إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم

الحجازية القديمة

من ویکی اسلام
مراجعة ١٨:٣٦، ٢٧ فبراير ٢٠٢٤ بواسطة Iarabi (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

من المُسَلَّم به لدى المسلمين والأكاديميين الغربيين أن الحركات الإعرابية القصيرة في أواخر الكلمات هي جزء أصيل من لغة القرآن ولغة العرب المحكية في الجاهلية وفي قرون الإسلام الأولى، وينعكس هذا الاعتقاد جلياً في الكيفية التي يتلو بها المسلمون القرآن ويقرأون الحديث، وكذلك ينعكس في الأفلام والمسلسلات التي تدور أحداثها في تلك الحقبة مثل فيلم الرسالة والذي فيه يتحدث الممثلون بالحركات الإعرابية وينطقون كل الهمزات. وهذا الاعتقاد يعززه أيضاً ادعاء علماء المسلمين بأن القراءات العشر بما فيها قراءة حفص – وهي الشائعة بين المسلمين اليوم – قد وصلتنا بأدق تفاصيلها بالتواتر عن الرسول، وتتفق القراءات العشر على استخدام الحركات الإعرابية القصيرة ولكن تختلف في درجة نطق الهمزات، وقراءة حفص هي من أكثر القراءات العشر نطقاً للهمزة، ولشيوع قراءة حفص في القرون الأخيرة صار نطق الهمزة في كل الكلمات من سمات العربية الفصحى.

ولكن الدراسات الأكاديمية الحديثة، والتي تصدرها الباحثان أحمد الجلاد ومارين فان بوتن، أثبتت أن لغة القرآن وأهل الحجاز قد خلت من خاصيتين رئيسيتين من خصائص الفصحى: الحركات الإعرابية القصيرة، والهمز. وقد توصل الباحثان لهذه النتيجة من خلال:

1- النصوص العربية العائدة لقرون الإسلام الأولى والمكتوبة بأحرف غير عربية؛ حيث أظهرت النصوص العربية المكتوبة بأحرف يونانية أظهرت غياب الحركات الإعرابية القصيرة نظراً لأن الأبجدية اليونانية تكتب الحركات القصيرة على خلاف الأبجدية العربية، وأظهرت هذه النصوص أيضاً غياب التنوين. أما النصوص العربية المكتوبة بالعبرية فقد أظهرت غياب التنوين لعدم كتابة النون، وأظهرت كذلك غياب الحركات الإعرابية القصيرة؛ فعلى الرغم من أن الأبجدية العبرية هي كالعربية لا تكتب الحركات القصيرة، إلا أن غيابها يمكن في النصوص العبرية يمكن استنتاجه من عدم وجود أي حالة كُتبت فيها التاء المربوطة كتاء (حين تكون الكلمة غير مضافة) لأن التاء المربوطة في غير الإضافة لا تنُطق في الفصحى تاءً إلا إذا لحقتها الحركة الإعرابية.

2- دراسة رسم المصحف واستنتاج خصائصه اللغوية بشكل مستقل بعيداً عن الافتراض المسبق بأنه مكتوب بالعربية الفصحى. وقد تبين أن الخصائص اللغوية المستنتجة تطابق خصائص النصوص العربية المبكرة المكتوبة باليونانية والعبرية.

أطلق الباحثان على اللغة الأصلية للقرآن وأهل الحجاز اسم "الحجازية القديمة".

خصائص الحجازية القديمة

1- غياب التنوين وغياب الحركات القصيرة (الضمة والفتحة والكسرة) في أواخر الكلمات، باستثناء حالة الإضافة حيث تظهر فيها الحركة الإعرابية لأن إضافة كلمة على أخرى تحولهما إلى وحدة واحدة فتصبح الحركة الإعرابية كأنها ليست في آخر الكلمة بل في وسط الوحدة؛ فمثلا: "هذا بيتٌ جميل" في الحجازية القديمة تصبح: "هذا بيتْ جميل". أما "هذا بيتُ زيد" فلأن "بيت" هنا هي مضافة فإن الحركة الإعرابية تظهر عليها: بيتُ زيد، أو كما في الآية: مالكِ يومِ الدين. ومن هذا الباب أيضاً فإنه حين يتصل ضمير بآخر الكلمة سواء كانت الكلمة اسماً أو فعلاً فإن الحركة القصيرة في آخر الكلمة تظهر كما نجد في بردية دمشق العائدة للقرن الهجري الثالث حيث كُتبت "منحوتاتهم" و"أوثانهم" بالإعراب  manḥūtātihum, awthānihum  .

2- التاء المربوطة لا تُنطق تاءً إلا في حال الإضافة فقط كما هو الحال في اللهجات العامية: "رحمةٌ من الله" تصبح: "رحمهْ من الله". أما "رحمةُ الله" - أي بالإضافة - فتنطق كما في الفصحى: رحمتُ الله.

3- الاسم المنوَّن المفتوح يُنطق آخره بالألف (الفتحة الطويلة)؛ فمثلاً "قرأتُ كتاباً جميلا" تصبح: "قرأتْ كتابا جميلا" .

4- إعراب الأسماء الخمسة والأفعال الخمسة والجمع المذكر السالم والمثنى كله يُعرب كما في الفصحى: "المعلمون هنا"، "رأيت المعلمين"، "معلمو المدرسة كثيرون"، "رأيت أبا زيد"، "مررت على أبي زيد"، "هذا أبو زيد" ... إلخ. يُستثنى من هذا أن نون المثنى والجمع رغم أنها تُحذف في الكتابة عند الإضافة لكنها تنطق في الكلام كما في البردية التي كُتبت فيها بالعربية "شهري ربيع" في حين كُتبت باليونانية بالنون: شهرين ربيع.

5- هاء الغائب إذا لم يتصل بها شيء فإنها ساكنة ولا تلحقها الحركات الطويلة (الواو أو الياء)؛ فمثلاً "بيته جميل" تُنطق بالفصحى هكذا: "بيتُهو جميل"، أما في الحجازية القديمة فهي تنطق: "بيتُهْ جميل".

6- هاء الغائب إذا اتصل بها شيء فإنها مضمومة دائماً ولا تتحرك بالكسر؛ فمثلاً كلمة "عليهم" تُنطق بالفصحى بكسر الهاء "عليهِم"، ولكن في الحجازية القديمة فإنها تنطق: "عليهُم". وهذه الخاصية مطابقة لوصف النحاة للغة قريش.

7- في بردية دمشق فإن همزة الوصل في الأفعال تنطق بالفتح: "فامتنع" كُتبت باليونانية "فأَمتنع" φααμτεναγ faamtenag .

8- في بردية دمشق لا وجود للام الشمسية، أي أن لام "أل" التعريف لا تُدغم بأي حرف، كمثال: "الرب" مكتوبة في البردية: أَلْرَبْ alrab وليس arrab .


الخصائص الصوتية:

1- الهمزة لا تنطق إلا في حالتين: إذا كانت الهمزة في أول الكلمة وكانت هذه الكلمة هي أول ما يُنطق به من الجملة (الابتداء). وهذه الخاصية مطابقة لوصف النحاة الأوائل للغة قريش. الحالة الثانية التي تنطق فيها الهمزة هي الهمزة المتطرفة الساكنة المسبوقة بفتحة طويلة (الألف) كما في: سماء. وهذه الحالة مُستَنتجة من فواصل (سجع) رسم المصحف وهي غير مطابقة لوصف النحاة للغة قريش؛ فوفقاً لهم لا تنطق قريش أي همزة إطلاقاً إلا في أول الكلمة المبتدأ بها.

2- الألف المقصورة المرسومة ياء (ى) تنطق بالإمالة، أي بما يماثل النطق العامي للياء في كلمة "بيت". ويُستثنى من ذلك بعض الكلمات مثل: حَتَّى وَإِلَى وَعَلَى. وهذا النطق مبني أولاً على رسم المصحف حيث نلاحظ فيه تتابع فاصلة (سجع) الألف المقصورة دون دخول فاصلة الألف عليها في غالب الأحيان، ومبني ثانياً على البرديات العربية-اليونانية من القرن الهجري الأول حيث تُكتب الألف المقصورة بحرف E بدلاً من A .

3- الضاد لا تنطق دالاً مفخمة كما هي في الفصحى اليوم بل تُنطق شبيهة بالظاء.

4- على خلاف ما يعتقد جمهور علماء الصوتيات العرب اليوم، فإن النطق القديم للقاف والطاء هو مماثل لنطقهما الحديث في الفصحى كما بينت البرديات العربية القديمة المكتوبة باليونانية حيث يتم تمثيل الطاء بالتاء والقاف بالكاف، أما البرديات العبرية فتمثل الطاء بالطاء العبرية والقاف بالقاف العبرية.

5- الألفات المكتوبة بالواو في رسم المصحف مثل "الصلوة" و"الزكوة" تُنطق بالتفخيم أي بما يشبه حرف O  الإنجليزي، أو النطق العامي للواو في كلمة "فوق".

فرض الفصحى على النصوص القديمة

مقتطفات من كتاب أحمد الجلاد:

لم يعتمد النحاة العرب في وصفهم للغة على المواد المكتوبة ولا على قواعد المدارس الإملائية، بل اعتمدوا على المصادر الشفوية: لغة أفراد القبائل العربية خاصة ممن يصفهم النحاة بأنهم "تُرتضى عربيتهم"، وكذلك اعتمدوا على شعر هذه القبائل المنقول شفاهياً. وعلى الرغم من أن النحاة لم يوضحوا معاييرهم لمن ترتضى عربيته ومن لا ترتضى، فإنه من الآمن أن نفترض أنهم قصدوا اللهجات أو الأشكال التي تحتوي على نظام إعرابي كامل. وعلى الرغم من بعض الأصوات المشككة، فإن معظم المتخصصين يعتبرون المواد العربية التي جمعها النحاة تمثيلاً صادقاً لأشكال مختارة من اللغة المحكية في القرنين الهجريين الثاني والثالث. واعتُبرت هذه اللغة التي جمعها النحاة ممثلة للغة القبائل العربية ليس فقط في القرنين الثاني والثالث، بل اعتبرت ممثلة للغة القبائل منذ بدء الزمن، ولم تتغير هذه اللغة إلا مع الفتوحات وتعلم غير العرب لهذه اللغة. وفقاً لهذة النظرة فإن هناك نوعين فقط من العربية: عربية ما قبل الإسلام، وهي العربية النقية ذات النظام الإعرابي الكامل، وعربية ما بعد الفتوحات الناتجة عن تعلم غير العرب للعربية، والتي تتميز بالنطق غير المثالي ونقصان الالتزام بالقواعد.

إن الباحثين المعاصرين يعتبرونها من المسلمات أن لغة النحاة هي لغة قديمة تسبق الإسلام وتحدث بها جميع العرب، ولذلك فإن الكتابات العربية المبكرة كبرديات القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، والقرآن الذي أقدم مخطوطاته تسبق أعمال النحاة بأكثر من قرن، هذه الكتابات العربية المبكرة تتم قراءتها وفقاً لمعايير متأخرة كثيراً عن زمن هذه الكتابات. إن الناظر لهذه الكتابات المبكرة سيلاحظ اختلافات مهمة بين النطق الشفوي وبين النص المكتوب. فمثلاً؛ كلمة "ملىكه" الواردة في الآية السادسة من سورة التحريم، جميع القراءات القرآنية تقول بأنها تنطق: ملائكتُن. وفي حين أن تراث القراءات القرآنية يعود أقدم جزء منه إلى منتصف القرن الثاني الهجري ويعود معظمه إلى أواخر القرن الثاني وبداية الثالث، فإن الصيغة الكتابية "ملىكه" العائدة للقرن الأول لا تحتوي على الجزء الأخير "تُن". وعلى الرغم من أن الصيغة المكتوبة هي أقدم من صيغة تراث القراءات، فإن الصيغة الشفوية هي المسلم بها، ويتم تفسير اختلاف الصيغة الشفوية عن الصيغة الكتابية بأنه ناتج عن اتباع العرب الأوائل لقواعد إملائية معينة. ولهذا تجد معظم الباحثين اليوم يعتبرون لغة رسم المصحف مطابقة للغة التلاوات التي تتلى في جماعة الأزهر. فقط مؤخراً بدأ التعامل مع رسم المصحف كنقش أثري مستقل نستنتج منه وحده خصائصه اللغوية بدلاً من افتراضها مسبقاً، وهذا أدى إلى تصور مختلف جداً حول اللغة الأصلية للقرآن.

وبنفس طريقة تعامل الباحثين المعاصرين مع القرآن، فهم أيضاً يقومون بفرض القراءة العربية الفصيحة (لغة النحاة) على النقوش العربية القديمة التي تسبق الإسلام، مما يعطل أي محاولة لفهم العربية في مراحلها المبكرة.

إن الدراسة المتأنية للنقوش العربية  القديمة تكشف صورة مختلفة تماماً عن الصورة التي تقدمها المصادر التاريخية الإسلامية؛ حيث لا نجد أثراً لعربية النحاة، بل تقدم الجزيرة العربية درجة محيرة من التنوع اللغوي. إن اللهجات العربية القديمة تختلف بأشكال غير مسجلة لدى النحاة، في حين تغيب عنها خصائص رئيسية من عربية النحاة، كالتنوين الذي لا نجد له أثراً في كتابات اللغات السامية الجنوبية ولا في النقوش العربية-اليونانية. وفي حين أن غياب تمثيل التنوين بحرف النون في الكتابة العربية يتم تفسيره على أنه عادة إملائية، فإن هذا التفسير لا يصلح حين تُكتب العربية بأبجديات أخرى كاليونانية وغيرها من الأبجديات الموجودة قبل ظهور الأبجدية العربية نفسها. وكل هذا يعني شيئاً واحداً: أن التنوين قد فُقد في معظم اللهجات العربية القديمة.