ): فَخَرَجَ مِن المَدِينَةِ صلى الله عليه وسلم، واسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ. (طَرِيقُهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ رُجُوعُهُ عَنْهُمْ): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَسَلَكَ عَلى غُرابٍ، جَبَلٍ بِناحِيَةِ المَدِينَةِ عَلى طَرِيقِهِ إلى الشّامِ، ثُمَّ عَلى مَحِيصٍ [٤]، ثُمَّ عَلى البَتْراءِ، ثُمَّ صَفَّقَ [٥] ذاتَ اليَسارِ، فَخَرَجَ عَلى بَيْنٍ [٦]، ثُمَّ عَلى صُخَيْراتِ اليَمامِ [٧]، ثُمَّ اسْتَقامَ بِهِ الطَّرِيقُ عَلى المَحَجَّةِ مِن طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأغَذَّ [٨] السَّيْرَ سَرِيعًا، حَتّى نَزَلَ عَلى غُرانَ، وهِيَ مَنازِلُ بَنِي لِحْيانٍ، وغُرانُ وادٍ بَيْنَ أمَجَّ وعُسْفانَ، إلى بَلَدٍ يُقالُ لَهُ: سايَةُ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وتَمَنَّعُوا فِي رُءُوسِ الجِبالِ. فَلَمّا نَزَلَها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأخْطَأهُ مِن غِرَّتِهِمْ ما أرادَ، قالَ: لَوْ أنّا هَبَطْنا عُسْفانَ لَرَأى أهْلُ مَكَّةَ أنّا قَدْ جِئْنا مَكَّةَ، فَخرج فِي مِائَتي راكِبٍ مِن أصْحابِهِ حَتّى نَزَلَ عُسْفانَ، ثُمَّ بَعَثَ فارِسَيْنِ مِن أصْحابِهِ حَتّى بَلَغا كُراعَ الغَمِيمِ [١]، ثُمَّ كَرَّ وراحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قافِلًا [٢]. (مَقالَةُ الرَّسُولِ فِي رُجُوعِهِ): فَكانَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ وجه راجعا: آئبون تائِبُونَ إنْ شاءَ اللَّهُ لِرَبِّنا حامِدُونَ، أعُوذُ باللَّه مِن وعْثاءِ [٣] السَّفَرِ، وكَآبَةِ [٤] المُنْقَلَبِ، وسُوءِ المَنظَرِ فِي الأهْلِ والمالِ. (شِعْرُ كَعْبٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيانَ): والحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيانَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، فَقالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيانَ: لَوْ أنَّ بَنِي لِحْيانَ كانُوا تَناظَرُوا … لَقُوا عُصَبًا فِي دارِهِمْ ذاتَ مَصْدَقِ [٥] لَقُوا سَرَعانًا يَمْلَأُ السَّرْبَ رَوْعُهُ … أمامَ طَحُونٍ كالمَجَرَّةِ فَيْلَقِ [٦]

ولَكِنَّهُمْ كانُوا وِبارًا تَتَبَّعَتْ … شِعابَ حِجازٍ غَيْرِ ذِي مُتَنَفَّقِ [١]
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.281-279.
(شِعْرُ كَعْب فِي يوذى قَرَدٍ):

وقالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ لِلْفَوارِسِ: أتَحْسَبُ أوْلادُ اللَّقِيطَةِ أنَّنا … عَلى الخَيْلِ لَسْنا مِثْلَهُمْ فِي الفَوارِسِ وإنّا أُناسٌ لا نَرى القَتْلَ سُبَّةً … ولا نَنْثَنِي عِنْدَ الرِّماحِ المَداعِسِ [٤] وإنّا لَنَقْرِي الضَّيْفَ مِن قَمَعِ الذُّرا … ونَضْرِبُ رَأْسَ الأبْلَخِ المُتَشاوِسِ [١] نَرُدُّ كُماةَ المُعْلَمِينَ إذا انْتَخَوْا … بِضَرْبٍ يُسْلِي نَخْوَةَ المُتَقاعِسِ [٢] بِكُلِّ فَتًى حامِي الحَقِيقَةَ ماجِدٍ … كَرِيمٍ كَسِرْحانِ الغَضاةِ مُخالِسِ [٣] يَذُودُونَ عَنْ أحْسابهِمْ وتِلادِهِمْ … بِبِيضٍ تَقُدُّ الهامَ تَحْتَ القَوانِسِ [٤] فَسائِلْ بَنِي بَدْرٍ إذا ما لَقِيتَهُمْ … بِما فَعَلَ الإخْوانُ يَوْمَ التَّمارُسِ [٥] إذا ما خَرَجْتُمْ فاصْدُقُوا [٦] مَن لَقِيتُمْ … ولا تَكْتُمُوا أخْبارَكُمْ فِي المَجالِسِ وقُولُوا زَلِلْنا عَنْ مَخالِبِ خادِرٍ … بِهِ وحَرٌ فِي الصَّدْرِ ما لَمْ يُمارِسْ [٧]

قالَ ابْنُ هِشامٍ: أنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وإنّا لَنَقْرِي الضَّيْفَ» أبُو زَيْدٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.288-287.
غَزْوَةُ بَنِي المُصْطَلِقِ [٦]

(وقْتُها): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَأقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ بَعْضَ جُمادى الآخِرَةِ ورَجَبًا، ثُمَّ غَزا بَنِي المُصْطَلِقِ مِن خُزاعَةَ، فِي شَعْبانَ سَنَةَ سِتٍّ [٧]. (اسْتِعْمالُ أبِي ذَرٍّ عَلى المَدِينَةِ): قالَ ابْنُ هِشامٍ: واسْتَعْمَلَ عَلى المَدِينَةِ أبا ذَرٍّ الغِفارِيِّ، ويُقالُ: نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ. (سَبَبُ غَزْوِ الرَّسُول لَهُم): قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ حِبّانَ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي المُصْطَلِقِ، قالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ بَنِي المُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وقائِدُهُمْ الحارِثُ بْنُ أبِي ضِرارٍ أبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحارِثِ، زَوْجِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ، حَتّى لَقِيَهُمْ عَلى ماءٍ لَهُمْ [١] يُقالُ لَهُ: المُرَيْسِيعُ، مِن ناحِيَةِ قَدِيدٍ إلى السّاحِلِ، فَتَزاحَفَ النّاسُ واقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي المُصْطَلِقِ، وقُتِلَ مَن قُتِلَ مِنهُمْ، ونَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبْناءَهُمْ ونِساءَهُمْ وأمْوالَهُمْ، فَأْفاءَهُمْ عَلَيْهِ. (مَوْتُ ابْنِ صُبابَةَ):

وقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِن المُسْلِمِينَ مِن بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عامِرِ بْنِ لَيْثِ ابْن بَكْرٍ، يُقالُ لَهُ: هِشامُ بْنُ صُبابَةَ، أصابَهُ رَجُلٌ مِن الأنْصارِ مِن رَهْطِ عُبادَةَ ابْن الصّامِتِ، وهُوَ يَرى أنَّهُ مِن العَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خَطَأٍ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.290-289.
(الرَّسُولُ وبِشْرُ بْنُ سُفْيانَ): قالَ الزُّهْرِيُّ: وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتّى إذا كانَ بِعُسْفانَ [١] لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيانَ الكَعْبِيُّ- قالَ ابْنُ هِشامٍ: ويُقالُ بُسْرٌ- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَدْ سَمِعْتُ بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ العُوذُ المَطافِيلُ [٢]، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، وقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى [٣]، يُعاهِدُونَ اللَّهَ لا تَدْخُلُها عَلَيْهِمْ أبَدًا، وهَذا خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدَّمُوها إلى كُراعِ الغَمِيمِ [٤]، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا ويْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أكَلَتْهُمْ الحَرْبُ، ماذا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وبَيْنَ سائِرِ العَرَبِ، فَإنْ هُمْ أصابُونِي كانَ الَّذِي أرادُوا، وإنْ أظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الإسْلامِ وافِرِينَ، وإنْ لَمْ يَفْعَلُوا قاتَلُوا وبِهِمْ قُوَّةٌ، فَما تظنّ قُرَيْش، فو الله لا أزالُ أُجاهِدُ عَلى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السّالِفَةُ [٥]، ثُمَّ قالَ: مَن رَجُلٌ يَخْرَجُ بِنا عَلى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ الَّتِي هُمْ بِها؟
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.309.
(عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُود رَسُول الله مِن قُرَيْشٍ إلى الرَّسُولِ):

قالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنِّي قَدْ رَأيْتُ ما يَلْقى مِنكُمْ مَن بَعَثْتُمُوهُ إلى مُحَمَّدٍ إذْ جاءَكُمْ مِن التَّعْنِيفِ وسُوءِ اللَّفْظِ، وقَدْ عَرَفْتُمْ أنَّكُمْ والِدٌ [١] وإنِّي ولَدٌ- وكانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وقَدْ سَمِعْتُ بِاَلَّذِي نابَكُمْ، فَجَمَعْتُ مَن أطاعَنِي مِن قَوْمِي، ثُمَّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ [٢] بِنَفْسِي، قالُوا: صَدَقْتُ، ما أنْتَ عِنْدَنا بِمُتَّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتّى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّد، أجمعت أو شاب [٣] النّاسِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ إلى بَيْضَتِكَ [٤] لِتَفُضَّها [٥] بِهِمْ، إنّها قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَها العُوذُ المَطافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعاهِدُونَ اللَّهَ لا تَدْخُلُها عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أبَدًا. واَيْمُ اللَّهِ، لِكَأنِّي بِهَؤُلاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْكَ غَدًا. قالَ: وأبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ، فَقالَ: امصص بظر اللات، أنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قالَ: مَن هَذا يا مُحَمَّدُ؟ قالَ: هَذا ابْنُ أبِي قُحافَةَ، قالَ: أما واَللَّهِ لَوْلا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَكافَأْتُكَ بِها، ولَكِنْ هَذِهِ بِها، قالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَتَناوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُكَلِّمُهُ.

قالَ: والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ واقِفٌ عَلى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيدِ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.313.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر. فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجد بن قيس، أخو بني سلمة، فكان جابر بن عبد الله يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته. قد ضبأ [1] إليها، يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.316-315.
فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا أبا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ واحْتَسِبْ، فَإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ لَكَ ولِمَن مَعَكَ مِن المُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا ومَخْرَجًا، إنّا قَدْ عَقَدْنا بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ صُلْحًا، وأعْطَيْناهُمْ عَلى ذَلِكَ، وأعْطَوْنا عَهْدَ اللَّهِ، وإنّا لا نَغْدِرُ بِهِمْ، قالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ مَعَ أبِي جَنْدَلٍ يَمْشِي إلى جَنْبِهِ، ويَقُولُ: اصْبِرْ يا أبا جَنْدَلٍ، فَإنَّما هُمْ المُشْرِكُونَ، وإنَّما دَمُ أحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قالَ: ويُدْنِي قائِمَ السَّيْفِ مِنهُ. قالَ: يَقُولُ عُمَرُ: رَجَوْتُ أنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبُ بِهِ أباهُ، قالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأبِيهِ، ونَفَذَتْ القَضِيَّةُ.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.319-318.
ثُمَّ قالَ تَعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وأثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. ومَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ، ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا. وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها، وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ٤٨: ١٨- ٢١.
ابن هشام (ت 833). سيرة ابن هشام ت السقا. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.321.