الفرق بين المراجعتين لصفحة: «القرآن والحديث والعلماء: محمد والجهاد في سبيل الله»

لا يوجد ملخص تحرير
[مراجعة منقحة][مراجعة منقحة]
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(١٢ مراجعة متوسطة بواسطة ٣ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
يصور التقليد الإسلامي المبكر مرحلتين متميزتين في سيرة النبي: الفترة المكية ، التي تميزت بالنصائح السلمية لأهل مكة الوثنيين للتخلي عن آلهتهم واعتناق الإسلام ، والفترة المدنية التي تميزت باتساع الصراعات مع القبائل اليهودية المجاورة. ووثنيون مكة. وفقًا للسيرة والعديد من الأحاديث النبوية ، فقد أمر محمد خلال هذه الفترة بالعديد من المواجهات والاغتيالات ضد أعدائه في مكة والمدينة وتغاضى عنها. تشكل هذه العمليات العسكرية الجهاد ، العربية للنضال ، واجب مقدس يقع على عاتق جميع الرجال المسلمين القادرين جسديًا للانخراط في الكفاح المسلح لتوسيع نطاق الإسلام. الرجال الذين يموتون "في سبيل الله" سيكونون شهداء يتمتعون بـ 72 عذراء في الجنة ، والذين يعيشون وينتصرون سينعمون بغنيمة إلهية في هذا العالم. الهدف الأول للجهاد هم الوثنيون في مكة المكرمة ومقامهم المقدس الكعبة ، لكن القرآن والعديد من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم يوضح أن الجهاد واجب على جميع المسلمين حتى "يكون الدين كله لله "(8:39). كان محمد قائد هذه الحملات العسكرية ولعب دور القائد الأعلى. كما شارك في المعارك بنفسه ، فقاتل وحتى أصيب. وهكذا كان الجهاد جزءًا أساسيًا من الإسلام المبكر وفقًا لتعاليمه وأوامر نبيه محمد.
{{القرآن_والحديث_والعلماء}}
يصف التقليد الإسلامي الأوّلي مرحلتين مختلفتين من مسيرة النبي محمد: الحقبة المكيّة التي تتميّز بتحذيرات سلميّة وُجّهت للوثنيين في مكة لكي يتركوا آلهتهم ويعتنقوا الإسلام، والحقبة المدينية التي تتميّز بصراعات واسعة مع القبائل اليهودية المجاورة ووثنيي مكّة. وبحسب أدب السيرة والكثير من الأحاديث، أمر محمد بعدد من المواجهات وعمليات القتل وتغاضى عنها ضدّ أعدائه في مكّة والمدينة. وتكوّن هذه العمليات العسكرية ما يسمّى بالجهاد، أي الواجب الإلهي الذي يقع على عاتق جميع الرجال المسلمين القادرين على خوض المعارك لتوسيع وصول الإسلام. فيكون الرجال الذين يموتون "على سراط الله" شهداء سينعمون بـ 72 حورية في الجنة، أمّا الذين ينجون وينتصرون فسينعمون بغنيمة إلهية في هذا العالم. وكان الوثنيون وضريحهم المقدّس أي الكعبة هم الهدف الأساسي للجهاد، إلّا أنّ القرآن والكثير من أقوال النبي توضّح أنّ الجهاد هو واجب على جميع المسلمين إلى أن "يكون الدين كلّه لله" ({{القرآن|8|39}}). كان محمد قائد تلك الحملات العسكرية واتخذ دور القائد الأعلى. كما أنه شارك في معارك بنفسه مقاتلاً وحتى أنّه أصيب بجروح. بذلك كان الجهاد جزءاً أساسياً من الإسلام الأولي بحسب التقليد نفسه ومركز اهتمامٍ لنبي الإسلام محمد.  


==حديث==
==حديث==
سطر ٨٢٤: سطر ٨٢٥:
فَنَفَّلَنِي أبُو بَكْرٍ ابْنَتَها، قالَ: فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رسول الله ص بِالسُّوقِ، فَقالَ: يا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أبُوكَ! هَبْ لِي المَرْأةَ! فَقُلْتُ:
فَنَفَّلَنِي أبُو بَكْرٍ ابْنَتَها، قالَ: فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رسول الله ص بِالسُّوقِ، فَقالَ: يا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أبُوكَ! هَبْ لِي المَرْأةَ! فَقُلْتُ:
يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ لَقَدْ أعْجَبَتْنِي وما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا قالَ: فَسَكَتَ عَنِّي حَتّى إذا كانَ مِنَ الغَدِ لَقِيَنِي فِي السُّوقِ، فَقالَ: يا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أبُوكَ! هَبْ لِي المَرْأةَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا، وهِيَ لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: فَبَعَثَ بِها رَسُولُ اللَّهِ إلى مَكَّةَ، فَفادى بِها أُسارى مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا فِي أيْدِي المُشْرِكِينَ فَهَذِهِ الرِّوايَةُ عَنْ سَلَمَةَ.
يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ لَقَدْ أعْجَبَتْنِي وما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا قالَ: فَسَكَتَ عَنِّي حَتّى إذا كانَ مِنَ الغَدِ لَقِيَنِي فِي السُّوقِ، فَقالَ: يا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أبُوكَ! هَبْ لِي المَرْأةَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ ما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا، وهِيَ لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: فَبَعَثَ بِها رَسُولُ اللَّهِ إلى مَكَّةَ، فَفادى بِها أُسارى مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا فِي أيْدِي المُشْرِكِينَ فَهَذِهِ الرِّوايَةُ عَنْ سَلَمَةَ.
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وفِيها سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جابِرٍ الفِهْرِيِّ إلى العرنيين الذين قتلوا راعى رسول الله ص، واسْتاقُوا الإبِلَ فِي شَوّالٍ مِن سَنَةِ سِتٍّ، وبعثه رسول الله في عشرين فارسا}}
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وفِيها سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جابِرٍ الفِهْرِيِّ إلى العرنيين الذين قتلوا راعى رسول الله ص، واسْتاقُوا الإبِلَ فِي شَوّالٍ مِن سَنَةِ سِتٍّ، وبعثه رسول الله في عشرين فارسا}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.2، ص.646.|حَدَّثَنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة بن مسعود، عن عبد الله ابن عَبّاسٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، قالَ: كُنّا قَوْمًا تُجّارًا، وكانَتِ الحَرْبُ بَيْنَنا وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ حَصَرَتْنا حَتّى نَهَكَتْ أمْوالَنا، فَلَمّا كانَتِ الهُدْنَةُ بَيْنَنا وبَيْنَ رَسُولِ الله، لم نامن الا نَجِدَ أمْنًا}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.10-9.|سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ
غَزْوَةُ خَيْبَرَ
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ، فخرج رسول الله ص فِي بَقِيَّةِ المُحَرَّمِ إلى خَيْبَرَ واسْتَخْلَفَ عَلى المَدِينَةِ سِباعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الغِفارِيَّ، فَمَضى حَتّى نَزَلَ بِجَيْشِهِ بِوادٍ يُقالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَ أهْلِ خَيْبَرَ وبَيْنَ غَطَفانَ- فِيما حَدَّثَنا ابن حميد قال: حَدَّثَنا سلمة، عن ابن إسْحاقَ- لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ أنْ يُمِدُّوا أهْلَ خَيْبَرَ، وكانُوا لَهُمْ مُظاهِرِينَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ص.
قالَ: فَبَلَغَنِي أنَّ غَطَفانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنزَلِ رسول الله ص مِن خَيْبَرَ، جَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتّى إذا سارُوا مَنقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أمْوالِهِمْ وأهالِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أنَّ القوم قد خالفوا إلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلى أعْقابِهِمْ، فَأقامُوا فِي أهالِيهِمْ وأمْوالِهِمْ، وخَلَّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وبَيْنَ خَيْبَرَ، وبدا رسول الله ص بِالأمْوالِ يَأْخُذُها مالا مالا، ويَفْتَتِحُها حِصْنًا حِصْنًا، فَكانَ أوَّلَ حُصُونِهِمُ افْتُتِحَ حِصْنُ ناعِمٍ، وعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًا مِنهُ فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ القَمُوصُ، حِصْنُ ابْنِ أبِي الحقيق وأصاب رسول الله ص مِنهُمْ سَبايا، مِنهُمْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ وكانَتْ عِنْدَ كِنانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أبِي الحُقَيْقِ، وابْنَتَيْ عَمٍّ لَها فاصْطَفى رَسُولُ الله ص صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وكانَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ قَدْ سَألَ رسول الله صَفِيَّةَ، فَلَمّا اصْطَفاها لِنَفْسِهِ أعْطاهُ ابْنَتَيْ عَمِّها، وفَشَتِ السَّبايا مِن خَيْبَرَ فِي قال: ثم جعل رسول الله ص يَتَدَنّى الحُصُونَ والأمْوالَ.
حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، أنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ أسْلَمَ، أنَّ بَنِي سَهْمٍ مِن أسْلَمَ، أتوا رسول الله ص، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنا وما بِأيْدِينا شَيْءٌ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ الله شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ، [فَقالَ النَّبِيُّ:
اللَّهُمَّ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حالَهُمْ، وأنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وأنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ، فافْتَحْ عَلَيْهِمْ أعْظَمَ حُصُونِها، أكْثَرَها طَعامًا ووَدَكًا] فَغَدا النّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعاذٍ، وما بِخَيْبَرَ حِصْنٌ كانَ أكْثَرَ طَعامًا ووَدَكًا مِنهُ.
قالَ: ولَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِن حُصُونِهِمْ ما افْتَتَحَ، وحازَ مِنَ الأمْوالِ ما حازَ، انْتَهَوْا إلى حِصْنِهِمْ الوَطِيحِ والسَّلالِمِ- وكانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتُتِحَ- حاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.15.|فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ لِكِنانَةَ: أرَأيْتَ ان وجدناه عندك، ااقتلك؟ قال: نعم، فامر رسول الله ص بِالخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ، فَأُخْرِجَ مِنها بَعْضُ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَألَهُ ما بَقِيَ، فَأبى أنْ يُؤَدِّيَهُ، [فَأمَرَ به رسول الله ص الزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ، فَقالَ: عَذِّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِلَ ما عِنْدَهُ،] فَكانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِهِ فِي صَدْرِهِ حَتّى أشْرَفَ عَلى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ إلى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ وحاصَرَ رَسُولُ الله ص أهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ، الوَطِيحَ والسَّلالِمَ، حَتّى إذا أيْقَنُوا بِالهَلَكَةِ سَألُوهُ أنْ يُسَيِّرَهُمْ ويَحْقِنَ لَهُمْ دِماءَهُمْ، فَفَعَلَ وكانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ حازَ الأمْوالَ كُلَّها:
الشِّقَّ ونَطاةَ والكَتِيبَةَ، وجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إلا ما كانَ مِن ذَيْنِكَ الحِصْنَيْنِ.
فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ أهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا ما صَنَعُوا بَعَثُوا إلى رسول الله ص يَسْألُونَهُ أنْ يُسَيِّرَهُمْ ويَحْقِنَ دِماءَهُمْ لَهُمْ، ويُخَلُّوا له الأمْوالَ، فَفَعَلَ، وكانَ فِيمَن مَشى بَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أخُو بَنِي حارِثَةَ، فَلَمّا نَزَلَ أهْلُ خَيْبَرَ عَلى ذَلِكَ، سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ أنْ يُعامِلَهُمْ بِالأمْوالِ عَلى النِّصْفِ، وقالُوا: نَحْنُ أعْلَمُ بِها منكم، واعمر لها، فصالحهم رسول الله ص عَلى النِّصْفِ، عَلى أنّا إذا شِئْنا أنْ نُخْرِجَكُمْ أخْرَجْناكُمْ، وصالَحَهُ أهْلُ فَدَكَ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وكانَتْ فَدَكُ خالصه لرسول الله ص، لأنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْها بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.19-18.|حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إسْحاقَ، قالَ:
سَألْتُ ابْنَ شِهابٍ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ كانَ إعْطاءُ رَسُولِ اللَّهِ ص يَهُودَ خَيْبَرَ نَخِيلَهُمْ حِينَ أعْطاهُمُ النَّخْلَ عَلى خَرْجِها؟ أبَتَّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتّى قُبِضَ، أمْ أعْطاهُمْ إيّاها لِضَرُورَةِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ؟
فَأخْبَرَنِي ابن شهاب ان رسول الله ص افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ القِتالِ، وكانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، خَمَسَها رَسُولُ الله وقسمها بَيْنَ المُسْلِمِينَ، ونَزَلَ مَن نَزَلَ مِن أهْلِها عَلى الإجْلاءِ بَعْدَ القِتالِ، فَدَعاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقالَ: [إنْ شِئْتُمْ دَفَعْنا إلَيْكُمْ هَذِهِ الأمْوالَ عَلى أنْ تَعْمَلُوها، وتَكُونَ ثِمارُها بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ، وأُقِرُّكُمْ ما أقَرَّكُمُ اللَّهُ] فَقَبِلُوا، فَكانُوا عَلى ذلك يعملونها وكان رسول الله ص يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَواحَةَ فَيَقْسِمُ ثَمَرَها، ويَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الخَرْصِ، فَلَمّا تَوَفّى اللَّهُ ﷿ نبيه ص أقَرَّها أبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ فِي أيْدِيهِمْ عَلى المُعامَلَةِ الَّتِي كانَ عامَلَهُمْ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ حَتّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ أقَرَّها عُمَرُ صَدْرًا مِن إمارَتِهِ، ثَمَّ بَلَغَ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ الله ص قالَ فِي وجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: [لا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ دِينانِ،] فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثَّبْتُ، فَأرْسَلَ إلى يَهُودَ أنَّ اللَّهَ قَدْ أذِنَ فِي إجْلائِكُمْ، فَقَدْ بلغنى ان رسول الله ص قالَ: [لا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ دِينانِ،] فَمَن كانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ لَهُ، ومَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ مِنَ اليَهُودِ فَلْيَتَجَهَّزْ لِلْجَلاءِ، فَأجْلى عُمَرُ مَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عهد من رسول الله ص مِنهُمْ.
قالَ أبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ الله ص إلى المَدِينَةِ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.23.|قالَ: وفِيها سَرِيَّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلى يُمْنٍ وجِنابٍ، فِي شَوّالٍ مِن سَنَةِ سَبْعٍ، ذَكَرَ أنَّ يَحْيى بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قالَ: الَّذِي أهاجَ هَذِهِ السَّرِيَّةَ أنَّ حُسَيْلَ بْنَ نُوَيْرَةَ الاشجعى- وكان دليل رسول الله ص الى خيبر- قدم على النبي ص، فَقالَ: ما وراءَكَ؟ قالَ: تَرَكْتُ جَمْعًا مِن غَطَفانَ بِالجِنابِ قَدْ بَعَثَ إلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ لِيَسِيرُوا إلَيْكُمْ، فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، وخَرَجَ مَعَهُ الدَّلِيلُ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ، فَأصابُوا نَعَمًا وشاءً، ولَقِيَهُمْ عَبْدٌ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ لَقُوا جَمْعَ عُيَيْنَةَ، فانْهَزَمَ، فَلَقِيَهُ الحارِثُ بْنُ عَوْفٍ مُنْهَزِمًا، فَقالَ: قَدْ آنَ لَكَ يا عُيَيْنَةُ أنْ تُقْصِرَ عما ترى}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.28.|قالَ: فَأمْهَلْناهُمْ حَتّى راحَتْ رائِحَتُهُمْ، حَتّى إذا احتلبوا وعطنوا سكنوا، وذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنّا عَلَيْهِمُ الغارَةَ، فَقَتَلْنا مَن قَتَلْنا واسْتَقْنا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنا قافِلِينَ، وخَرَجَ صَرِيخُ القَوْمِ إلى القَوْمِ مُغَوِّثًا قالَ:
وخَرَجْنا سِراعًا حَتّى نَمُرَّ بِالحارِثِ بْنِ مالِكٍ، ابْنِ البَرْصاءِ، وصاحِبِهِ، فانْطَلَقْنا بِهِ مَعَنا، وأتانا صَرِيخُ النّاسِ، فَجاءَنا ما لا قِبَلَ لَنا بِهِ، حَتّى إذا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنا وبَيْنَهُمْ إلا بَطْنُ الوادِي مِن قَدِيدٍ، بَعَثَ اللَّهُ ﷿ مِن حَيْثُ شاءَ سَحابًا ما رَأيْنا قَبْلَ ذَلِكَ مَطَرًا ولا خالا، فَجاءَ بِما لا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ رَأيْناهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْنا، ما يَقْدِرُ أحَدٌ مِنهُمْ أنْ يُقْدِمَ ولا يَتَقَدَّمَ، ونَحْنُ نَحْدُوها سِراعًا، حَتّى أسْنَدْناها فِي المُشَلَّلِ، ثُمَّ حَدَرْناها عَنْها، فَأعْجَزْنا القَوْمَ بِما فِي أيْدِينا، فَما أنْسى قَوْلَ راجِزٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، وهُوَ يَحْدُوها فِي أعْقابِها، ويَقُولُ:
أبى أبُو القاسِمِ أنْ تَعْزُبِي … فِي خَضِلٍ نَباتُهُ مُغْلَوْلَبِ
صُفْرٍ أعالِيهِ كَلَوْنِ المُذْهَبِ
حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن رَجُلٍ مِن أسْلَمَ، عَنْ شَيْخٍ مِنهُمْ، أنَّ شعار اصحاب رسول الله ص تِلْكَ اللَّيْلَةَ كانَ: أمِتْ أمِتْ.
قالَ الواقدي: كانَتْ سَرِيَّةُ غالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِضْعَةَ عشر رجلا}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.29.|قال: وفيها بعث رسول الله ص العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ إلى المُنْذِرِ بْنِ ساوى العَبْدِيِّ، وكَتَبَ إلَيْهِ كِتابًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إلى المُنْذِرِ بْنِ ساوى سَلامٌ عَلَيْكَ، فَإنِّي أحمد إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ، أمّا بَعْدُ، فَإنَّ كِتابَكَ جاءَنِي ورُسُلَكَ وإنَّهُ مَن صَلّى صَلاتَنا، وأكَلَ ذَبِيحَتَنا، واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنا، فَإنَّهُ مُسْلِمٌ، لَهُ ما لِلْمُسْلِمِينَ وعَلَيْهِ ما عَلى المُسْلِمِينَ، ومَن أبى فَعَلَيْهِ الجِزْيَةُ قال: فصالحهم رسول الله ص عَلى أنَّ عَلى المَجُوسِ الجِزْيَةَ، لا تُؤْكَلُ ذَبائِحُهُمْ، ولا تُنْكَحُ نِساؤُهُمْ.
قالَ: وفِيها بَعَثَ رسول الله ص عَمْرَو بْنَ العاصِ إلى جَيْفَرَ وعَبّادَ ابْنَيْ جَلَنْدِيٍّ بِعُمانَ، فَصَدَّقا النَّبِيَّ، وأقَرّا بِما جاءَ بِهِ، وصَدَّقَ أمْوالَهُما، وأخَذَ الجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسِ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.36-34.|[حوادث متفرقة]
قالَ:
وفِيها كانَتْ سَرِيَّةٌ وجَّهَها رَسُولُ اللَّهِ ص فِي شَعْبانَ، أمِيرُها أبُو قَتادَةَ
. حَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسْحاقَ، عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ الأنْصارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ، عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيِّ، قالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأةً مِن قَوْمِي، فَأصْدَقْتُها مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص أسْتَعِينُهُ عَلى نِكاحِي، فَقالَ: وكَمْ أصْدَقْتَ؟ قُلْتُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ! لَوْ كُنْتُمْ إنَّما تَأْخُذُونَ الدَّراهِمَ مِن بَطْنِ وادٍ ما زِدْتُمْ! واللَّهِ ما عِنْدِي ما أُعِينُكَ بِهِ].
قالَ: فَلَبِثْتُ أيّامًا، وأقْبَلَ رَجُلٌ مِن بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعاوِيَةَ يُقالُ لَهُ رِفاعَةُ بْنُ قَيْسٍ- أوْ قَيْسُ بْنُ رِفاعَةَ- فِي بَطْنِ عَظِيمٍ مِن جُشَمَ، حَتّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ ومَن مَعَهُ بِالغابَةِ، يُرِيدُ أنْ يجمع قيسا على حرب رسول الله ص.
قالَ: وكانَ ذا اسْمٍ وشَرَفٍ فِي جُشَمَ قال: فدعاني رسول الله ص ورَجُلَيْنِ، مِنَ المُسْلِمِينَ فَقالَ: اخْرُجُوا إلى هَذا الرَّجُلِ حَتّى تَأْتُونا بِهِ، أوْ تَأْتُونا مِنهُ بِخَبَرٍ وعِلْمٍ قالَ: وقَدَّمَ لَنا شارِفًا عَجْفاءَ، فحمل عليها أحدنا، فو الله ما قامَتْ بِهِ ضَعْفًا حَتّى دَعَمَها الرِّجالُ مِن خَلْفِها بِأيْدِيهِمْ حَتّى اسْتَقَلَّتْ وما كادَتْ ثُمَّ قالَ: تَبْلُغُوا عَلى هَذِهِ واعْتَقِبُوها.
قالَ: فَخَرَجْنا ومَعَنا سِلاحُنا مِنَ النَّبْلِ والسُّيُوفِ، حَتّى جِئْنا قَرِيبًا مِنَ الحاضِرِ عُشَيْشِيَّةً مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَكَمَنتُ فِي ناحِيَةٍ، وأمَرْتُ صاحِبَيَّ، فَكَمَنا فِي ناحِيَةٍ أُخْرى مِن حاضِرِ القَوْمِ، وقُلْتُ لَهُما: إذا سَمِعْتُمانِي قَدْ كَبَّرْتُ وشَدَدْتُ عَلى العسكر فكبرا وشدا معى.
قال: فو الله إنّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ أنْ نَرى غِرَّةً أوْ نُصِيبَ مِنهُمْ شَيْئًا، غَشِيَنا اللَّيْلُ حَتّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ العِشاءِ، وقَدْ كانَ لَهُمْ راعٍ قَدْ سَرَحَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ، فَأبْطَأ عَلَيْهِمْ حَتّى تخوفوا عليه قالَ: فَقامَ صاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، فَأخَذَ سَيْفَهُ، فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ قالَ: واللَّهِ لأتْبَعَنَّ أثَرَ راعِينا هَذا، ولَقَدْ أصابَهُ شَرٌّ فَقالَ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: واللَّهِ لا تَذْهَبُ، نَحْنُ نَكْفِيكَ! فَقالَ: واللَّهِ لا يَذْهَبُ إلا أنا، قالُوا:
فَنَحْنُ مَعَكَ، قالَ: واللَّهِ لا يَتْبَعُنِي مِنكُمْ أحَدٌ.
قالَ: وخَرَجَ حَتّى مَرَّ بِي، فَلَمّا أمْكَنَنِي نَفَحْتُهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعْتُهُ في فؤاده، فو الله ما تَكَلَّمَ، ووَثَبْتُ إلَيْهِ فاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُ فِي ناحِيَةِ العَسْكَرِ وكَبَّرْتُ، وشَدَّ صاحِبايَ وكبرا، فو الله ما كانَ إلا النَّجاءُ مِمَّنْ كانَ فِيهِ عِنْدَكَ بِكُلِّ ما قَدَرُوا عَلَيْهِ مِن نِسائِهِمْ وأبْنائِهِمْ، وما خَفَّ مَعَهُمْ مِن أمْوالِهِمْ.
قالَ: فاسْتَقْنا إبِلا عَظِيمَةً، وغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنا بِها الى رسول الله ص، وجِئْتُ بِرَأْسِهِ أحْمِلُهُ مَعِي، قالَ: فَأعانَنِي رَسُولُ الله ص مِن تِلْكَ الإبِلِ بِثَلاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، فَجَمَعْتُ إلَيَّ أهْلِي.
وأمّا الواقِدِيُّ، فَذَكَرَ أنَّ مُحَمَّدَ بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، حدثه عن أبيه، النبي ص بَعَثَ ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ مَعَ أبِي قَتادَةَ، وأنَّ السَّرِيَّةَ كانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلا، وأنَّهُمْ غابُوا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وأنَّ سُهْمانَهُمْ كانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا يُعْدَلُ البَعِيرُ بِعَشْرٍ مِنَ الغَنَمِ، وأنَّهُمْ أصابُوا فِي وُجُوهِهِمْ أرْبَعَ نِسْوَةٍ، فِيهِنَّ فَتاةٌ وضِيئَةٌ، فَصارَتْ لأبِي قَتادَةَ، فَكَلَّمَ مَحْمِيَةُ بْنُ الجَزْءِ فِيها رسول الله ص، فسال رسول الله ص أبا قَتادَةَ عَنْها، فَقالَ: اشْتَرَيْتُها مِنَ المَغْنَمِ، فَقالَ: هَبْها لِي، فَوَهَبَها لَهُ، فَأعْطاها رَسُولُ الله مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.38-36.|ذِكْرُ الخَبَرِ عَنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ
قالَ ابْنُ إسْحاقَ- فِيما حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا سلمة عنه، قال: لما رجع رسول الله ص إلى المَدِينَةِ مِن خَيْبَرَ، أقامَ بِها شَهْرَيْ رَبِيعٍ، ثُمَّ بَعَثَ فِي جُمادى الأُولى بَعْثَهُ إلى الشّامِ الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ حَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قالَ: بعث رسول الله ص بَعْثَهُ إلى مُؤْتَةَ فِي جُمادى الأُولى مِن سَنَةِ ثَمانٍ، واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ، وقالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ فَجَعْفَرُ بْنُ أبِي طالِبٍ عَلى النّاسِ، فَإنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ عَلى النّاسِ.
فَتَجَهَّزَ النّاسُ، ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وهُمْ ثَلاثَةُ آلافٍ، فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ ودَّعَ النّاسُ أُمَراءَ رَسُولِ اللَّهِ وسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ ووَدَّعُوهُمْ فَلَمّا وُدِّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ مَعَ مَن ودع من أمراء رسول الله ص بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا بن رَواحَةَ؟ فَقالَ: أما واللَّهِ ما بِي حُبُّ الدُّنْيا، ولا صَبابَةٌ بِكُمْ، [ولَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقْرَأُ آيَةً مِن كِتابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيها النّارَ: «وإنْ مِنكُمْ إلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا]».
فَلَسْتُ أدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الوُرُودِ! فَقالَ المُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ ودَفَعَ عَنْكُمْ، ورَدَّكُمْ إلَيْنا صالِحِينَ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ:
لَكِنَّنِي أسْألُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً … وضَرْبَةً ذاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا
أوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهَزَةً … بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأحْشاءَ والكَبِدا
حَتّى يَقُولُوا إذا مَرُّوا عَلى جَدَثِي … أرْشَدَكَ اللَّهُ مِن غازٍ وقَدْ رَشَدا!
ثُمَّ إنَّ القَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَجاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ إلى رَسُولِ الله ص فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ القَوْمُ، وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يُشَيِّعُهُمْ، حَتّى إذا ودَّعَهُمْ وانْصَرَفَ عَنْهُمْ، قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ:
خَلَفَ السَّلامُ عَلى امْرِئٍ ودَّعْتُهُ … فِي النَّخْلِ خَيْرَ مُشَيِّعٍ وخَلِيلِ
ثُمَّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مُعانَ مِن أرْضِ الشّامِ، فَبَلَغَ النّاسَ أنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِن أرْضِ البَلْقاءِ فِي مِائَةِ ألْفٍ مِنَ الرُّومِ، وانْضَمَّتْ إلَيْهِ المُسْتَعْرِبَةُ مِن لَخْمٍ وجُذامٍ وبَلْقَيْنَ وبَهْراءَ وبَلِيٍّ فِي مِائَةِ ألْفٍ مِنهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِن بَلِيٍّ، ثُمَّ أحَدُ إراشَةَ، يُقالُ لَهُ: مالِكُ بْنُ رافِلَةَ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ المُسْلِمِينَ أقامُوا عَلى مَعانٍ لَيْلَتَيْنِ، يَنْظُرُونَ فِي أمْرِهِمْ، وقالُوا: نَكْتُبُ إلى رَسُولِ الله ونُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنا، فَإمّا أنْ يُمِدَّنا بِرِجالٍ، وإمّا أنْ يَأْمُرَنا بِأمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ فَشَجَّعَ النّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ، وقالَ: يا قَوْمُ، واللَّهِ إنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهادَةَ، وما نُقاتِلُ النّاسَ بِعَدَدٍ ولا قُوَّةٍ ولا كَثْرَةٍ، ما نُقاتِلُهُمْ إلا بِهَذا الدِّينِ الَّذِي أكْرَمَنا اللَّهُ بِهِ، فانْطَلِقُوا، فَإنَّما هي إحْدى الحُسْنَيَيْنِ، إمّا ظُهُورٌ، وإمّا شَهادَةٌ، فَقالَ النّاسُ: قَدْ واللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَواحَةَ فَمَضى النّاسُ}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.47-45.|ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ ورْقاءَ فِي نَفَرٍ مِن خُزاعَةَ حَتّى قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ المَدِينَةَ، فَأخْبَرُوهُ بِما أُصِيبَ مِنهُمْ، وبِمُظاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا راجِعِينَ إلى مَكَّةَ [وقَدْ كانَ رسول الله ص قالَ لِلنّاسِ:
كَأنَّكُمْ بِأبِي سُفْيانَ قَدْ جاءَ لِيَشْدُدَ العَقْدَ، ويَزِيدَ فِي المُدَّةِ] ومَضى بُدَيْلُ بْنُ ورْقاءَ وأصْحابُهُ، فَلَقُوا أبا سُفْيانَ بِعُسْفانَ، قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ لِيَشْدُدَ العَقْدَ ويَزِيدَ فِي المُدَّةِ، وقَدْ رَهَبُوا الَّذِي صَنَعُوا، فَلَمّا لَقِيَ أبُو سُفْيانَ بُدَيْلا، قالَ: مِن أيْنَ أقْبَلْتَ يا بُدَيْلُ؟ وظَنَّ أنَّهُ قَدْ أتى رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: سرت في خزاعة في الساحل وفي بطن هذا الوادى.
قال: او ما أتَيْتَ مُحَمَّدًا؟ قالَ: لا قالَ: فَلَمّا راحَ بُدَيْلٌ إلى مَكَّةَ قالَ أبُو سُفْيانَ: لَئِنْ كانَ جاءَ المَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِها النَّوى، فَعَمَدَ إلى مَبْرَكِ ناقَتِهِ، فَأخَذَ مِن بَعْرِها فَفَتَّهُ، فَرَأى فِيهِ النَّوى، فَقالَ: أحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جاءَ بُدَيْلٌ مُحَمَّدًا.
ثُمَّ خَرَجَ أبُو سفيان حتى قدم على رسول الله ص المَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبِي سُفْيانَ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلى فِراشِ رسول الله ص طَوَتْهُ عَنْهُ، فَقالَ: يا بُنَيَّةُ، واللَّهِ ما أدْرِي أرَغِبْتِ بِي عَنْ هَذا الفِراشِ، أمْ رَغِبْتِ بِهِ عَنِّي! قالَتْ: بَلْ هُوَ فِراشُ رَسُولِ اللَّهِ، وأنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجِسٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أنْ تَجْلِسَ عَلى فِراشِ رَسُولِ اللَّهِ، قالَ:
واللَّهِ لَقَدْ أصابَكِ يا بُنَيَّةُ بَعْدِي شَرٌّ ثُمَّ خَرَجَ حَتّى أتى رَسُولَ اللَّهِ ص، فَكَلَّمَهُ فَلَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلى أبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَهُ أنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ: ما أنا بِفاعِلٍ ثُمَّ أتى عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ، فَكَلَّمَهُ فَقالَ:
أنا اشفع لكم الى رسول الله! فو الله لَوْ لَمْ أجِدْ إلا الذَّرَّ لَجاهَدْتُكُمْ ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وعِنْدَهُ فاطِمَةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وعِنْدَها الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، غُلامٌ يَدُبٌّ بَيْنَ يَدَيْها، فَقالَ: يا عَلِيُّ، إنَّكَ أمَسُّ القَوْمِ بِي رَحِمًا، وأقَرَبُهُمْ مِنِّي قَرابَةً، وقَدْ جِئْتُ فِي حاجَةٍ، فَلا أرْجِعَنَّ كَما جِئْتُ خائِبًا، اشْفَعْ لَنا إلى رَسُولِ اللَّهِ! قالَ: ويْحَكَ يا أبا سُفْيانَ! واللَّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ عَلى أمْرٍ ما نَسْتَطِيعُ أنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ، فالتَفَتَ إلى فاطِمَةَ، فَقالَ: يا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ، هَلْ لَكِ أنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكِ هَذا فَيُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ، فَيَكُونَ سَيِّدَ العَرَبِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ! قالَتْ: واللَّهِ ما بلغ بنيى ذلك أنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ، وما يُجِيرُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ أحَدٌ قالَ: يا أبا الحَسَنِ، إنِّي أرى الأُمُورَ قَدِ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ فانْصَحْنِي فَقالَ لَهُ: واللَّهِ ما أعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، ولَكِنَّكَ سَيِّدُ بَنِي كِنانَةَ، فَقُمْ فَأجِرْ بَيْنَ النّاسِ، ثُمَّ الحَقْ بِأرْضِكَ.
قالَ: او ترى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِّي شَيْئًا! قالَ: لا واللَّهِ ما أظُنُّ، ولَكِنْ لا أجِدُ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقامَ أبُو سُفْيانَ فِي المَسْجِدِ، فَقالَ: أيُّها النّاسُ، إنِّي قَدْ أجَرْتُ بَيْنَ النّاسِ، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فانْطَلَقَ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.52.|فَلَمّا نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرانِ خَرَجَ أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ ومَعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزامٍ فَحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، قالَ: أخْبَرَنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ الله ص مَرَّ الظَّهْرانِ، قالَ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وقد خرج رسول الله ص مِنَ المَدِينَةِ: يا صَباحَ قُرَيْشٍ! واللَّهِ لَئِنْ بغتها رسول الله فِي بِلادِها، فَدَخَلَ مَكَّةَ عَنْوَةً، إنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدَّهْرِ! فَجَلَسَ عَلى بَغْلَةِ رَسُولِ الله ص البَيْضاءَ، وقالَ: أخْرُجُ إلى الأراكِ لَعَلِّي أرى حَطّابًا أوْ صاحِبَ لَبَنٍ، أوْ داخِلا يَدْخُلُ مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله، فيأتونه فيستامنونه فخرجت}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.56.|وحَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، قالَ: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن ابى نجيح، ان النبي ص حِينَ فَرَّقَ جَيْشَهُ مِن ذِي طُوًى، أمَرَ الزُّبَيْرَ أنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِن كُدًى، وكانَ الزُّبَيْرُ عَلى المُجَنِّبَةِ اليُسْرى، فَأمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ أنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِن كَداءَ فَزَعَمَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ سَعْدًا قالَ حِينَ وُجِّهَ داخِلا: اليَوْمُ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليَوْمُ تُسْتَحَلُّ الحُرْمَةُ فَسَمِعَها رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، [فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اسْمَعْ ما قالَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، وما نَأْمَنُ أنْ تَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ! فَقالَ رسول الله ص لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ:
أدْرِكْهُ فَخُذِ الرّايَةَ، فَكُنْ أنْتَ الَّذِي تَدْخُلُ بِها]}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.61-58.|وكانَ رَسُولُ الله ص قَدْ عَهِدَ إلى أُمَرائِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ حِينَ امرهم ان يدخلوا مكة، الا يَقْتُلُوا أحَدًا إلا مَن قاتَلَهُمْ إلا أنَّهُ قَدْ عَهِدَ فِي نَفَرٍ سَمّاهُمْ، أمَرَ بِقَتْلِهِمْ وان وجدوا تحت استار الكعبه منهم عبد الله بن سعد ابن أبِي سَرْحِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامِرِ ابن لؤي- وانما امر رسول الله ص بِقَتْلِهِ، لأنَّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ فارْتَدَّ مُشْرِكًا، فَفَرَّ إلى عُثْمانَ، وكانَ أخاهُ مِنَ الرَّضاعَةِ، فغيبه حتى اتى به رسول الله ص بَعْدَ أنِ اطْمَأنَّ أهْلُ مَكَّةَ، فاسْتَأْمَنَ لَهُ رسول الله، فذكر ان رسول الله ص صَمَتَ طَوِيلا، ثُمَّ قالَ: نَعَمْ، فَلَمّا انْصَرَفَ بِهِ عُثْمانُ، [قالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمَن حَوْلَهُ مِن أصْحابِهِ: أما واللَّهِ لَقَدْ صَمَتُّ لِيَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ! فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ: فَهَلا أوْمَأْتَ إلَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ! قالَ: إنَّ النَّبِيَّ لا يَقْتُلُ بِالإشارَةِ]- وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، رَجُلٌ مِن بَنِي تَيْمِ بن غالب- وانما امر بقتله لأنه كان مسلما، فبعثه رسول الله ص مُصَّدِّقًا، وبَعَثَ مَعَهُ رَجُلا مِنَ الأنْصارِ، وكانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدِمُهُ، وكانَ مُسْلِمًا، فَنَزَلَ مَنزِلا، وأمَرَ المَوْلى أنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا، ويَصْنَعَ لَهُ طَعامًا، ونامَ فاسْتَيْقَظَ ولَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَعَدا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وكانَتْ لَهْ قَيْنَتانِ: فَرْتَنى وأُخْرى مَعَها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله ص، فَأمَرَ بِقَتْلِهِما مَعَهُ- والحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ، وكانَ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ، ومِقْيَسُ بْنُ صُبابَةَ- وإنَّما أمَرَ بِقَتْلِهِ لِقَتْلِهِ الأنْصارِيَّ الَّذِي كانَ قَتَلَ أخاهُ خَطَأً، ورُجُوعِهِ إلى قُرَيْشٍ مُرْتَدًّا- وعِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ، وسارَةُ مَوْلاةٌ كانَتْ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكانَتْ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ فَأمّا عِكْرِمَةُ بْنُ أبِي جَهْلٍ فَهَرَبَ إلى اليَمَنِ، وأسْلَمَتِ امْرَأتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الحارِثِ بْنِ هشام، فاستامنت له رسول الله فَأمَّنَهُ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ حَتّى أتَتْ بِهِ رسول الله ص، فَكانَ عِكْرِمَةُ يُحَدِّثُ- فِيما يَذْكُرُونَ- أنَّ الَّذِي رَدَّهُ إلى الإسْلامِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلى اليَمَنِ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: أرَدْتُ رُكُوبَ البَحْرِ لألْحَقَ بِالحَبَشَةِ، فَلَمّا أتَيْتُ السَّفِينَةَ لأرْكَبَها قالَ صاحِبُها: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَرْكَبْ سَفِينَتِي حَتّى تُوَحِّدَ اللَّهَ، وتَخْلَعَ ما دُونَهُ مِنَ الأنْدادِ، فَإنِّي أخْشى إنْ لَمْ تَفْعَلْ أنْ نَهْلِكَ فِيها، فَقُلْتُ: وما يَرْكَبُهُ أحَدٌ حَتّى يُوَحِّدَ اللَّهَ ويَخْلَعَ ما دُونَهُ! قالَ: نَعَمْ، لا يَرْكَبُهُ أحَدٌ إلا أخْلَصَ.
قالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ أُفارِقُ مُحَمَّدًا! فَهَذا الَّذِي جاءَنا به، فو الله إنَّ إلَهَنا فِي البَحْرِ لإلَهُنا فِي البَرِّ، فَعَرَفْتُ الإسْلامَ عِنْدَ ذَلِكَ، ودَخَلَ فِي قَلْبِي واما عبد الله ابن خَطَلٍ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ المَخْزُومِيُّ وأبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ، اشْتَرَكا فِي دَمِهِ، وأمّا مِقْيَسُ بْنُ صُبابَةَ فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فَقالَتْ أُخْتُ مِقْيَسٍ:
لَعَمْرِي لَقَدْ أخَزى نُمَيْلَةُ رَهْطَهُ … وفَجَّعَ أضْيافَ الشِّتاءِ بِمِقْيَسِ
فَلِلَّهِ عَيْنا مَن رَأى مِثْلَ مِقْيَسٍ … إذا النُّفَساءُ أصْبَحَتْ لَمْ تُخَرَّسِ!
وأمّا قَيْنَتا ابْنِ خَطَلٍ فَقُتِلَتْ إحْداهُما، وهَرَبَتِ الأُخْرى حَتّى استؤمن لها رسول الله ص بَعْدُ، فَأمَّنَها وأمّا سارَةُ، فاسْتُؤْمِنَ لَها فَأمَّنَها، ثُمَّ بَقِيَتْ حَتّى أوْطَأها رَجُلٌ مِنَ النّاسِ فَرَسًا لَهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بِالأبْطَحِ، فَقَتَلَها وأمّا الحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ، فَقَتَلَهُ عَلِيّ بن أبي طالب ﵁.
وقال الواقدى: امر رسول الله ص بِقَتْلِ سِتَّةِ نَفَرٍ وأرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَذَكَرَ مِنَ الرِّجالِ مَن سَمّاهُ ابْنُ إسْحاقَ، ومِنَ النِّساءِ هند بنت عتبة ابن رَبِيعَةَ، فَأسْلَمَتْ وبايَعَتْ، وسارَةَ مَوْلاةَ عَمْرِو بْنِ هاشم بن عبد المطلب ابن عَبْدِ مَنافٍ، قُتِلَتْ يَوْمَئِذٍ، وقَرِيبَةَ، قُتِلَتْ يَوْمَئِذٍ، وفَرْتَنى عاشَتْ إلى خِلافَةِ عُثْمانَ.
حَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمر بن موسى ابن الوَجِيهِ، عَنْ قَتادَةَ السَّدُوسِيِّ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قامَ قائِمًا حِينَ وقَفَ عَلى بابِ الكَعْبَةِ، ثُمَّ قالَ: لا إلَهَ إلا اللَّهُ وحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزابَ وحْدَهُ ألا كُلُّ مَأْثَرَةٍ، أوْ دَمٍ، أوْ مالٍ يُدَّعى، فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هاتَيْنِ إلا سِدانَةَ البَيْتِ وسِقايَةَ الحاجِّ.
ألا وقَتِيلُ الخَطَأ مِثْلُ العمد، السوط والعصا، فيهما الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ، مِنها أرْبَعُونَ فِي بُطُونِها أوْلادُها.
يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الجاهِلِيَّةِ وتَعَظُّمَها بِالآباءِ النّاسُ مِن آدَمَ، وآدَمُ خُلِقَ مِن تراب ثم تلا رسول الله ص:
«يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُمْ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ» الآيَةَ.
يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، ويا أهْلَ مَكَّةَ، ما تَرَوْنَ أنِّي فاعِلٌ بِكُمْ؟ قالُوا:
خَيْرًا، أخٌ كَرِيمٌ وابْنُ أخٍ كَرِيمٍ ثُمَّ قالَ: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فاعتقهم رسول الله ص، وقَدْ كانَ اللَّهُ أمْكَنَهُ مِن رِقابِهِمْ عَنْوَةً، وكانُوا لَهُ فَيْئًا، فَبِذَلِكَ يُسَمّى أهْلُ مَكَّةَ الطُّلَقاءَ ثُمَّ اجْتَمَعَ النّاسُ بِمَكَّةَ لِبَيْعَةِ رَسُولِ الله ص عَلى الإسْلامِ، فَجَلَسَ لَهُمْ- فِيما بَلَغَنِي- عَلى الصَّفا وعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ أسْفَلَ مِن مَجْلِسِهِ يَأْخُذُ عَلى النّاسِ فَبايَعَ رسول الله ص عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ- فِيما اسْتَطاعُوا- وكَذَلِكَ كانَتْ بَيْعَتُهُ لِمَن بايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ص مِنَ النّاسِ عَلى الإسْلامِ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ الله ص مِن بَيْعَةِ الرِّجالِ بايَعَ النِّساءَ، واجْتَمَعَ إلَيْهِ نِساءٌ مِن نِساءِ قُرَيْشٍ، فِيهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، مُتَنَقِّبَةً مُتَنَكِّرَةً لِحَدَثِها وما كانَ مِن صَنِيعِها بِحَمْزَةَ، فَهِيَ تَخافُ أنْ يَأْخُذَها رَسُولُ الله ص بِحَدَثِها ذَلِكَ، فَلَمّا دَنَوْنَ مِنهُ لِيُبايِعْنَهُ}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.67.|حَدَّثَنِي بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، عَنْ رَجُلٍ مِن بَنِي جُذَيْمَةَ، قالَ: لَمّا أمَرَنا خالِدٌ بِوَضْعِ السِّلاحِ، قالَ رَجُلٌ مِنّا يُقالُ لَهُ جَحْدَمٌ: ويْلَكُمْ يا بَنِي جُذَيْمَةَ! إنَّهُ خالِدٌ! واللَّهِ ما بَعْدَ وضْعِ السِّلاحِ إلا الإسارُ، ثُمَّ ما بَعْدَ الإسارِ إلا ضَرْبُ الأعْناقِ، واللَّهِ لا أضَعُ سِلاحِي أبَدًا قالَ: فَأخَذَهُ رِجالٌ مِن قَوْمِهِ، فَقالُوا: يا جَحْدَمُ، أتُرِيدُ أنْ تَسْفِكَ دِماءَنا! إنَّ النّاسَ قَدْ أسْلَمُوا، ووُضِعَتِ الحَرْبُ، وأمِنَ النّاسُ، فَلَمْ يَزالُوا بِهِ حَتّى نَزَعُوا سِلاحَهُ، ووَضَعَ القَوْمُ السِّلاحَ لِقَوْلِ خالِدٍ، فَلَمّا وضَعُوهُ أمَرَ بِهِمْ خالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَكُتِّفُوا، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى السَّيْفِ، فَقَتَلَ مَن قَتَلَ مِنهُمْ فلما انتهى الخبر الى رسول الله ص رَفَعَ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ! ثُمَّ دَعا عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ ع، [فَقالَ: يا عَلِيُّ اخْرُجْ إلى هَؤُلاءِ القَوْمِ، فانْظُرْ فِي أمْرِهِمْ، واجْعَلْ أمْرَ الجاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَخَرَجَ حَتّى جاءَهُمْ ومَعَهُ مالٌ قَدْ بعثه رسول الله ص بِهِ، فَوَدِيَ لَهُمْ الدِّماءَ وما أُصِيبَ مِنَ الأمْوالِ، حَتّى إنَّهُ لَيَدِي مِيلَغَةَ الكَلْبِ، حَتّى إذا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِن دَمٍ ولا مالٍ إلا وداهُ، بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنَ المال.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.81-80.|حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سعد بن بكر، ان رسول الله ص قالَ يَوْمَئِذٍ لِخَيْلِهِ الَّتِي بَعَثَ: إنْ قَدَرْتُمْ على بجاد- رجل من بنى سعد ابن بَكْرٍ- فَلا يَفْلِتَنَّكُمْ، وكانَ بِجادٌ قَدْ أحْدَثَ حَدَثًا، فَلَمّا ظَفَرَ بِهِ المُسْلِمُونَ ساقُوهُ وأهْلَهُ، وساقُوا أُخْتَهُ الشَّيْماءَ بِنْتَ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العُزّى، أُخْتَ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنَ الرَّضاعَةِ، فَعَنَّفُوا عَلَيْها فِي السِّياقِ مَعَهُمْ، فَقالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعْلَمُونَ واللَّهِ أنِّي لأُخْتُ صاحِبِكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوها حَتّى أتَوْا بِها رسول الله ص.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.82.|غزوه الطائف
فَحَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، وحَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوارِثِ، قالَ: حَدَّثَنا أبِي، قالَ: أخْبَرَنا أبانُ العَطّارُ، قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عروه، قال: سار رسول الله ص يَوْمَ حُنَيْنٍ مِن فَوْرِهِ ذَلِكَ- يَعْنِي مُنْصَرَفَهُ مِن حُنَيْنٍ- حَتّى نَزَلَ الطّائِفَ، فَأقامَ نِصْفَ شهر يقاتلهم رسول الله ص وأصْحابُهُ، وقاتَلَتْهُمْ ثَقِيفٌ مِن وراءِ الحِصْنِ، لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ أحَدٌ مِنهُمْ، وأسْلَمَ مَن حَوْلَهُمْ مِنَ النّاسِ كُلِّهِمْ، وجاءَتْ رَسُولَ الله ص وفودهم، ثم رجع النبي ص ولَمْ يُحاصِرْهُمْ إلا نِصْفَ شَهْرٍ حَتّى نَزَلَ الجِعْرانَةَ، وبِها السَّبْيُ الَّذِي سَبى رَسُولُ اللَّهِ مِن حُنَيْنٍ مِن نِسائِهِمْ وأبْنائِهِمْ- ويَزْعُمُونَ أنَّ ذَلِكَ السَّبْيَ الَّذِي أصابَ يَوْمَئِذٍ مِن هَوازِنَ كانَتْ عُدَّتُهُ سِتَّةَ آلافٍ مِن نِسائِهِمْ وأبْنائِهِمْ- فلما رجع النبي ص إلى الجِعْرانَةِ، قَدِمَتْ عَلَيْهِ وُفُودُ هَوازِنَ مُسْلِمِينَ، فَأعْتَقَ أبْناءَهُمْ ونِساءَهُمْ كُلَّهُمْ، وأهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنَ الجِعْرانَةِ، وذَلِكَ فِي ذِي القَعْدَةِ.
ثُمَّ إنَّ رسول الله ص رَجَعَ إلى المَدِينَةِ، واسْتَخْلَفَ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَلى أهْلِ مَكَّةَ، وأمْرَهُ أنْ يُقِيمَ لِلنّاسِ الحَجَّ، ويُعَلِّمَ النّاسَ الإسْلامَ، وأمَرَهُ أنْ يُؤَمِّنَ مَن حَجَّ مِنَ النّاسِ، ورَجَعَ إلى المَدِينَةِ، فَلَمّا قَدِمَها قَدِمَ عَلَيْهِ وُفُودُ ثَقِيفٍ، فَقاضُوهُ عَلى القَضِيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ، فَبايَعُوهُ، وهُوَ الكِتابُ الَّذِي عِنْدَهُمْ كاتَبُوهُ عَلَيْهِ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.84-83.|فَقِيلَ لَهُ: الضَّيْقَةُ، فَقالَ: بَلْ هِيَ اليُسْرى ثم خرج رسول الله ص عَلى نَخَبٍ، حَتّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقالُ لَها الصّادِرَةُ، قَرِيبًا مِن مالِ رَجُلٍ مِن ثقيف، فأرسل اليه رسول الله ص: إمّا أنْ تَخْرُجَ، وإمّا أنْ نُخَرِّبَ عَلَيْكَ حائِطَكَ، فَأبى أنْ يَخْرُجَ، فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِإخْرابِهِ ثُمَّ مَضى رَسُولُ اللَّهِ حَتّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الطّائِفِ، فَضَرَبَ عَسْكَرُهُ، فَقُتِلَ أُناسٌ مِن أصْحابِهِ بِالنَّبْلِ، وذَلِكَ أنَّ العَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِن حائِطِ الطّائِفِ فَكانَتِ النَّبْلُ تَنالُهُمْ، ولَمْ يَقْدِرِ المُسْلِمُونَ أنْ يَدْخُلُوا حائِطَهُمْ، غَلَّقُوهُ دُونَهُمْ، فَلَمّا أُصِيبَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِن أصْحابِهِ بِالنَّبْلِ، ارْتَفَعَ، فَوَضَعَ عَسْكَرَهُ عِنْدَ مَسْجِدِهِ الَّذِي بِالطّائِفِ اليَوْمَ، فَحاصَرَهُمْ بِضْعًا وعِشْرِينَ لَيْلَةً، ومَعَهُ امْرَأتانِ مِن نِسائِهِ، إحْداهُما أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أبِي أُمَيَّةَ وأُخْرى مَعَها- قالَ الواقدي:
الأُخْرى زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ- فَضَرَبَ لَهُما قُبَّتَيْنِ، فَصَلّى بَيْنَ القبتين فَلَمّا أسْلَمَتْ ثَقِيفٌ، بَنى عَلى مُصَلّى رَسُول الله ص ذَلِكَ أبُو أُمَيَّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ وهْبِ بْنِ مُعَتِّبِ بْنِ مالِكٍ مَسْجِدًا، وكانَتْ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ سارِيةٌ- فِيما يَزْعُمُونَ- لا تَطْلُعُ عَلَيْها الشَّمْسُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، إلا سُمِعَ لها نقيض، فحاصرهم رسول الله ص، وقاتَلَهُمْ قِتالا شَدِيدًا، وتَرامَوْا بِالنَّبْلِ حَتّى إذا كانَ يَوْمَ الشَّدْخَةِ عِنْدَ جِدارِ الطّائِفِ، دَخَلَ نفر من اصحاب رسول الله ص تَحْتَ دَبّابَةٍ، ثُمَّ زَحَفُوا بِها إلى جِدارِ الطّائِفِ، فَأرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الحَدِيدِ مُحَمّاةً بِالنّارِ، فَخَرَجُوا مِن تَحْتِها، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنَّبْلِ، وقَتَلُوا رِجالا، فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَطْعِ أعْنابِ ثَقِيفٍ، فَوَقَعَ فِيها النّاسُ يَقْطَعُونَ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.85.|ثُمَّ إنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حارِثَةَ بْنِ الأوْقَصِ السُّلَمِيَّةِ- وهِيَ امْرَأةُ عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ- قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أعْطِنِي إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الطّائِفَ حُلِّيَّ بادِيَةَ بِنْتِ غَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ، أوْ حُلِيَّ الفارِعَةِ بِنْتِ عَقِيلٍ- وكانَتا مِن أحْلى نِساءِ ثَقِيفٍ- قالَ: فَذُكِرَ لي ان رسول الله ص قالَ لَها: وإنْ كانَ لَمْ يُؤْذَنْ لِي فِي ثَقِيفٍ يا خُوَيْلَةُ! فَخَرَجَتْ خُوَيْلَةُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلى رسول الله ص، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما حَدِيثٌ حَدَّثَتْنِيهِ خُوَيْلَةُ أنَّكَ قُلْتَهُ! قالَ: قَدْ قُلْتُهُ، قالَ: او ما أُذِنَ فِيهِمْ يا رَسُولَ اللَّهِ! قالَ: لا، قالَ:
أفَلا أُؤَذِّنُ بِالرَّحِيلِ فِي النّاسِ! قالَ: بلى، فاذن عمر بِالرَّحِيلِ، فَلَمّا اسْتَقَلَّ النّاسُ نادى سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ أُسَيْدِ بْن أبِي عَمْرِو بْنِ عِلاجٍ الثَّقَفِيَّ:
ألا إنَّ الحَيَّ مُقِيمٌ! قالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أجَلْ واللَّهِ مَجَدَّةً كِرامًا! فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: قاتَلَكَ اللَّهُ يا عُيَيْنَةُ! أتَمْدَحُ قَوْمًا مِنَ المُشْرِكِينَ بِالامْتِناعِ مِن رَسُولِ اللَّهِ، وقَدْ جِئْتَ تَنْصُرَهُ! قالَ: إنِّي واللَّهِ ما جِئْتُ لأُقاتِلَ مَعَكُمْ ثَقِيفًا، ولَكِنِّي أرَدْتُ أنْ يَفْتَحَ مُحَمَّدٌ الطّائِفَ فَأُصِيبُ مِن ثَقِيفٍ جارِيَةً أتَبَطَّنُها لَعَلَّها أنْ تَلِدَ لِي رَجُلا، فَإنَّ ثَقِيفًا قَوْمٌ مَناكِيرُ.
واستشهد بالطائف من اصحاب رسول الله ص اثْنا عَشَرَ رَجُلا، سَبْعَةٌ مِن قُرَيْشٍ ورَجُلٌ من بنى ليث، واربعه من الانصار}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.102.|ثم ان رسول الله ص جَدَّ فِي سَفَرِهِ، فَأمَرَ النّاسَ بِالجِهازِ والانْكِماشِ، وحَضَّ أهْلَ الغِنى عَلى النَّفَقَةِ والحُمْلانِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ورَغَّبَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَحَمَلَ رِجالٌ من اهل الغنى فاحتسبوا، وانفق عثمان ابن عَفّانَ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً عَظِيمَةً لَمْ يُنْفِقْ أحَدٌ أعْظَمَ مِن نَفَقَتِهِ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.108.|فَقُتِلَ يَوْمَ اليَمامَةِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أثَرٌ فَلَمّا انْتَهى رسول الله ص إلى تَبُوكَ، أتاهُ يُحَنةُ بْنُ رُؤْبَةَ، صاحِبُ ايله، فصالح رسول الله ص واعطاه الجزية، واهل جرباء واذرح اعطوه الجزية، وكتب رسول الله ص لِكُلٍّ كِتابًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.113-112.|حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، عَنْ شَيْبانَ بْنِ سَعْدٍ الطّائِيِّ، قالَ: كانَ عَدِيُّ بْنُ حاتِمِ طَيِّئٍ يَقُولُ فِيما بَلَغَنِي:
ما رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ كانَ أشَدَّ كَراهِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ حِينَ سمع به منى، اما انا لكنت امْرَأً شَرِيفًا، وكُنْتُ نَصْرانِيًّا أسِيرُ فِي قَوْمِي بِالمِرْباعِ، فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلى دِينٍ، وكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِما كانَ يُصْنَعُ بِي، فَلَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلامٍ كانَ لِي عَرَبِيٌّ وكانَ راعِيًا لإبِلِي: لا ابالك! أعْدِدِ لِي مِن إبِلِي أجْمالا ذُلُلا سِمانًا مسان، فاحْبِسْها قَرِيبًا مِنِّي، فَإذا سَمِعْتَ بِجَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ قد وطيء هَذِهِ البِلادَ فَآذِنِّي، فَفَعَلَ ثُمَّ إنَّهُ أتانِي ذاتَ غَداةٍ، فَقالَ: يا عَدِيُّ، ما كُنْتَ صانِعًا إذا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فاصْنَعْهُ الآنَ، فَإنِّي قَدْ رَأيْتُ راياتٍ، فَسَألْتُ عَنْها، فَقالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ، قالَ:
فَقُلْتُ: قَرِّبْ لِي جِمالِي، فَقَرَّبَها، فاحْتَمَلْتُ بِأهْلِي ووَلَدِي، ثُمَّ قُلْتُ:
ألْحَقُ بِأهْلِ دِينِي مِنَ النَّصارى بِالشّامِ، فَسَلَكْتُ الحُوشِيَّةَ وخَلَفْتُ ابْنَةَ حاتِمٍ فِي الحاضِرِ، فَلَمّا قَدِمْتُ الشّامَ أقَمْتُ بِها}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.116.|ثُمَّ جَلَسَ فَقالَ رَسُولُ الله ص لِثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِماسٍ أخِي بَلْحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ: قُمْ فَأجِبِ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ.
فَقامَ ثابِتٌ، فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي السَّمَواتُ والأرْضُ خَلْقُهُ، قَضى فِيهِنَّ أمْرَهُ، ووَسِعَ كُرْسِيَّهُ عِلْمُهُ، ولَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطُّ إلا مِن فَضْلِهِ ثُمَّ كانَ مِن قُدْرَتِهِ أنْ جَعَلَنا مُلُوكًا واصْطَفى مِن خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولا أكْرَمَهُمْ نَسَبًا، وأصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وأفْضَلَهُمْ حَسَبًا، فَأنْزَلَ عَلَيْهِ كِتابَهُ، وائْتَمَنَهُ عَلى خَلْقِهِ، فَكانَ خِيَرَةَ اللَّهِ مِنَ العالَمِينَ، ثُمَّ دَعا النّاسَ إلى الإيمانِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ المُهاجِرُونَ مِن قَوْمِهِ وذَوِي رَحِمِهِ، أكْرَمُ النّاسِ أنْسابًا، وأحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا، وخَيْرُ النّاسِ فِعالا، ثُمَّ كانَ أوَّلُ الخَلْقِ إجابَةً- واسْتَجابَ لِلَّهِ حِينَ دَعا رَسُولُ اللَّهِ ص- نَحْنُ، فَنَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ ووُزَراءُ رَسُولِهِ، نُقاتِلُ النّاسَ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ، فَمَن آمَنَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ مُنِعَ مالُهُ ودَمُهُ، ومَن كَفَرَ جاهَدْناهُ فِي اللَّهِ أبَدًا، وكانَ قَتْلُهُ عَلَيْنا يَسِيرًا، أقُولُ قَوْلِي هَذا وأسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ ولِلْمُؤْمِناتِ، والسلام عليكم.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.122-121.|أمّا بَعْدُ، فَإنَّ مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وأنَّهُ عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، ثُمَّ إنَّ مالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرَّهاوِيَّ قَدْ حَدَّثَنِي أنَّكَ أسْلَمْتَ مِن أوَّلِ حِمْيَرَ، وقَتَلْتَ المُشْرِكِينَ فَأبْشِرْ بِخَيْرٍ، وآمُرُكَ بِحِمْيَرَ خَيْرًا، ولا تَخُونُوا ولا تَخْذِلُوا فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَوْلى غَنِيِّكُمْ وفَقِيرِكُمْ، وإنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ ولا لأهْلِهِ، إنَّما هِيَ زَكاةٌ يُتَزَكّى بِها عَلى فُقَراءِ المُؤْمِنِينَ وأبْناءِ السَّبِيلِ، وإنَّ مالِكًا قَدْ بَلَّغَ الخَبَرَ وحَفِظَ الغَيْبَ، وآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وإنِّي قَدْ بَعَثْتُ إلَيْكُمْ مِن صالِحِي أهْلِي وأُولِي دِينِي، وأُولِي عِلْمِهِمْ، فَآمُرُكُمْ بِهِمْ خَيْرًا فَإنَّهُ مَنظُورٌ إلَيْهِمْ، والسَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.124-123.|قالَ أبُو جَعْفَرٍ: وفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُرِضَتِ الصدقات، وفرق فيها رسول الله ص عُمّالَهُ عَلى الصَّدَقاتِ وفِيها نَزَلَ قَوْلُهُ: «خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ»، وكانَ السَّبَبَ الَّذِي نَزَلَ ذَلِكَ بِهِ قِصَّةُ أمْرِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطِبٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ أبُو أُمامَةَ الباهِلِيُّ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.126.|سنه عشر
سريه خالد بن الوليد الى بنى الحارث بن كعب واسلامهم
قالَ أبو جعفر: فبعث فيها رَسُول اللَّهِ ص خالد بن الوليد فِي شهر ربيع الآخر- وقيل فِي شهر ربيع الأول، وقيل فِي جمادى الاولى- سريه في أربعمائة إلى بني الحارث بْن كعب.
فَحَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله ص خالد ابن الوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ- أوْ فِي جُمادى الأُولى- مِن سَنَةَ عَشْرٍ، إلى بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرانَ، وأمَرَهُ أنْ يَدْعُوَهُمْ إلى الإسْلامِ قَبْلَ أنْ يُقاتِلَهُمْ ثَلاثًا، فَإنِ اسْتَجابُوا لَكَ فاقْبَلْ مِنهُمْ، وأقِمْ فِيهِمْ، وعَلِّمْهُمْ كِتابَ اللَّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ، ومَعالِمَ الإسْلامِ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقاتِلْهُمْ.
فَخَرَجَ خالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرُّكْبانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلِّ وجْهٍ، ويَدْعُونَ النّاسَ إلى الإسْلامِ، ويَقُولُونَ: يا أيُّها النّاسُ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَأسْلَمَ النّاسُ، ودَخَلُوا فِيما دَعاهُمْ إلَيْهِ، فَأقامَ خالِدٌ فِيهِمْ، يُعَلِّمُهُمُ الإسْلامَ وكِتابَ اللَّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.131-130.|قدوم وفد الأزد
وفيها قدم وفد الأزد، رأسهم صرد بْن عبد الله فِي بضعة عشر فَحَدَّثَنا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله ص صرد ابن عَبْدِ اللَّهِ الأزْدِيُّ فَأسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ، فِي وفْدٍ مِنَ الأزْدِ، فَأمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلى مَن أسْلَمَ مِن قَوْمِهِ، وأمَرَهُ أنْ يُجاهِدَ بِمَن أسْلَمَ مِن أهْلِ بَيْتِهِ المُشْرِكِينَ مِن قَبائِلِ اليَمَنِ، فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسِيرُ بِأمْرِ رَسُولِ اللَّهِ فِي جَيْشٍ حَتّى نَزَلَ بِجُرَشَ، وهِيَ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةٌ مُغْلَقَةٌ، وفِيها قَبائِلُ اليَمَنِ، وقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمٌ، فَدَخَلُوا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِمَسِيرِ المُسْلِمِينَ، فَحاصَرُوهُمْ بِها قَرِيبًا مِن شَهْرٍ، وامْتَنَعُوا مِنهُمْ فِيها ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قافِلا، حَتّى إذا كانَ إلى جَبَلٍ يُقالُ لَهُ كُشَرَ ظَنَّ أهْلُ جُرَشَ أنَّهُ إنَّما ولّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتّى إذا أدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلا، وقَدْ كانَ أهْلُ جُرَشَ قَدْ بعثوا رجلين منهم الى رسول الله ص وهُوَ بِالمَدِينَةِ يَرْتادانِ ويَنْظُرانِ، فَبَيْنا هُما عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ عَشِيَّةً بَعْدَ العَصْرِ، إذْ قالَ رسول الله ص: بِأيِّ بِلادِ اللَّهِ شُكَرُ؟ فَقامَ الجُرَشِيّانِ فَقالا: يا رَسُولَ اللَّهِ، بِبِلادِنا جَبَلٌ يُقالُ لَهُ جَبَلُ كُشَرَ، وكَذَلِكَ تُسَمِّيهِ أهْلُ جُرَشَ، فَقالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِكُشَرَ، ولَكِنَّهُ شُكَرُ [قالا: فماله يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّ بُدْنَ اللَّهِ لَتُنْحَرَ عِنْدَهُ الآنَ] قالَ فَجَلَسَ الرَّجُلانِ إلى ابى بكر والى عُثْمانَ، فَقالَ لَهُما: ويْحَكُما! إنَّ رَسُولَ اللَّهِ الآنَ لَيَنْعِي لَكُما قَوْمَكُما، فَقُوما إلى رَسُولِ اللَّهِ فاسْألاهُ أنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُما، فَقاما إلَيْهِ فَسَألاهُ ذَلِكَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ، فَخَرَجا مِن عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ راجِعَيْنِ إلى قَوْمِهِما، فَوَجَدا قَوْمَهُما أُصِيبُوا يَوْمَ أصابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي اليَوْمِ الذى قال فيه رسول الله ص ما قالَ، وفِي السّاعَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيها ما ذَكَرَ، فَخَرَجَ وفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا على رسول الله ص فَأسْلَمُوا، وحَمى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلى أعْلامٍ مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ، ولِلرّاحِلَةِ، ولِلْمُثِيرَةِ تُثِيرُ الحَرْثَ، فَمَن رَعاها مِنَ النّاسِ سِوى ذَلِكَ فَمالُهُ سُحْتٌ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأزْدِ فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ- وكانَتْ خَثْعَمٌ تُصِيبُ مِنَ الأزْدِ فِي الجاهِلِيَّةِ}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.152.|ذكر جمله الغزوات
قالَ أبُو جَعْفَرٍ: وكانَتْ غَزَواتُهُ بِنَفْسِهِ سِتًّا وعِشْرِينَ غَزْوَةً، ويَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُنَّ سَبْعٌ وعِشْرُونَ غَزْوَةً، فَمَن قالَ: هِيَ سِتٌّ وعِشْرُونَ، جَعَلَ غزوه النبي ص خَيْبَرَ وغَزْوَتُهُ مِن خَيْبَرَ إلى وادِي القُرى غَزْوَةً واحِدَةً، لأنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِن خَيْبَرَ حِينَ فَرَغَ مِن أمْرِها إلى مَنزِلِهِ، ولَكِنَّهُ مَضى مِنها إلى وادِي القُرى، فَجَعَلَ ذَلِكَ غَزْوَةً واحِدَةً ومَن قالَ: هِيَ سَبْعٌ وعِشْرُونَ غَزْوَةً، جَعَلَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ غَزْوَةً، وغَزْوَةَ وادِي القُرى غَزْوَةً أُخْرى، فَيَجْعَلُ العَدَدَ سَبْعًا وعِشْرِينَ.}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.157-156.|وقد كان رسول الله ص بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وأصْحابَهُ- فِيما بَيْنَ بَدْرٍ وأُحُدٍ- إلى كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ فَقَتَلُوهُ، وبعث رسول الله ص عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إلى خالِدَ بْنَ سُفْيانَ بْنِ نُبَيْحٍ الهُذَلِيِّ- وهُوَ بِنَخْلَةٍ أوْ بِعُرَنَةَ- يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ لِيَغْزُوَهُ، فَقَتَلَهُ.
حَدَّثَنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قالَ: دعانى رسول الله ص، فَقالَ: إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ خالِدَ بْنَ سُفْيانَ بْنِ نُبَيْحٍ الهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِيَ النّاسَ لِيَغْزُوَنِي- وهُوَ بِنَخْلَةٍ أوْ بَعُرْنَةَ- فَأْتِهِ فاقْتُلْهُ، قالَ:
قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتّى أعْرِفَهُ، قالَ: إذا رَأيْتَهُ أذْكَرَكَ الشَّيْطانَ! إنَّهُ آيَةٌ ما بَيْنَكَ وبَيْنَهُ أنَّكَ إذا رَأيْتَهُ وجَدْتَ لَهُ قَشْعَرِيرَةً قالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي حَتّى دَفَعْتُ إلَيْهِ وهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتادُ لَهُنَّ مَنزِلا حَيْثُ كانَ وقْتُ العَصْرِ، فَلَمّا رَأيْتُهُ وجَدْتُ ما وصَفَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ القَشْعَرِيرَةِ، فَأقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وخَشِيتُ أنْ تَكُونَ بَيْنِي وبَيْنَهُ مُجاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلاةِ، فَصَلَّيْتُ وأنا أمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي إيماءً، فَلَمّا انْتَهَيْتُ إلَيْهِ قالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ سَمِعَ بِكَ وبِجَمْعِكَ لِهَذا الرَّجُلِ، فَجاءَكَ لِذَلِكَ، قالَ: أجَلْ، أنا فِي ذَلِكَ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا حَتّى إذا أمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ حَتّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وتَرَكْتُ ظَعائِنَهُ مُكِبّاتٍ عَلَيْهِ.
فَلَمّا قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ وسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ورَآنِي، قالَ: أفْلَحَ الوَجْهُ! قالَ:
قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ قالَ: صَدَقْتَ! ثُمَّ قامَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَأعْطانِي عَصًا، فَقالَ: أمْسِكْ هَذِهِ العَصا عِنْدَكَ يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ قالَ:
فَخَرَجْتُ بِها عَلى النّاسِ، فَقالُوا: ما هَذِهِ العَصا؟ قُلْتُ: أعْطانِيها رَسُولُ اللَّهِ، وأمَرَنِي أنْ أمْسِكَها عِنْدِي، قالُوا: أفَلا تَرْجِعُ إلى رَسُولِ اللَّهِ فَتَسْألَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ فَرَجَعْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أعْطَيْتَنِي هَذِهِ العَصا؟ قالَ: آيَةُ ما بَيْنِي وبَيْنَكَ يَوْمَ القِيامَةِ، إنَّ أقَلَّ النّاسِ المُتَخَصِّرُونَ يَوْمَئِذٍ، فَقَرَنَها عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى إذا ماتَ أمَرَ بِها فَضُمَّت مَعَهُ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنا جَمِيعًا}}{{اقتباس|الطبري، أبو جعفر (ت 923). [https://app.turath.io/book/9783 ''تاريخ الرسل والملوك'']. المكتبة الشاملة. ج.3، ص.158.|حَدَّثَنِي الحارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ سعد، قالَ: قالَ محمد ابن عمر: كانت سرايا رسول الله ص ثمانيا وأربعين سرية.}}
[[en:Qur'an,_Hadith_and_Scholars:Muhammad_and_Jihad]]
Editor، محررون، recentchangescleanup
١٬٢٢٢

تعديل